كتب الأستاذ حليم خاتون:
في مقابلة قبل حوالي السنتين لبابا الفاتيكان فرنسيس الآتي من إحدى كنائس العالم الثالث في الأرجنتين مع صحيفة تحمل صليب بؤساء هذا العالم، لم يجد الاب الروحي للكاثوليكية في العالم من حل للبنان خارج قيام دولة مدنية...
بابا الفاتيكان يطالب بدولة مدنية في لبنان، وميشال عون يريد اكبر قطعة من جبنة السلطة في لبنان لصهره جبران باسيل...
بماذا يختلف ميشال عون عن سمير جعجع، وبماذا يختلف جورج عدوان عن سامي الجميل...!؟
بابا الفاتيكان الذي قرأ التاريخ ورأى كيف خرجت أوروبا من الحروب الدينية والنزاعات بين الكنائس المختلفة عبر اتفاقات ويستفاليا التي أعطت الله ما لله، واعطت القيصر ما لقيصر... خرج ينصح اللبنانيين بالدولة المدنية، بينما ينهش زعماء المارونية السياسية ما يمكنهم من لحم هذا البلد إلى جانب زعماء السنية السياسية المنكفئة هذه الأيام، وزعماء الشيعية السياسية التي غفلت ونست وتناست أن ابو الدولة المدنية في لبنان هو الامام موسى الصدر الذي اختطفه كافور ليبيا قبل حوالي نصف قرن من هذا الزمن القاحط بمثل أولئك الرجال...
هكذا، بفضل مؤتمرات ويستفاليا، نشأت دول أوروبا الحديثة، ولم يبق لحروب البروتستانت مع الكاثوليك من أثر سوى في بريطانيا حيث فرض المستوطنون التابعون لكنيسة انكلترا في ايرلندا الشمالية التبعية للتاج البريطاني لأهداف استعمارية أكثر منها دينية...
ذهب زعماء لبنان الى الطائف وخرجوا مع نصف حل...
أعادوا تقسيم قلب الوطن من ٥ على ٦ مكرر إلى ٦ على ٦ مكرر...
قرروا وقف العد والمناصفة...
جعلوا من الطائفية وضعا دائما تحت بند المؤقت، بفضل البطرك مار نصرالله بطرس صفير...
صيغة قد تبدو صعبة على الفهم، لكن العبقرية اللبنانية سمحت لمشروع النزاع الاهلي الدائم أن يتسلل إلى داخل الطائف...
هكذا وبعد أقل من عقدين كاد النزاع الاهلي يتحول الى دماء، فذهب اللبنانيون مجددا، لكن هذه المرة إلى الدوحة، يرسمون خطوطا أكثر وضوحا على عجينة الطائف العجائبية...
شطارة اللبناني وعبقرية الإقطاع السياسي القديم والجديد خرجت برتوش على الطائف في الدوحة كرست اتفاق النزاع الدائم الذي لا ينتهي بين الطوائف...
وحدهم العلمانيون قاتلوا في الحرب الأهلية من أجل لبنان وطني عربي علماني ديمقراطي ثم رسموا على جدران الشرقية شعار الصليب الذي كاد أن يكون معكوفا... بينما تزينت جدران الغربية بأحد أكثر الشعارات تعبيرا على الانتماء إلى ثقافة الأضداد التي لا يمكن أن تصنع وطنا...
"لا للطائفية، لا للعلمانية، نعم للإسلام..."
في حديث لأحد رجال الأعمال اللبنانيين الناجحين في الخارج، نقل موريس الصحناوي الاكثر عقلانية في عائلة الصحناوي على ما يبدو؛ نقل إلى الاعلامي جاد غصن فكرة نشر فايروس الدولة المدنية إلى اتفاق الطائف...
الفكرة تعود إلى الدكتور شربل نحاس، يقول الاستاذ موريس قبل أن يضيف أن هذا هو افضل الحلول لتثبيت نهائية الكيان اللبناني...
Deux négations, ne font pas une nation..
قيل الطائف، قام لبنان على جمع ضدين مع خلل طفيف: مسيحي ومسلم...
بعد الطائف ازيل الخلل الطفيف، لكن بقيت العلة مع بقاء الضدين...
عاد النزاع فذهب الجميع إلى الدوحة...
بدل معالجة العلة بفرض الدولة المدنية...
فرح ميشال عون بإعادة بعض التقسيمات الإدارية في الدوائر الانتخابية وفرح معه وصفق له حزب الله هذا الانجاز العظيم...
إنجاز، كان وزير داخلية سعد الحريري، حسن السبع قد افرغه من مضمونه عبر التلاعب ونقل الاصوات واستغلال اصوات المجنسين من قبل مشروع الحريري / المر في تجنيس أكثره كان مؤامرة على الكيان...
جرت الانتخابات على نفس القانون المتخلف ليكتشف ميشال عون أن الوزير حسن السبع كان قد نجر له خازوقا أطاح بتسونامي ال ٢٠٠٥...
لكن الدوحة خرجت هذه المرة بثلاثة اضداد رئيسية ومجموعة اضداد تصل إلى ١٨ مكون طائفي يمشي كل عقرب من عقارب هذه الساعة الثمانية عشر في اتجاه لا علاقة له بالاتجاهات الأخرى...
وحده الرب جل جلاله يستطيع خلق أمة من هذه المخلوطة العجيبة من الطوائف المتناحرة...
ثم يرفض سمير جعجع وجبران باسيل وسامي الجميل ومن خلفهم البطرك الراعي قيام مؤتمر تأسيسي خوفا من المثالثة بين السنة والشيعة والمسيحيين...
قد يذهب قسم كبير من السنة والشيعة إلى هكذا مؤتمر للوصول فعلا إلى المثالثة...
السنة والشيعة سوف يستفيدون على حساب جميع المسيحيين وبالأخص الموارنة الذين يختزلون كل المسيحيين في جيوبهم...
بكل أسف، الجالس مقابل المسيحيين هذه المرة، ليس الامام موسى الصدر...
الجالس مقابل المسيحيين يستند الى قانون الشريعة ليرفض أي مس بقوانين الأحوال الشخصية...
ما العمل؟
أية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله ليس موجودا هو الآخر ليجتهد بجواز الدولة المدنية في لبنان... وهو من هو عند المسلمين سنة وشيعة...
ألا يعيش المسلمون ويخضعون لقوانين مدنية في بلاد الاغتراب والهجرة؟
ام سوف يدعون داعش والنصرة لتغيير تلك القوانين في تلك البلاد...؟!؟!
أساسا، لمن لا يعرف بالقوانين...
الدولة المدنية قائمة في لبنان...
الذي يريد يستطيع الاصرار على أولوية القانون المدني الذي يعطي الانثى والذكر نفس الحقوق في الوراثة العقارية...
لم يبق سوى المساواة في الحقوق الاجتماعية والإنسانية التي أقرتها القوانين دون أن تقوم بتطبيقها...
في تونس، لم تقف الزيتونة ضد قوانين الأحوال الشخصية المدنية لأننا بكل بساطة لم نعد نعيش في القرون الوسطى...
الانثى باتت تعمل وتجهد وتقدم للعائلة مثلها مثل الرجل...
باختصار وبدل رفض المؤتمر التأسيسي والتهديد بالذهاب إلى "تركيبة جديدة" كما يطرح سمير جعجع؛ تركيبة لن تؤدي إلا إلى حروب أهلية لا تنتهي... يجب الذهاب الى هذا المؤتمر تحت شرط إقامة الدولة العلمانية الكاملة في لبنان...
تحرير الإنسان من هيمنة لصوص الطوائف والأوطان...
في هذه الحالة سوف يكون أكثر من نصف اللبنانيين مع هذا الطرح الجديد...
لأول مرة ربما يجب دعوة اللبنانيين الى استفتاء من أجل دولة مدنية بالكامل، أي علمانية بالكامل...
لقد رأينا ماذا فعلت الطوائف بلبنان...
رأينا ماذا فعلت الطوائف بسوريا...
رأينا كيف كرس بريمر الطائفية في العراق، كي لا ينهض العراق...
بعد كل هذا يأتي معتوه يطالب بتقسيم بلدية بيروت...
ثم يخرج معتوه آخر يطالب بفيديرالية طوائف... يستوي في ذلك بعض المعتوهين من القوات والعونيين على حد سواء...
نحن في لبنان...
نحن في المنطقة نحتاج إلى ويستفاليا تخصنا تنهي هذا الجدل البيزنطي في فيديراليات الطوائف...
شعوب المنطقة تحتاج الى مؤتمرات تأسيسية قد تستمر ردحا من الزمن لكن سوف تخرج بكيانات فيها شعوب موحدة...
كيانات وطنية عصية على اختراق اي كان، من الغرب أو من الشرق، لا فرق...
هكذا ننهي قصة وقف العد...
هكذا نصبح مواطنون ومواطنات في دول مستقلة نامية منتجة تأكل مما تزرع وتلبس مما تنسج...
هذا ما قاله قبل قرن من الزمن فيلسوف بشري والشمال ولبنان وبلاد الشام وأميركا، جبران خليل جبران قبل أن يطيح بهذه الأقوال قرود الطوائف الجدد...
هل من يتعظ؟
حليم خاتون