الإتفاق السعودي الايراني خطوة هامة في الاتجاه الصحيح لن يكون بعده كما قبله
دراسات و أبحاث
الإتفاق السعودي الايراني خطوة هامة في الاتجاه الصحيح لن يكون بعده كما قبله
طارق ناصر ابو بسام
15 آذار 2023 , 19:11 م


رحبت العديد من عواصم العالم بالاتفاق الإيراني السعودي الذي تم التوصل اليه برعاية صينية، هذا الاتفاق الذي جاء بعد سنوات من القطيعة والتوتر بينهما استمرت لسبعة سنوات منذ ان قطعت العلاقات الدبلوماسية بتاريخ ٣/١/٢٠١٦. هذه القطيعة التي جاءت بعد تطور الاحداث بين البلدين، بعد ان قامت السلطات السعودية باعدام الشيخ نمر النمر بتاريخ 2.1.2016 وهو معارض سعودي من اصل شيعي، مما اثار موجة من الغضب وردود فعل كبيرة في الشارع الايراني بعد ان دانت السلطات الايرانية عملية الإعدام وتوعدت السعودية ان تدفع الثمن، حيث نزلت اعداد كبيرة من المتظاهرين الى الشارع وهاجم المئات منهم القنصلية السعودية في مدينة مشهد، اشعلوا فيها النيران كما هاجم اخرون السفارة السعودية في طهران وانزلوا العلم السعودي و احرقوا محتويات السفارة بعد اقتحامها وكان ذلك في اليوم التالي بتاريخ 3.1.2016، وفي هذا اليوم اعلن وزير الخارجية السعودي قطع العلاقات الدبلوماسية مع طهران، وطالب اعضاء البعثة مغادرة البلاد حتى تاريخ 7.1.2016.

ومن المعلوم ان الطائرات السعودية قصفت السفارة الإيرانية في صنعاء بتاريخ 7.1.2016

مما زاد عملية التوتر.

منذ تلك الفترة توترت العلاقات بين البلدين بشكل كبير، خاصة ان هذا التوتر ترافق مع الحرب التي شنتها السعودية ودول التحالف بقيادتها ضد اليمن ومن المعروف ان إيران أدانت هذه الحرب واعلنت رفضها لها وعبرت عن وقوفها إلى جانب الشعب اليمني.

وتصاعد التوتر مع ازدياد شراسة الحرب ووصل إلى الحد الذي قامت فيه القوات اليمنية بقصف منشآت ارامكو في السعودية وإلحاق اضرار كبيرة فيها اثرت على تصدير الكميات المطلوب من النفط واتهمت السعودية ايران بالوقوف وراء هذه العملية.

راهنت السعودية في ذاك الوقت ان تقوم الولايات المتحدة بتأمين الحماية لها والمنشآت النفطية والرد على ايران، لكنها اصيبت بخيبة أمل كبيرة من رد الفعل الأمريكي الذي لم يفعل شيئا واكتفوا بالقول اننا سنتحدث مع ايران للضغط على الحوثيين لوقف هذه الأعمال.

عندها ادركت السعودية ان المراهنة على الدور الأمريكي وحمايته للسعودية مراهنة غير دقيقة وخاسرة، وبدات منذ ذاك اليوم التفكير الجدي بتغيير سياستها خاصة ان السعودية عندما بدأت الحرب بقرار وتوجيه امريكي ضد اليمن كانت تتوقع ان الحرب لن تطول اكثر من بضعة أسابيع، وها هي تدخل عامها الثامن اليوم ولا ننسى ان هذه الحرب اعلن عنها من واشنطن، رغبت ان اشير الى هذه اللمحة التاريخية التي قد تعطي تفسيرا لما حصل.

في تقديري ان خطوة السعودية واتفاق المصالحة لم يكن مفاجئا حيث تم الاعداد مسبقا له عبر جولات الحوار المتعددة بين إيران والسعودية التي حصلت في بغداد ومسقط واستمرت لمدة عامين تقريبا .

الا ان المفاجأة هي إنجاز الاتفاق والإعلان عنه من الصين ومشاركتها ورعايتها لهذا الإتفاق وهذا يحمل العديد من المعاني والدلالات وفيما يلي نستعرض مجموعة من العناوين المتعلقة بهذا الإتفاق:

العنوان الأول

ماهي نصوص الإتفاق

في حدود ما تم نشره، نص الإتفاق على اعادة فتح سفارتي البلدين واحترام سيادتهما وعدم التدخل في شؤونهما الداخلية وتفعيل اتفاقية التعاون الأمني الموقعة بين البلدين في عام ٢٠٠١ واتفاقية عام ١٩٩٨ للتعاون والثقافة والرياضة والشباب.

ان العودة إلى هذه الاتفاقيات والعمل بها مجددا مع اعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين يفتح الطريق لعودة البلدين الى العلاقات الطبيعية وهذا ليس مستبعدا في ظل التطورات الجارية على المستوى الاقليمي والعالمي كونه يحقق الفائدة لكلا الطرفين .

ومن المعلوم ان العلاقات بين السعودية وايران تميزت بـ الايجابية طوال فترة حكم رافسنجاني وخاتمي...

ان اعطاء فترة شهرين لاعادة العلاقات الدبلوماسية يعبر عن رغبة جميع الأطراف بعدم التسرع، ومن اجل استعادة الثقة بينهما ومعالجة بعض القضايا بحيث تكون الخطوات مدروسة ومؤهلة للنجاح.

العنوان الثاني:

لماذا الآن وماهي الأسباب التي دفعت لتوقيع الاتفاق.

من حيث التوقيت يبدو ان الأمور قد نضجت بعد سنوات القطيعة والتوتر والحروب بينهما بالوكالة في اليمن وسوريا ولبنان والعراق وما ترتب على ذلك من خسارة كبيرة لكلا الطرفين دون قدرة احدهما حسم الأمور لصالحه وهزيمة الطرف الآخر.

وخشية من استمرار هذا الوضع وعملية الاستنزاف اصبح من مصلحة كلا البلدين معالجة الملفات العالقة بينهما وانهاء القطيعة وحالة العداء والذهاب إلى تطبيع العلاقات وحسن الجوار وفي ذلك مصلحة للطرفين.

ومما ساهم في الوصول إلى هذا الاتفاق وصول السعودية الى قناعة تامة بعد مرور عدة سنوات على الحرب في اليمن و تورطها فيها خاصة بعد الضربات التي و جهتها قوات اليمن ضد منشآت أرامكو والحقت بها اضرارا كبيرة، كون الولايات المتحدة الأمريكية لم تفعل شيئا جديا لدعم السعودية وحماية المنشآت، بل اكتفت ان تطلب من ايران الضغط على انصار الله لعدم القيام بمثل هذه العمليات.

هنا ادركت السعودية انها لا تستطيع الاعتماد على الولايات المتحدة وان الطريق الاقصر لحل كل هذه المشاكل مع ايران هو الحديث المباشر معها والوصول إلى اتفاق يخدم الطرفين

كما ان ايران ادركت ايضا ان الرهان على تسوية مع الغرب خاصة امريكا في الملف النووي الايراني لم يعد قائما مما سهل الوصول إلى هذا الإتفاق.

وهذا ما حصل في بكين، اما لماذا بكين

لا شك ان هناك اكثر من سبب، والسبب الرئيس هو الثقل الذي تمثله الصين عالميا مما يشكل ضمانة للطرفين، الى جانب ان الصين لا تتدخل بالشؤون الداخلية للدول وسياستها تقوم على اساس الشراكة والمصالح والفائدة للجميع عكس سياسة الولايات المتحدة التى تقوم على اساس الاستغلال و فرض الهيمنة.

لقد ارادت الأطراف الثلاثة المجتمعة في بكين ان توجه رسالة واضحة للولايات المتحدة اولا تقول فيها ان زمن الهيمنة وسياسة القطب الواحد وفرض الاملاء ات والتحكم في العالم قد ضعفت ولم تعد كما كانت وهي في حالة تراجع وتسير نحو الانتهاء.

ورسالة اخرى ليست اقل اهمية لدولة الكيان الصهيوني، تقول لا تراهنوا على الفتنة المذهبية و اشعال الحرب بين القوتين الاكبر في المنطقة ايران والسعودية وان رهانكم هذا هو رهان خاسر.

ومن المعروف طوال السنوات الماضية ان الولايات المتحدة ودولة الكيان راهنوا على ذلك من خلال اشعال حرب بين الطرفين تؤدي الى تدمير قدراتهما كما حصل في الحرب العراقية الإيرانية ولا شك ان هذا يعتبر الطريق الأفضل لحماية دولة العدو.

ومن المفيد هنا ان ندرك اننا امام قيادة سعودية شابة لها طموحات كبيرة لا تنظر إلى الأمور كما كان حال القيادات السابقة من ناحية، ومن ناحية ثانية ان هذه القيادة باتت تدرك ان أوراق اللعبة لم تعد جميعها في يد الولايات المتحدة وهي تتراجع في الوقت الذي تتقدم فيه الصين و روسيا وتاخذا دورها على الصعيد العالمي ولم تعد تقبلا بالتفرد الأمريكي .

ان ادراك محمد بن سلمان لهذه الحقيقة وفي ظل سياسة القهر والإذلال التي مارستها الولايات المتحدة ضد السعودية خاصة في عهد ترامب .

الم يقل لهم نحن نحميكم بدوننا لا تصمدون اسبوع ..عليكم ان تدفعوا ثمن حمايتكم وبأسلوب غاية في الوقاحة.

ولا شك ان ابن سلمان كان ينتظر اللحظة التي تتغير فيها الأوضاع وهذا ماحصل خاصة بعد الحرب في اوكرانيا.

واصبح اكثر جرأة على شق عصا الطاعة عن الولايات المتحدة وعدم الخضوع ل قراراتها و اكبر الامثلة على ذلك عدم الاستجابة لطلب امريكا بزيادة ضخ النفط في الأسواق العالمية وعدم الاستجابة لها ايضا في فرض العقوبات على روسيا.

ان هذه التطورات والمواقف تؤكد ان السعودية باتت تصوغ سياستها انطلاقا من المصلحة السعودية اولا وليس كما كان الحال سابقا

باختصار شديد اقول ان تفسير ماحصل والوصول إلى هذا الاتفاق يستند الى ضعف وتراجع دور الولايات المتحدة ... مقابل صعود ونمو الدور الصيني الروسي على المسرح العالمي الى جانب تطوير وزيادة القدرات الايرانية في العديد من المجالات وصمودها امام الحصار يترافق ذلك مع تعب السعودية من الحروب والمواجهة التي لا تخدمها اصلا ولا تصب في مصلحتها ورغبتها في تحقيق مشاريع كبرى طموحة تنقل السعودية الى واقع اخر مثل مشروع نيويم 2030 هذا الى جانب التراجع الكبير في دور دولة الكيان الصهيوني وزيادة حدة التناقضات الداخلية فيها مما بات يؤشر إلى صراعات كبرى وازمة عميقة تعيشها هذه الدولة تجعلها تسير باتجاه التراجع والتفتت والذهاب نحو التمزق والانهيار (وهذا بحث اخر).

العنوان الثالث:

من هو الخاسر ومن هو الرابح من هذا الاتفاق.

ان نظرة سريعة متفحصة للأمور بعد توقيع هذا الإتفاق تؤكد ان المستفيدين الاساسين منه هما إيران والسعودية كون هذا الاتفاق يخرجهما من حالة العداء بينهما ويوقف استنزاف طاقات كل منهما في حروب لا طائل منها ويذهب كل واحد لعملية البناء والتقدم في بلده مستفيدا من ثرواته و امكانياته.

ايران كسبت ورقة هامة وهي اسقاط الرهان (الإسرائيلي) على دور السعودية كرأس حربة في مواجهتها.

و بالمقابل السعودية كسبت الخروج من دائرة الصراعات التى انهكتها في المنطقة ولم تقدم لها سوى الخسارة

اما المستفيد الآخر، لا شك انها الصين التي تستطيع من خلال هذه البوابة ان تؤكد للعالم انها قادرة على وضع الحلول للأزمات مهما كانت مستعصية وتقدم نموذجا يختلف عن نموذح الولايات المتحدة الذي يغذي النزاعات ويشعل الحروب في كل انحاء العالم، وتكرس دورها كقوة عظمى في العالم و لاعب أساسي في المنطقة

وبذلك تقدم الصين نموذجا يلجأ إلى حل الصراع عن طريق الحوار وهذا يشكل دعما قويا للدور الصيني على المستوى العالمي والعلاقات الدولية

اضافة الى ذلك لا شك ان اليمن سيكون اول المستفيدين من هذا الاتفاق السعودي الإيراني وكذلك لبنان و سوريا والعراق التي عانت كثيرا في السنوات الماضية من الخلاف بينهم مما أثر بشكل كبير على تدهور اقتصادها وعدم وجود الإستقرار فيها

ان هذا الاتفاق سيكون له انعكاسات ايجابية على صعيد حل الصراع في هذه الدول وسوف نرى نتائجه تباعا.

والأيام القادمة سوف تؤكد ذلك.

اما الخاسر الأكبر من هذا الاتفاق لا شك هما الولايات المتحدة و دولة الكيان، كون الولايات المتحدة اعترفت بنفسها انها ليست شريكة في هذا الإتفاق ولا دور لها في انجازه، حتى انها لم تكن تعلم به اما دولة الكيان يمكن اعتبارها الخاسر الأكبر الاخر من هذا الاتفاق وهي من راهنت طوال السنوات الماضية على التطبيع مع السعودية من ناحية واستخدام السعودية كرأس حربة في مواجهة إيران. نعم لقد فشلت السياسة (الإسرائيلية) كون الإتفاق وجه لها ضربة قوية وجاء عكس مراهناتها سابقا وشكل لها مفاجاه كبري و صفعة اكبر .

وقد عبر عن ذلك عدد من المسؤولين في دولة الكيان، حيث عبر رئيس مجلس الأمن القومي السابق بقوله (إسرائيل تلقت صفعة من السعوديين.. السعودية لن تنخرط في حرب الى جانبنا ضد ايران مطلقا)

كما قالت صحيفة هاارتس في تعليقها على الاتفاق (لقد بصق السعوديون في وجه نتنياهو)

لقد راهنت دولة الكيان على إشعال فتيل حرب بين السعودية وايران وتغطية اي عدوان تقوم به ضد طهران لكنها فشلت فشلا ذريعا وهذا ما يدل عليه الاتفاق .

لقد وضع هذا الاتفاق المنطقة ككل على أبواب مرحلة جديدة سيكون لها انعكاساتها على الكثير من الملفات ومنها إلى جانب ما ذكرناه سابقاً الملف الفلسطيني والتطبيع مع دولة الكيان.

في الختام رغم التاكيد على اهمية هذا الإتفاق لا بد من الحذر الدائم كون الخاسرين منه لن يقفوا مكتوفي الايدي بل سيعملون بكل طاقاتهم من اجل وضع العراقيل امام تنفذ هذا الاتفاق والعمل على افشاله.

نامل ونتمنى ان تسير الأمور في الفترة القادمة بشكل إيجابي بما يضمن تنفيذ الإتفاق وتطويره لما فيه من مصلحة لجميع الأطراف ويفتح الطريق امام مصالحات جديدة بين سوريا والسعودية وسوريا وتركيا والتى بتنا نرى مؤشراتها تتضح الآن ، ونتمنى ان تتحقق في القريب العاجل. مما يجعل المنطقة على ابواب الازدهار والتطور.

علينا ان ننتظر الأيام القادمة وما تخبئه لنا ونأمل أن يكون خيرا

طارق ابوبسام

براغ

١٦/٣/٢٠٢٣ 

المصدر: موقع إضاءات الإخباري