كتب الأستاذ حليم خاتون: لا تفكرها عم
مقالات
كتب الأستاذ حليم خاتون: لا تفكرها عم "بتقدم"، راجعة بإذن الله
حليم خاتون
31 كانون الثاني 2023 , 15:21 م

كتب الأستاذ حليم خاتون: 

كيفما نظر المرء إلى الوضع في لبنان، تظهر الصورة قاتمة...

ما حصل في القضاء مؤخراً، ليس سوى رأس جبل الجليد...

كل السلطات في لبنان ينخرها السوس...

كل الهيئات، كل مفاصل الدولة تسير إلى الإنهيار الكبير...

المسألة ليست في استقلالية القضاء...

القضاء ليس سوى صورة مصغرة عن وضع البلد المهترئ...

القضاء، كما كل مؤسسات النظام في لبنان، يحتاج إلى تنظيف جذري يمر في أكثر من غربال حتى لا يخرج إلا القليل القليل من كل هؤلاء القضاة...

حتى هؤلاء القلة يتوجب تطهيرهم بكل انواع المبيدات التي قد لا تبقي أحدا منهم...

كما في كل النظام اللبناني، الآدمي في هذا القضاء متهم حتى تثبت براءته، وإثبات هذه البراءة أصعب من إدخال جملِِ في "خرم أبرة"، على حد وصف السيد المسيح...

ما أن انفجرت بين المحقق العدلي طارق البيطار، ومدعي عام التمييز غسان عويدات، حتى انقسم حثالة من نزلوا إلى الشوارع، أو انتشروا على الشاشات إلى قسمين من الاغبياء:

قسم يتبع أميركا مباشرة بصفة عميل مباشر راح ينفخ باسم البيطار...

وقسم آخر حمل لواء عويدات، وهو يتبع في واقع الحال للمنظومة الحاكمة التي تتبع بدورها أميركا بصفة عميل اهبل غير مباشر...

أما بقية اللبنانيين، فإن فيهم الذي ملّ "السطلنة"، وفيهم الذي فقد الأمل ولم يعد يهتم، وفيهم الذي يرى أن الفرق الوحيد بين الطرفين هو في درجة العهر فقط لا غير، وليس في جوهر العهر نفسه...

لا البيطار يهتم لمعرفة الحقيقة، ولا غسان عويدات مستعد لإخراج "الزير من البير"...

القصة كما رواها الإعلامي حسين ايوب على شاشة الجديد هي ببساطة أن الطرفين يخضعان لنفس السيد الأميركي...

جاء الأمر من السفيرة الأميركية بأنه يجب إطلاق سراح جميع الموقوفين وإلا...

اسرع البيطار بإطلاق خمسة منهم فقط وكله أمل أن يدفع هذا الخضوع الجزئي باتجاه التدويل الذي يجعل منه بطلا وهو أبعد ما يكون عن هذه البطولة...

في المقابل، دب الذعر في المنظومة الحاكمة من خطوة البيطار، فأسرع غسان عويدات بإكمال خطوة البيطار إلى النهاية والإفراج عن الجميع خوفاً من العقوبات ومن غضب أميركا...

ليس المهم من أخطأ في تطبيق القانون بقدر أن المهم ان الطرفين لا يملكان حرية القرار...

البيطار وعويدات ومن خلفهما كل الجسم القضائي عبد للسيد الاميركي إن تكلم ونقطة على السطر...

كل الفذلكات التي تخرج على الشاشات لتعبر عن دعم الأول أو الثاني ليست سوى قماش شفاف يحاول ستر عورة القضاء التي بانت على حقيقتها الفاقعة كما هو الواقع...

الطرفان أصدرا ما أصدرا فقط خوفاً من سوط السيد الأميركي...

هل قصدت السفير الأميركية الوصول الى التدويل ام إلى إقفال القضية...؟

من تابع الحلقة وأكمل الاستماع إلى الاعلامي جان عزيز يخرج بانطباع أن الكل متفق على أن لا تظهر الحقيقة...

هل تذكرون يوم تفجير المرفأ؟

خرج الرئيس الأميركي في ذلك الوقت يقول حرفياً:

"لقد أُبلغت أن مرفأ بيروت تعرض لهجوم"...

من هاجم المرفأ؟

من له مصلحة في الهجوم على المرفأ؟

كل المنطق يقول بأن اسرائيل هاجمت مرفأ بيروت...

من له مصلحة في كشف هذه الحقيقة؟

لا أحد...

اسرائيل التي اغتالت الشهيد مغنية لا تجرؤ حتى اليوم على تبني هذا الإغتيال...

لذلك هي لن تعلن أنها هاجمت مرفأ بيروت لأنها تعرف أن الثمن سوف يكون عظيماً...

لذلك ابتلع ترامب لسانه ولم يعد يتحدث عن هجوم...

الطرف المقابل أيضاً لا يريد معرفة الحقيقة لأن كشف هذه الحقيقة التي تقول إن اسرائيل هي من هاجم المرفأ يفرض رداً سوف يفجر المنطقة... وبصراحة الشبيبة غير مستعدين للذهاب الى هذه الدرجة من السخونة...

لماذا لا يريدون؟

لأن نظرية مراكمة القوة بالتدريج واللعب على عامل الوقت هو الاستراتيجية المتبعة...

ما حصل بعد اغتيال الشهيد قاسم سليماني خير دليل...

أقل من عشرين صاروخاً دكت قاعدة عين الأسد بعد أن تم تمرير خبر القصف بطريقة غير مباشرة عن طريق الطلب إلى العراقيين سحب ما لديهم من القاعدة...

إنه نفس المنطق...

الرد على مهاجمة مرفأ بيروت كان سوف يعني فتح أبواب جهنم في المنطقة...

الطرف الأول لا يريد لأنه يعلم أنه أعجز من تحمل التبعات، والطرف الثاني لا يريد لأنه لا يثق بأن المنطقة سوف تتحمل فتنمة الصراع...

ربما مع الطرف الثاني بعض الحق لأن الناس غير مستعدين لقيام حرب تدميرية شاملة قد تؤدي إلى سقوط عشرات أو مئات آلاف القتلى وربما حتى ملايين حتى لو كان هذا سوف يعني تدمير الكيان...

يعتقد طرف الممانعة أن ثمن تدمير الكيان سوف يكون كبيرا جدا بهذه الحالة، وربما أدى إلى دخول جحافل الأطلسي وغزو كل المنطقة بما في ذلك إيران...

لذلك لن تظهر الحقيقة ابدا...

لكن هذا لا يعني أن أميركا لا تريد تدويل القضية...

التدويل سوف يسمح لها تزوير الحقيقة من جهة، وزيادة الضغوط على حزب الله...

ما يفعله طارق البيطار يصب في النهاية إلى ما يريده الأميركيون...

أما غسان عويدات والمنظومة، كل همهم تجنب العقوبات الأميركية من جهة، وتجنب التدويل لأن هذا سوف يدفع لبنان بسرعة أكبر نحو الفوضى الشاملة وربما نحو زوال الكيان كما نعرفه اليوم...

في النهاية... هناك حقائق كثيرة سوف تظل طي الكتمان حتى يزول خطر انكشافها، تماما كما حصل في اغتيال جون كينيدي أو مارتن لوثر كينغ...

أما القضاء الفرنسي، ليته ينهي تحقيقاً في انفجار النيترات الذي حصل منذ سنوات في فرنسا ولا تزال التحقيقات تدور في الفراغ...

هل ما حصل في القضاء وحده ما يهدد مصير الكيان؟

قطعا لا...

لبنان الذي نعرف مهدد بسبب عقم الطبقة السياسية الحاكمة...

الحديث عن عقم هذه الطبقة لا يقتصر على فريق واحد...

كل الفرقاء مسؤولون...

لكن أزمة انتخاب رئيس للجمهورية اليوم يدفع من حيث قصد أم لم يقصد إلى الانفجار الكبير...

طرف الممانعة يريد السترة.

يحاول العمل على اتفاق ما يجنب لبنان انفجار الوضع...

الطرف الثاني ركب رأسه بناءً على مراهنة على الأميركيين ويسعى فعلا إلى تفجير الوضع...

لكن الذي سوف يلعب دور الصاعق هنا هو جبران باسيل...

جبران الخائف من فقدان أهمية دوره في حال وصول رئيس قوي إلى الرئاسة يعمل جاهدا على خطين:

الأول هو محاولة إقناع حزب الله السير برئيس لا طعم له ولا رائحة يستطيع باسيل عبره البقاء والمحافظة على ما كسب من نفوذ بانتظار شيء ما خلال السنوات الست القادمة...

أما الطريق الثاني في حال فشل في جر حزب الله إلى الخيار الذي يريد... هو اللعب سولد إما عبر الاتفاق مع القوات اللبنانية أو عبر المزيد من التأزيم في الوضع خاصة بعد أن حشر القوى المسيحية و البطريركية المارونية وجرها إلى تبني موقفه بالنسبة لاجتماعات الحكومة...

إذا استطاع إقناع القوات بالحديث معه لفرض اسم ثالث، يكون قد وجه صفعة إلى حزب الله دون قطع الخيوط نهائيا معه...

خاصة وأن الجميع يقول إنه مستعد للسير بما يسير عليه المسيحيون...

ويعمل خلال السنوات الست القادمة على اللعب على العصبية المسيحية من أجل المحافظة أو حتى إعادة اكتساب القواعد التي خسرها التيار خلال السنين القادمة...

جبران مستعد للذهاب حتى أبعد مع القوات إذا ضمن المداورة مع جعجع في رئاسة الجمهورية...

جبران باسيل يعرف بأنه مكروه من كل القوى السياسية...

هو يائس...

قد يدفعه هذا اليأس إلى خيارات انتحارية... لذلك يراهن على القوات رغم علمه بأن ما يفعله يدفع البلد إلى حرب أهلية جديدة...

يبدو أن جبران اليائس قرر فعلاً تفجير نفسه وتفجير الهيكل على رؤوس الجميع...

حليم خاتون

المصدر: موقع إضاءات الإخباري