كتب الأستاذ حليم خاتون: بين عهر الأنظمة، وعهر الإعلام..
مقالات
كتب الأستاذ حليم خاتون: بين عهر الأنظمة، وعهر الإعلام.. "الطاسة ضايعة"
حليم خاتون
6 آذار 2023 , 10:58 ص

كتب الأستاذ حليم خاتون: 

يحكى إنه في أحد البلدان التي تحكمها القبائل والطوائف والمافيا، كما هو الحال عندنا في لبنان والعالم العربي، كان هناك عُرف يقول إن كل مولود جديد في هذا البلد يجب أن يتم وضعه في طاسة مياه، بعد الولادة مباشرة...

إن غطس المولود يكون ابن حلال، وإن طاف، يكون ابن حرام...

كانت هذه الطاسة هي معيار الحلال والحرام، ومقياس الزنى في هذا البلد الذي يشبه كثيرا لبنان والبلدان العربية وبلاد كثيرة كثيرة من هذا العالم الذي نعيش فيه...

عاش الناس وفق هذا العُرف، ووفق هذا المقياس في امور الحلال والحرام في خلق الله الى أن حملت ابنة أحد كبار الطوائف والقبائل وجاء يوم الولادة...

خرجت الداية إلى الجِدً تخبره إن المولود ذكر... لكنه...

لكنه طاف على وجه الطاسة...

حاول الرجل بما له من نفوذ أن يعمل على تبديل الإفادة دون جدوى...

حاول إقناع الداية بتغطيس المولود عنوة، فرفضت حتى لا تتحمل أن يفطس غرقا...

الطاسة موجودة... هي المقياس، وهي المعيار وفق الدساتير التي تشبه دساتير البلاد العربية...

لا بد أن يعرف الناس يوماً...

ما كان من الرجل إلا أن حمل الطاسة وراح إلى أبعد نقطة في البحر ورماها في الأعماق، واضعا حدا لدستور كما دساتير البلاد العربية، صفحاته تستعمل لبيع الترمس في احسن الأحوال...

أما في أحوال أخرى... فيمكن الاستغناء عن ورق الحمام توفيرا للمياه التي تسرقها اسرائيل وتركيا ثم تعودان لبيعها لنا...

المهم، عاد صاحبنا وطلب من الداية أن تخبر الجميع إن "الطاسة ضايعة"...

منذ ذلك الزمن؛ منذ ذلك اليوم والناس يولدون في هذا البلد الذي يشبه كثيرا لبنان والبلاد العربية ولا احد يعرف مَن مِن علية القوم ابن حلال، ومَن منهم تحديداً، ابن حرام، حتى طغى أبناء الحرام على أبناء الحلال وضاع الشرف وضاعت الكرامة وضاع العرض وضاعت الأصول وضاعت الأوطان...

في فلسطين يخرج محمود عباس إلى العقبة يجتمع مع أمثاله من اولاد عمنا اليهود ممن يقولون انهم من ذرية ابراهيم من زوجته الأولى سارة ومعه رهط من الاعراب الذين يقسمون أغلى القسم أنهم ينحدرون من جدنا اسماعيل ابن المظلومة هاجر، المتروكة في الصحراء لرحمة الإله الذي أشفق الله عليها وعلى ابنها فشق بئر أخرجت ماء كان عذبا قبل أن يرمي فيه اولاد الحرام من الأحجار ما عكره وأفسد مذاقه...

محمود عباس والرهط المجتمع في العقبة يتطلع إلى منع انفجار الضفة ومنع الناس الشرفاء من انتفاضة تصلح في أمة رسول الله ما أفسده اولاد الحرام...

حتى محمد دحلان، وهو من هو في عالم المخابرات والتنسيق الأمني يوم كان يذبح المناضلين بظفره... حتى محمد دحلان قام لتذكير محمود عباس أن السلطة هي من وصف الضفة بقطعة الجبنة المنخورة بتجاويف المستوطنات...

يطالب دحلان بدولة واحدة لشعبين دون ذكر، لا لحق العودة ولا للحقوق الأخرى المغتصبة...

في لبنان، وبعد إعلان نية الرئيس بري عقد جلسات انتخاب بين مرشحين لرئاسة الجمهورية، خرجت قناة الجديد في مقدمة مريم البسام في جاهلية حديثة تنشد معلقة جديدة من معلقات الشعر عند عرب الجاهلية القدامى...

رفضت الجديد هذا التلاعب الجديد القديم وأنشدت على الملأ أغنيات حزبي القوات والكتائب في الصلاحيات والدساتير التي تعمل في بلادنا وفق ساعة المصلحة والهوى الذي لا يبعد كثيرا عن النبع الذي تشرب منه الجديد وغيرها من الاعلام المرئي والمسموع...

لم تبتعد "ديار" يوم الأحد عن هذا الموضوع وعن هذا المنطق الاعوج كثيراً...

انقسم هذا الإعلام بين من ينبح ضد الاستنسابية في قراءة نصوص هي اصلا لا تخلو من العفن، وبين إعلام لا يرى الحل إلا في طيز النمس...

حل قائم على أن يجتمع الموارنة يختارون إسما يمشي به البلد وفق نظرية "القوي في طائفته"...

قوي عند الموارنة يستوجب قويا عند الشيعة جاهزا دوما وابدا، وقويا عن السنة مصادر إلى حين يقرر ابن سلمان عفوا بمناسبة طهور حفيد خادم الحرمين الشريفين اللذين سوف يفتقدان قريبا جبل أُحد بعد أن قرر محمد بن سلمان تحويله إلى منتج طبي...

سليمان فرنجية الذي كان في يوم من الايام أحد فرسان الموارنة الأربعة صار خارج الميثاق وفقا لسمير جعجع وجبران باسيل، وربما حتى سامي الجميل الطامح للوصول يوما على دبابة كالتي تسلقها يوما عمه بشير...

بين كل هذه القوى... بين كل أشباه الرجال هؤلاء، "الطاسة ضايعة"...

لم يعد المرء في لبنان يعرف الحابل من النابل...

كل شيء في هذا البلد مشكلة إلا بنية النظام العفن...

لا رئاسة الجمهورية ولا الحكومات ولا النواب ولا الأحزاب القائمة تستطيع... أو بالأصح، تريد الوصول إلى حلول...

بلد قائم على الترقيع لأن أولاد الحرام لا يريدون ارجاع الحقوق إلى أصحابها...

لم ترجع أيام الصيفية مع فيروز...

الذي رجع هو "زمن الطائفية...

طائي...فِيِ، وطائي...فيك"...

أما الهوية...

فقد بقيت كما دوماً مؤقتة على ساعة أولاد الحرام...

هل نسيتم... "الطاسة ضايعة"

حليم خاتون

المصدر: موقع إضاءات الإخباري