كتب الأستاذ حليم خاتون:.
تقول الطرفة إن شيوعيا ملحدا هو من يصالح غلاة الشيعة مع غلاة السنة...
كما أن الصين لا تمثل العقيدة الشيوعية كما رسم خطوطها الأساسية كارل ماركس، كذلك لا تستطيع إيران اختزال الفكر الشيعي البالغ من العمر ١٤٠٠ سنة؛ كما لا يستطيع محمد بن سلمان لبس ثوب الاسلام السني وهو من حارب ويحارب تحت إمرة كل شيء إلا الإسلام...
لكن الطرفة تبقى قائمة، على الأقل بالحدود الدنيا من الانقسام المذهبي بين السنة والشيعة من حهة، ومن صعود الصين ضد الإمبريالية الأميركية التي لم تترك لنفسها سترا مغطى من بنما في أميركا اللاتينية إلى فيتنام في جنوب شرق آسيا، إلى العراق، الى افغانستان... إلى ما لا يعد ويحصى من موبقات هذه الإمبريالية على كوكب الأرض...
الدنيا مصالح يقول الكاتب أمين قمورية...
الأطراف الثلاثة، الصين، السعودية وإيران، ذهبت كلها لخدمة مصالحها...
لكن ماذا عن أميركا؟
ماذا عن اسرائيل؟
ماذا عنا نحن في لبنان وبلاد الشام؟
هل تمر الأمور ببساطة؟
هل يقبل العالم القائم اليوم بهذا الاتفاق المبدئي، ولا يقدم على زرع العصي في دواليب هذه التسوية...؟
من المؤكد أن الكيان الصهيوني هو أول الخاسرين...
كان نتنياهو ينتظر دخول السعودية إلى نادي المطبعين العرب بعد الإمارات والبحرين والمغرب والسودان...
السعودية هي درة تاج التطبيع مع ما كان يمكن أن يعنيه ذلك في العالمين العربي والإسلامي السني بشكل خاص...
إذا كانت مصر هي أرض الأزهر، فإن الأزهر مجرد مركز بناه الفاطميون قبل ألف عام...
أما السعودية، فهي أرض الحرمين الشريفين والكعبة التي تعود إلى أصل اديان التوحيد منذ النبي ابراهيم...
الاميركيون لم يتلقوا النبأ بسرور، أو حتى برضى كما يتوهم البعض...
لقد خسر الاميركيون منطقة كانت بالكامل تابعة لهم؛ صحيح أن خسارتهم لا يمكن مقارنتها بالخسارة التي لحقت باسرائيل، حيث لا تزال الكلمة العليا في المنطقة بأيديهم... لكن الدب الروسي والتنين الصيني دخلوا إلى وكر العقرب...
لم يعد الخليج مجرد مشيخات يسخر منها ترامب علنا، ويسخر منها كل الغرب في قرارة نفسه...
إن ما يحصل هو من نتائج الحرب العالمية الثالثة حتى قبل أن تندلع بشكل كامل...
ليس الأمر مجرد عالم متعدد الأقطاب...
لقد كان هناك عالم القطبين الأميركي والسوفياتي...
لكن الأمور تختلف الآن...
لقد دفعت اميركا الخليج من حيث لا تدري إلى الحداثة...
الاتحاد السوفياتي الملحد في أفغانستان ليس روسيا النووية التي تقارع اليوم كل الحلف الأطلسي في أوكرانيا...
كما أن نفط الخليج والغاز لم يعد حاجة أميركية...
صارت أميركا بلدا منافسا في حقل تصدير الطاقة...
لقد قالها ترامب علنا وبكل وقاحة...
اميركا لا تحتاج للطاقة من أجل الطاقة كما كانت الأمور سابقاً...
اميركا تسعى لاستمرار السيطرة على الطاقة لمنع هذه الطاقة عمن تريد من خصومها والمقصود هنا طبعاً، الصين اليوم، وكل نمور اسيا مع الهند غداً...
الذين يقولون إن أميركا منزعجة فقط لأن راعي الاتفاق السعودي الإيراني هو الصين مخطئ...
لقد استعملت اميركا الفزاعة الإيرانية لدفع الخليج إلى الارتماء في الحضن الاسرائيلي وإلى البقاء إلى الأبد داخل قفص الغرب الذهبي...
كأن حشرة ما لدغت محمد بن زايد ومحمد بن سلمان فاستيقظا ليجدا إلى أي مدى هما في العراء...
ابو ظبي ودبي ليستا أكثر من مدينتين من زجاج...
الذي كان يحمي هاتين المدينتين هما سياسة إيران التي منعت الحوثي من إرجاع تلك الأبنية إلى عصر ما قبل الناقة...
بالإضافة طبعاً إلى روسيا والصين اللتين عملتا على عدم تكرار ما حدث لأرامكو مرة أخرى...
صحا أمراء وملوك الخليج ليجدوا أن الذي يسخر منهم باستمرار ليس صحف وإعلام الصين أو روسيا، بل كل ميديا الغرب التي تنظر إليهم من أعلى بصفتهم مجرد فقاعة صنعها رجل الغرب الابيض ويستطيع صناعة غيرها...
لعل اكبر دليل على الخوف الذي انتاب الأميركيين من تصرفات ابن سلمان الأخيرة هو هرع مسؤولة الشرق الأدنى إلى المنطقة لمنع هرولة بقية المشرق العربي إلى الطريق الذي اختطه ابن زايد وابن سلمان...
بالامس فقط، كانت تلك المسؤولة تقول إن الهدف هو وصول لبنان الى قعر جهنم لكي يعاد البناء بعده على أسس أخرى...
لذلك ربما علينا فتح أعيننا جيدا في لبنان... الأميركي خبيث اصلا، فكيف وهو قد أصابه ابن سلمان في الصميم...
ها هي مسؤولة الشرق الأدنى تهرع إلى مصر والأردن للعمل على إقامة جدار يمنع السعودية من دخول في صفقة ما في لبنان وسوريا...
هل يعي اللبنانيون ذلك أم يستمر أهل السلطة في اجترار العلف الذي نهبوه؟
الوصول إلى حلول جذرية وثورية في لبنان غير ممكنة لعدم وجود حزب أو قوة ثورية...
أخر بدع التغييريين لم يخرج عن حدود "اكل الهوا"...
لقد ثبت بالوجه الشرعي أن بداية شهر الصوم لا تعني الصوم عن التخبيص في لبنان...
لكن على الأقل، ليتفضل أمراء الطوائف ويصلوا إلى حل مرحلي مع سليمان فرنجية أو مروان شربل أو اي شخصية تسمح باجتياز مرحلة "الخوت الأميركي"..
حتى الآن، لم يخرج الخليج بالكامل من تحت العباءة الأميركية...
لكن السعودية فتحت الباب ووقفت في الباحة بين الصين وأميركا محتفظة لنفسها بحق خيار فقدته منذ اخترقت الرصاصات جسد الملك فيصل، حيث صار كل من اتى بعده يعيش هاجس الخوف من مؤامرة...
لم يختلف في هذا الملك سلمان بن عبد العزيز ولا حتى ولي العهد الذي تمسكن حتى تمكن...
لم يعد ابن سلمان ذلك الغلام الذي يسعى إلى رضا اميركا واسرائيل للجلوس على العرش بعد أبيه...
هو لا يعادي الأميركيين لكنه لم يعد يجلس أمام ترامب مبتسما ابتسامة الضعفاء الذين لا حول لهم ولا قوة...
لقد ورطه الاميركيون في حرب اليمن وتركوه يعاني كما عانت كل الامبراطوريات التي حاولت عبثاً إخضاع هذا البلد على مر التاريخ...
شاهد ابن سلمان كيف فر الاميركيون من أفغانستان وعرف أنه سوف يواجه أمرا مشابهاً على أيدي اليمنيين...
كان هؤلاء اليمنيون حلفاءَ لأجداده ضد الجيش المصري أيام عبد الناصر...
فاقت خسائر ابن سلمان منذ بدء الحرب على اليمن ٧٠٠ مليار دولار، لو صرف ربعها على التنمية والبناء في اليمن لكان الذين يحاربونه اليوم يرفعون في صوره في شوارع صنعاء...
لقد غرر به الأميركيون...
انزلوا به في بئر اليمن ثم قطعوا كل حبال النجاة...
جاءه الروس والصينيون وقالوا له أن حبال نجاة جديدة موجودة في أيدي إيران وهؤلاء جديون إلى أبعد مدى...
كان قد سمع هذا من العمانيين ومن العراقيين، لكنه احتاج الى ضمانة دول عظمى فلم يجد غير الروس والصينيين...
القول إن الأميركيين سعداء في التقارب السعودي الإيراني هو نفس فرح الزوجة الأولى بالضرة الثانية أو الثالثة...
الاميركيون براغماتيون أحياناً، لكنهم في حالة السعودية أرسلوا إلى الملك فيصل من ينهي وعدا سعوديا بالصلاة قريبا في المسجد الأقصى...
لم يعجبهم سقوط الجدار العالي الذي كانوا بنوه بين مصر والسعودية في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي... قتلوا من تجاوز هذا الجدار في حرب تشرين ٧٣... أرسلوا فتى أطلق الرصاص واردة الملك فيصل...
هل سوف يرضون بمن لم يكتف بهدم الجدران بين الخليج وإيران، بل فعل ذلك بوساطة روسية صينية على ابواب حرب عالمية ثالثة يبدو فيها الطرفان الغربي والشرقي مصممان على الذهاب إلى أبعد الحدود فيها...
لا الروس سوف يقبلون بالهزيمة ومعهم كل تلك الرؤوس النووية؛ ولا الأميركيون سوف يقفون دون فعل شيء في حال وصل زيلينسكي إلى حائط الهزيمة النكراء الكاملة...
إذا الحرب واقعة حتما وفقاً لتحليل طلال أبو غزالة الناتج عن دراسات غربية وشرقية على حد سواء...
ما يحدث في منطقتنا هو التمهيد لما قبل هذه الحرب العالمية الثالثة...
على محمد بن سلمان أن يتذكر ما حدث لعمه الملك فيصل وأن ينتبه من كل ما حوله، ومن كل من حوله...
لقد خطى باتجاه لا رجعة فيه ولا غفران له حتى لو تراجع...
لقد أعطت السعودية وإيران لنفسيهما ستين يوماً من الأفضل استغلالها قبل أن يجن الأميركي الجريح ويبدأ بتكسير كل ما حوله...
الأميركي سواء كان فيلا مع الجمهوريين أو حمارا مع الديموقراطيين هو اليوم حيوان جريح غاضب تلقى طعنة وقد يلتفت للانتقام عبر أكثر ردود الفعل نذالة...
لذلك احذروا الثور الأميركي الهائج، واتفقوا على الحد الأدنى المقبول من الجميع قبل الوقوع في الحيص بيص...
حليم خاتون