كتب الأستاذ حليم خاتون:
يقول الاستاذ ناصر اللحام على شاشة الميادين في وصف السيد نصرالله ما معناه إن السيد ليس مجرد قائد للمقاومة...
ليس مجرد سيد للمقاومة...
هو سيد قادة المقاومات...
عودة إلى أواخر الستينيات من القرن الماضي...
المكان مطار عمان...
الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين تجبر ثلاث طائرات غربية على الهبوط في مطار عمان، ثم تقوم بتفجيرها...
عودة إلى سبعينيات القرن الماضي...
المكان: مطار اللد/ فلسطين المحتلة...
ثلاث انتحاريين من الفيلق الأممي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين؛ أعضاء من الجيش الأحمر الياباني هبطوا للتو في المطار... فتحوا الحقائب، سحبوا منها ما تيسر من قنابل وأسلحة رشاشة وبدأوا إطلاق النار على كل المستوطنين والمرتزقة الموجودين في المطار...
سقط إثنان وأصيب كوزو أوكاموتو إصابات بالغة منعته من الالتحاق برفيقيه بعد مقتل العشرات في المطار...
عودة إلى سبعينيات القرن الماضي...
المكان: القرية الأولمبية في ميونيخ/ ألمانيا الغربية...
كوماندوس فلسطيني من منظمة أيلول الأسود ينجح في اقتحام الجناح الاسرائيلي والسيطرة على مجموعة من المستوطنين الصهاينة...
تنتهي العملية باستشهاد وجرح وأسر الكوماندوس ومقتل معظم الرهائن من المستوطنين...
عملية الشهيدة الخالدة دلال المغربي...
عملية جمال عبد الناصر التي وقع فيها الشهيد سمير القنطار أسيرا مصابا بجراح بالغة...
عشرات العمليات النوعية...
عشرات المعارك النوعية قد تبدأ بمعركة الكرامة في الاردن ولا تنتهي بصمود اسطوري في قلعة الشقيف اللبنانية لبضعة مقاتلين من اليسار وبضعة اشبال من الثورة الفلسطينية أثناء التصدي لاجتياح ١٩٨٢...
تاريخ طويل له ما قبله على أيدي المجاهدين الفلسطينيين ومئات من المتطوعين العرب لم يستطيعوا منع النكبة وغرس غدة سرطانية في قلب بلاد الشام...
تاريخ طويل له ما بعده من منظمات وفصائل ونضال انتهى بعضه في حضن الإمبريالية بإقامة سلطة "وطنية!" فلسطينية تعمل حرس حدود لاسرائيل أو في احسن الأحوال، تدير سجناً كبيرا يحوي كل الشعب الفلسطيني بانتظار تهجير ما، أو ترانسفير أو حتى العيش في غيتوات كما الهنود الحمر في أميركا...
عملياً، انتهت منظمة التحرير يوم وقعت على اتفاقية أوسلو...
لم يصدق ياسر عرفات أنها النهاية... حاول المقاومة قدر المستطاع لكنه وقع بنفسه على وثيقة اغتياله يوم خضع للرباعية وتخلى عن صلاحيات تاريخية لرجل اميركا في منظمة التحرير، محمود عباس...
لم يتعلم ياسر عرفات من تجربة جمال عبدالناصر الذي جعل من رجل المساومات، انور السادات نائبا له...
عودة إلى ثمانينيات القرن الماضي...
المكان: خلدة
ترفض مجموعة من المقاتلين الاسلاميين مسلسل الانسحاب بلا قتال الذي مارسته فصائل منظمة التحرير والحركة الوطنية اللبنانية أمام الاجتياح...
على محور خلدة تعرف اسرائيل معنى القتال وجها لوجه...
تدخل إسرائيل إلى بيروت وتحتل ثاني عاصمة عربية بعد القدس...
لكن معارك خلدة تركت جنود العدو يحومون حول الضاحية الجنوبية دون دخولها خوفا من السلاح الموجود في أيدي نوعية أخرى من الرجال في الداخل...
تنطلق أكثر من حركة مقاومة...
معظمها فردي...
يحاول الحزب الشيوعي ومنظمة العمل الشيوعي إطلاق جبهة مقاومة وطنية لبنانية (جمول)...
لكن هذا الجنين وإن لم يمت، إلا أنه لم ينم...
كذلك حاول الحزب القومي السوري...
إلا أن الوريث الشرعي للثورة الفلسطينية جاء هذه المرة من تزاوج بين شباب خرج من رحم هذه الثورة الفلسطينية مع شباب خرج من مخاض الثورة الإسلامية التي انتصرت لتوها في إيران...
عودة إلى الزمن الحاضر...
منذ الثمانينيات، توقف عداد النمو البطيء لما سوف يصبح لاحقاً مقاومة إسلامية شرسة ضد وجود الكيان الصهيوني...
لم تكن ولادة حزب الله ولادة طبيعية بالمعنى التقليدي لبقية الولادات...
استفاد حزب الله من انتصار الثورة الإسلامية في إيران ليخطو خطوات جبارة جعلت منه ندا لكل ما سبق...
هل يستحق حزب الله وصف الاستاذ ناصر اللحام إنه سيد المقاومات؟
نعم... ولا في الوقت عينه...
حزب الله هو القوة العربية الأولى التي أجبرت العدو الصهيوني على الانكفاء عن أرض محتلة دون قيد أو شرط حين نجح في تحرير سنة ٢٠٠٠.
حزب الله هو القوة العربية الأولى التي استطاعت إنهاء أسطورة الجيش الاسرائيلي الذي لا يقهر في أكثر من منازلة...
حزب الله هو القوة التي أسقطت الدور الوظيفي للكيان الاسرائيلي:
للمرة الأولى احتاج كلب الحراسة إلى مجيء سيده مباشرة إلى المنطقة...
في السابق، دخل البريطانيون والفرنسيون إلى جانب اسرائيل سنة ٥٦...
لكن أميركا ظلت تعمل من خلف الستار...
آخر تدخل مباشر للغرب من أجل اسرائيل كان مع اخر حرب رسمية في تشرين ٧٣ مع طيارين أميركيين يحاربون مباشرة في سماء مصر وسوريا...
بعد كامب ديفيد، صارت اسرائيل قوة إقليمية عظمى...
كبر كلب الحراسة إلى درجة عدم ضرورة وجود سيده في الجوار...
بعد تموز ٢٠٠٦، تلقى الكلب ضربات جعلته يئن تحت جروح لا تلتئم حتى يومنا هذا...
التوازن الاستراتيجي المفقود دوما بين العرب وإسرائيل صار واقعاً قائما منذ تموز ٢٠٠٦...
توجت حرب تموز حزب الله بطل الأبطال في كل الأوزان...
أجهض حزب الله أول محاولة أميركية لكسر الواقع الجديد حين اقتلع كل الاوكار المزروعة في لبنان في عملية نوعية في السابع من أيار سنة ٢٠٠٨...
اقتنعت اميركا بوجهة نظر ملك الاردن حسين الذي ارجع قوة المقاومة إلى هلال شيعي يمتد من ايران الى لبنان مرورا في العراق وسوريا...
كان يجب العودة إلى العراق والعمل على تخريب سوريا...
مرة أخرى اثبت قادة حزب الله من العسكر أنهم قادة كل الساحات بفضل قوة العقيدة وتسخير السلاح البسيط مقارنة مع ما تملكه الإمبريالية...
كل هذه العظمة في مقاومة حزب الله الذي انتصر في كل المعارك العسكرية كان يلزمها الختم النهائي، الذي لم يوجد...
كما فريق كرة القدم الذي ينجح في تخطي كل الدفاعات ثم يفشل في التسجيل...
كذلك هو الأمر مع حزب الله...
هناك قطبة مخفية...
تعيد الإعلامية والكاتبة غدي فرنسيس انزلاق حزب الله هذا، الى تقوقع ما داخل مفهوم "الملة المذهبية"...
إلى أي مدى يمكن أن يكون هذا صحيحاً؟
من المؤكد أن في حزب الله الكثير من الأفراد المتعصبين مذهبيا... بعض هؤلاء متخلف عقائديا...
في النهاية،حزب الله يضم في صفوفه الكثير من غير المتعلمين أو حتى من الذين لا يملكون وعيا ثوريا...
ليس كل من تبع الحسين حسيني الفكر... هناك فرق كبير بين العاطفة تجاه أهل البيت وبين الوعي الذي تمثله تعاليم الخليفة الثالث علي بن ابي طالب...
الذين قتلوا عثمان كانوا من الرعاع حتى ولو كان الرجل على كل ما كان عليه من فساد...
يجب الاعتراف أن في صفوف حزب الله أيضاً يوجد رعاع...
لكن المصيبة ليست فقط في هؤلاء...
المصيبة هي في أولئك الذين يتسلقون على ظهر الثورات...
كل الثورات التي تنجح بفضل الشهداء تسقط على يد الطفوليين الذين حرصوا على البقاء احياء من أجل المغانم...
هناك دوما جبناء يختبؤون خلف الشجعان، ثم يلبسون قمصان من استشهد...
هؤلاء موجودون أيضاً في حزب الله...
هؤلاء لهم كلمة في حزب الله...
هؤلاء هم من يحول حزب الله من حزب الجماهير إلى حزب السلطة...
كل نقاء حزب الله في الصراع مع الصهيونية العالمية يُستعمل من قبل هؤلاء غطاء للانتهازيين النفعيين...
ماذا لو كان حزب الله طلب من هؤلاء الذهاب للقتال في سوريا؟
كم واحد من هؤلاء البيروقراطيين كان ليذهب...؟
كم مرة تواجد مسؤولو الحزب المدنيين خارج الكنبات المريحة؟
كما أن هناك ثورات الفنادق، ومعارضات الاربع نجوم؛ كذلك هناك جهاديو المكاتب والمكيفات...
كم مرة ذهب هؤلاء النواب أو الوزراء إلى دورة عسكرية أو حتى تثقيفية ميدانية...؟
صحيح أن هذا الحزب قدم أميناً عاماً وابن امين عام شهداء...
لكن الحديث يدور عن كل الوجوه التي تظهر على الشاشات وصفحات الجرائد وليس عن القادة العسكريين الذين صنعوا أسطورة حزب الله...
يقول لينين إن الحزب الذي يصل إلى السلطة يجب أن لا يفتح أبوابه على مصراعيها لأن الانتهازيين الذين يريدون ركب الموجة كثر...
حزب الله في لبنان له قوة السلطة حتى لو كان لم ينخرط في السلطة فعلا...
الذين يريدون الفائدة المادية أو المعنوية في السلطة يعملون على الالتصاق بالحزب من أجل هذا...
كم من هؤلاء خرج في مظاهرة مطلبية ضد الفساد؟
كم من هؤلاء خرج بعيد ١٧ تشرين للتحاور مع الناس في الشارع بدل البقاء في الابراج السلطوية العالية؟
نعم كلنا مستعدون للجوع والعطش والعيش في البؤس من أجل إنهاء إسرائيل...
لكننا نعيش في الجوع والعطش والبؤس بينما تنعم اسرائيل بالحياة والرخاء...
يهدد السيد بالنيل من اسرائيل، ونحن على بعد أشهر من إعطاء اسرائيل ما أرادت من طمأنينة...
لو كان محور الممانعة جادا في الصراع مع إسرائيل لما كان ترك بن غفير يفعل ما يفعل وهو يردد التهديدات الفارغة ومنصات الغاز في البحر تعمل ٢٤ على ٢٤، تحت المرمى...
المقاومة في غزة تحولت إلى سلطة وطنية فلسطينية من نوع آخر... سلطة التعايش مع الاحتلال...
حتى القطط، "تخرمش" دفاعا عن النفس...
يقول السيد محمد حسين فضل الله في إحدى خطبه أن المطلوب على الأقل تخريب ديكور الاحتلال إذا عجزنا عن تحطيم الاحتلال نفسه...
صحيح أن السيد نصرالله ليس مسؤولا عن تخاذل مقاومة غزة عن الذهاب بالمقاومة إلى مستويات أكثر صدامية...
لكن غزة الداخل، غزة الاقتصاد، غزة الإدارة والتخطيط، غزة الناس والمواطنين... غزة هذه ليست إلا صورة أخرى أكثر وضوحا عما نعاني نحن منه في لبنان...
عندما يهدد السيد نصرالله بنشر الفوضى ردا على الفوضى ولا نرى لهذا التهديد أية جدية من حقنا أن نعيد إلى الأذهان كيف كان الدكتور وديع حداد ينفذ التهديد ضد الإمبريالية، أو كيف كان غيفارا ينتقل من قارة إلى أخرى لضرب المصالح الغربية...
لا يزال النفط يتدفق إلى الغرب...
لا يزال الغاز يتدفق إلى الغرب...
لا تزال السيارات الأميركية والمنتجات الأميركية تتدفق إلى أسواقنا...
الرد على الإرهاب الأميركي، لا يكون بالتهديدات التي لا تنفذ...
الرد يكون بإرهاب ثوري يحصي على الأميركيين أنفاسهم...
لماذا ينجح كارلوس وأنيس النقاش ونفشل نحن...؟
ببساطة لأننا نفتقد الروح الثورية...
التصقنا بالكنبات والكراسي حتى صرنا جزءًا منها ومن الأثاث...
لم نعد مناضلين ولم نعد ثوريين...
كل صور مسؤولي حزب الله المدنيين هي أقرب إلى صور العجائز...
بات المواطن لا يرى الفرق بين علي الخليل وحسين الخليل...
أو الفرق بين حسين الحاج حسن وغازي زعيتر... والحبل على الجرار...
لماذا استطاعت التوباماروس ضرب المصالح الأميركية في اميركا اللاتينية ونعجز نحن عن ضرب المصالح الأميركية في كل الوطن العربي؟
إذا كان حزب الله عاجز عن فرض قبول هبة نفط وهبة قمح روسية وهبة فيول إيراني من أجل الكهرباء، هل سوف يقوم بشن هجمات صاروخية على منصات الغاز في البحر؟
أم أن حزب الله يطلب من الناس أن تفرض قبول الهبات وهو لا يسمح لمحازبيه بالنزول إلى الشارع...
اسطوانة التوجه شرقاً صارت مشروخة...
يأتينا حزب الله بميشال عون وميقاتي ونبيه بري، ثم يقول إنه عاجز حتى عن إفراغ المازوت الإيراني في المرافئ اللبنانية...
يصادر حزب الله إرادة جماهيره ثم يضع مطالباً تبدو للمزايدة أكثر منها للتحقيق...
هل تعطي اميركا أهمية لتهديدات فصائل غزة؟
قريبا لن تعود تعطي أهمية لتهديدات السيد... طالما أن ثقافتنا ثقافة الجلوس على الكنبة بينما تحررت بقية الشعوب عبر النزول إلى الشارع أو الانطلاق بالثورة من الغابات والجبال والسهول...
الروح التي تنبض بفكر الحسين، ليست كما الأفواه التي تردد حكايا بالتوارث أكثر منها بالإيمان...
الحسين لم يكن مذهباً...
الحسين كان ثائراً...
أصحاب الحسين لم يلتزموا الخيم والبيوت، بل ركبوا الخيول والناقات وامتشقوا السيوف وحاربوا إلى جانبه ومعه...
أيام الحسين كانت القامة لمن قام وليس لمن جلس وزيرا أو نائبا أو مبعوثَ...
حليم خاتون