هل تنجح الثقافة والمثقفين  في ايقاظ المنومين؟
مقالات
هل تنجح الثقافة والمثقفين في ايقاظ المنومين؟
زياد أبو الرجا
14 شباط 2023 , 18:44 م


منذ ان بسط العثماني سيطرته على الوطن العربي وساق امة العرب الى الكهف والرقيم العثماني وضرب على اذانها اربعة قرون من الزمن ودون تقلب ذات اليمين وذات الشمال وضياء الشمس لا تطرق باب كهفهم ورقد حارسها العثماني على وصيده مريضا معلولا  واخذت الكلاب البرية الغربية تنهش جسده وتقتطع منه ما تشتهي حتى داهمت جحافل جيوش (( الغرب الكافر)) ديار (( الشرق المؤمن)) في الحرب العالمية الاولى حيث فزت الامة من سباتها لتقف عارية مذعورة  بلا حارسها تاركا اياها تحت رحمة الغازي الاستعماري المدجج بالسلاح والحيل السياسية والمكر الثعلبي والذي راح يشرذم ويقسم ويحلل ويحرم ثم قام بتشكيل كيانات اقليمية هزيلة (( بحكم الظرف الذاتي والموضوعي)) تحت مظلة سايكس- بيكو  واسس لقيام الكيان الصهيوني على ارض فلسطين كقاعدة استيطانية متقدمة في المشرق العربي نفاذا لوعد بلفور المشؤوم. قامت الدول الاستعمارية التي تقاسمت ارث الرجل المريض بالقاء الشعوب العربية في " غياهب الجب". في اواخر تلك المرحلة حملت الامة في احشاءها بواكير نهضة  قومية  متفاوتة في عدة اقطار عربية ورافق تلك المرحلة ظهور حركات اسلاموية  تحن الى الماضي السحيق والعودة الى ما سموه " الخلافة العثمانية"  وهي بذلك ارادت ان تاخذ الامة(( من تحت الدلف لتحت المزراب)). اما الحركات القومية وعلى الرغم من صدقية رؤيتها الا ان الواقع والظرف الموضوعي لم يسعفانها في تغيير الكيانات الوظيفية التي اقامها المستعمر على انقاض السلطة العثمانية وانقسمت تلك الحركات الى تيارات قطرية على خارطة سايكس بيكو  مثال ذلك حزب البعث العربي الاشتراكي الذي انقسم الى شقين السوري والعراقي، وكذلك المد القومي الناصري الذي لم ياخذ شكل الحزب  بل بقي حركة وظاهرة قومية بلا اطر تنظيمية تجمعها وبلا قيادة حزبية  ترسم لها خارطة طريق ومنهج عمل اما الاحزاب الشيوعية العربية فهي لا تؤمن اصلا بامة عربية (( لان الامة لها خصائص محددة في الفكر الماركسي اللينيني))  وهي غير متوفرة لدى الشعوب العربية.

بقيت الانظمة الوظيفية مسيطرة على الوضع طيلة الفترة الممتدة من نهاية الحرب العالمية الاولى حتى ما بعد الحرب العالمية الثانية والمت الفاجعة والنكبة الفلسطينية بالشعوب العربية من المحيط الى الخليج وسيطر الكيان الصهيوني على  %78من ارض فلسطين بعد ان خاض معارك صورية مع جيوش انظمة التبعية ذات القيادة الاجنبية والسلاح الفاسد.

كان من تداعيات هذه الحرب ونتائجها الكارثية ان قام بعض الضباط العرب الذين شاركوا في هذه الحرب وشهدوا عيانا وفي الميدان تأمر انظمة التبعية على فلسطين ومن ابرز هؤلاء الضابط في الجيش المصري" البجباشي جمال عبد الناصر" والذي تم حصاره في الفالوجة حيث قاد هو ورفاقه الضباط الاحرار ثورة تموز/ يوليو 1952 وبعد سنوات قامت ثورة تموز/ يوليو في العراق سنة 1958من ضباط شاركوا في حرب فلسطين ناهيك عن الانقلابات المتتالية في سورية. بينما فشلت محاولات الانقلاب في الاردن.

القت الحرب الباردة بين العملاقين بظلالها على كل الاقليم  وتمترست انظمة التبعية خلف دول المركز الامبريالي  فيما الدول التي شهدت الانقلابات لم تتمترس خلف دول المعسكر الاشتراكي بل بقيت مترددة (( رجل في الزرع ورجل في البور))  وذلك بحكم قصر وعيها، وتأمرت عليها دول التبعية الرجعية والاحزاب المتخلفة والمرتبطة بالمشاريع الاستعمارية وما حرب الاكراد على الدولة العراقية وحرب اليمن  وعدوان حزيران 1967 الا ابرز تجليات المؤامرة الكبرى على مصر الناصرية وما تمثله من نهوض قومي  ومركز استقطاب لكل القوى والاحزاب التحررية في المنطقة.

حين قررت مصر وسوريا ان تمحوا اثار العدوان الصهيوني، تقربت اكثر من اي وقت مضى من الاتحاد السوفياتي والمعسكر الاشتراكي، الذي اعاد تسليح وتدريب جيشيهما، وخاضتا حرب استنزاف تعميدا بالنار والتي توجت بحرب تشرين الاول/ اوكتوبر  1973 التي باغتت الكيان واخذته على حين غرة. وهذا جعل هنري كيسنجر يستنبط استراتيجية جديدة لخصها بالقول: (( يجب ان لا يحدث هذا مرة اخرى)) اي ان تكون حرب تشرين/ اوكتوبر اخر الحروب بين العرب والكيان الصهيوني. منذ ذلك الوقت وامريكا على راس الناتو والكيان يعملون على اسقاط دول الطوق وتحطيم وتفكيك جيوشها.

بعد تفكك الاتحاد السوفياتي وحلف وارسو صارت امركا سيدة العالم بلا منازع وتربعت على عرشه واخذت الرأسمالية تتطور الى العولمة السريعة ومن ثم الى النيوليبرالية المتوحشة. ان فلاسفة الماركسية كانوا يتوقعون ذبول او تلاشي الدولة الاشتراكية The Withering Of The State

  ليحل محلها مجتمع السلم والاشتراكية والمساواة، لقد تحققت نبوئتهم في تلاشي الدولة ولكن على ايدي النيولبرالية التي حلت محل الدولة في امركا وارادت ان تعممها بالقوة والثقافة الداعمة لها على خارطة العالم، وخاصة تلك الانطمة والدول الغير راسخة ومتجذرة.

ان ما نشهده الان في اقليمنا العربي بمشرقه ومغربه هو القضاء على الدول والانظمة لا يهدف الى احلال انظمة ديموقراطية  تسود فيها المساواة والعدالة الاجتماعية بل من اجل تجزئة المجزأ وتقسيم المقسم  على اسس دينية وطائفية وعرقية بل وعشائرية اي العودة باوطاننا الى اشكال النظم الاجتماعية الاكثر تخلفا عبر التاريخ.

ما هي المهمات التي تقع على كاهل الثقافة والمثقفين  لانجاز التغير وتحقيق الهدف المنشود للتحرر والانعتاق، اي ثقافة نريد؟ هل هي ثقافة قطرية ام قومية؟ .يعرف الدكتور فؤاد زكريا الثقافة بالقول: (( ان الثقافة هي منظومة الانتاج والابداع الفكريين والفنيين التي تميز قوما عن الاقوام الاخرى  دون ان تفصلهم عنها.))

ان الثقافة التي تعجز عن ان تسقي المجتمع حتى الارتواء الثقافي، تبقى ثقافة البنى الفوقية من المجتمع ومنقطعة عن التفاعل مع البنى التحتية والتأثير فيها ايجابيا. ان ثقافة البنى الفوقية هي عمود الخيمة للانظمة القطرية التابعة للمركز الامبريالي. ان مثقفي الانظمة يوضع تحت تصرفهم  كل وسائل الاعلام من  الصحافة ومحطات التلفزة والاذاعة وكافة وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة وهم الذين يضعون مناهج التربية والتعليم من مرحلة رياض الاطفال وصولا الى اعلى مراحل التعليم الجامعي، وترضعهم الانظمة من ضرعها السخي الحلوب، وهم غير مستعدين للفطام .

نعرف انهم مرتزقة ومنفصلين عن المجتمع وحاجاته، وانهم من اطال وما زال يطيل في عمر الكيان الصهيوني والانظمة، ان غياب ثقافة شاملة متكاملة غير قابلة للتجزئة كما الحكمة لا تتغير، تزود البنى التحتية العريضة بثقافة فاعلة ، قادرة على تقديم نسق من الحقيقة والتغير.

ولانها لا تملك من الامكانات التي لدى خصومها فان المقاومة المسلحة ضد الكيان هي وسيلتها في حماية نفسها ومواجهة اعدائها واستنهاض  النائمين في الكهف والرقيم والمغيبين في غياهب الجب. حيث انتج هؤلاء النائمون  ثقافتهم الاسطورية والغيبية  معتقدين انهم حققوا الارتواء الثقافي واستمرؤا هذا الواقع ويستميتون في الدفاع عنه.

بناءا على ما تقدم فان ثقافة التنوير والتغيير بدون الفكر المقاوم تبقى عاجزة عن احداث تصدعات في جدران الثقافة الاسطورية الغيبية  السائدة لان لديها اكثر من جيش اوله التخلف والجهل وثانيه السلطة بكل ادواتها الاعلامية والمادية واحزاب الردة والتخلف والرجعية واخره قلعة المركز الامبريالي المدافع عن كل هذه الادوات المتخلفة.

ما احوجنا اليوم الى الى فلسفة مقاومة

وما احوجنا الى ثقافة مقاومة

وما احوجنا الى بناء جسور مع كل القوى الانسانية في كل ارجاء العالم التي تجابه الظلم والتغول الامبريالي

وما احوجنا الى التواصل مع كل ثقافات الاخر.

م/ زياد ابو الرجا

المصدر: موقع إضاءات الإخباري