كتب الأستاذ حليم خاتون:
من يلعب الشطرنج، يعرف جيدا أن الأمور لا تسير ابدا في مسار واحد...
هناك دوما هدفاً رئيسياً، مع عدة مسارات؛ على اللاعب اخذها مجتمعة في الحسبان...
ما يجري اليوم في المنطقة هو لعبة شطرنج معقدة جداً حيث جرت وتجري عدة أمور في نفس الوقت لا يستطيع قراءتها إلا اللاعب الأقوى أو من يمتلك كما كافيا من المعطيات لمعرفة ما يجري والتأثير على هذا الذي يجري...
قراءة كل الاحداث التي تجري يجب دوما ان تأخذ في الحسبان موقع لبنان من هذا لأن هذا البلد يحتل منذ أكثر من نصف قرن من الزمن موقع تلاقي كل الاحداث؛ يتأثر بها ويؤثر عليها...
عدة احداث حدثت:
أولاً ترتيبات التفاهم الإيراني السعودي...
لماذا حدث هذا التفاهم الآن وكيف سوف يؤثر على مجرى الأحداث...
ثانياً تسارع الأحداث وزيادتها على كل الساحات...
أهمية موقع لبنان يظهر على مدى هذه السنين الخمسين عبر عدة احداث واغتيالات هزت المنطقة...
سنة ١٩٧٥، اغتيال الشهيد معروف سعد و"بوسطة" عين الرمانة التي أشرت إلى بداية الحرب الأهلية...
اغتيال كمال جنبلاط لطمأنة الأميركيين أن لبنان سوف يظل غربي الهوى ولن ينتقل إلى المحور السوفياتي في الحرب الباردة الدائرة في تلك الأيام...
اغتيال بشير الجميل لوقف المسار الاسرائيلي في لبنان ووقف تقدم المحور الغربي الأطلسي على البحر الأبيض المتوسط...
اغتيال رينيه معوض لتكريس لبنان ساحة صراع وتلاقي مختلف الفرقاء...
قد يكون رينيه معوض ضحية توافق سوفياتي أميركي على منع خروج لبنان من عنق الزجاجة بعد اتفاق الطائف...
لكن اخطر هذه الاغتيالات على الإطلاق هو اغتيال رفيق الحريري...
رغم أن الرجل كان رجل السعودية والغرب في لبنان، إلا أنه تبين لهذا الغرب أن الحريري الأب يخدم اسرائيل والحلف الأطلسي ميتا أكثر بكثير من خدمته لها حيا...
اغتيال رفيق الحريري كان يعني الخروج نهائيا من التسوية السعودية السورية الأميركية التي لزمت لبنان طيلة ١٥ سنة لوصاية سورية شبه مطلقة...
اغتيال رفيق الحريري كان يعني طرد سوريا من لبنان بعد أن استطاع حزب الله طرد اسرائيل من معظم الشريط الحدودي المحتل... كما كان ذلك يعني رفع جدار جديد أمام مقاومة حزب الله هو حائط الكراهية بين السُنّة والشيعة بعد أن كان وليد جنبلاط استطاع أن يرفع جدارا درزيا إضافة إلى الجدران المسيحية التي كانت رفعتها حرب السنتين الأهلية...
لنحاول الدخول الى عقل حزب الله وقراءة ما يحدث...
هل كان حزب الله يعلم بمجريات المحادثات الإيرانية السعودية...؟
الأرجح أنه كان يعلم وكان يريد لهذه المحادثات أن تحدث خرقا في الوضع الداخلي اللبناني...
لقد تسبب الجرح الذي ألحقه جبران باسيل بالعلاقة بين حزب الله والطائفة المسيحية إلى سرعة حزب الله وإيران في ترميم العلاقة مع السعودية لهدم الجدار السُني الذي ارتفع بُعيد اغتيال رفيق الحريري...
سواء وافق المرء على أن هذا الجدار بدأ يزول ام لم يوافق، الحقيقة تقول إن حزب الله اليوم اقوى على الساحة السُنية وله أكثر من الحلفاء السُنة من اي وقت مضى...
حتى الرئيس نبيه بري كان على الأرجح على علم بهذا الذي يجري بين إيران والسعودية...
حتى إذا كان أحد لم يخبر الرئيس بري بهذه التطورات، فالرجل ورث الرئيس كميل شمعون والنائب كاظم الخليل في الدهاء السياسي...
قرأ الرئيس بري جيدا مسار الأمور وبالاتفاق مع الوزير فرنجية قام هو بتبني ترشيح سليمان فرنجية للرئاسة مع عدم ترشح فرنجية نفسه...
بفعل ما حصل، خرج الوزير فرنجية اقوى المرشحين على الإطلاق...
وفي الوقت نفسه، لا يستطيع أي كان مطالبة الوزير فرنجية بالتنحي أو الانسحاب للخروج من الشغور الرئاسي...
إذ كيف يتراجع فرنجية، وعن ماذا يتراجع طالما هو لم يكن قد أعلن الترشح من الأصل...؟
كانت هذه خطوة ذكية جداً من الرئيس بري تشبه في لعبة الشطرنج تقديم الوزير الأول أضحية، من أجل قتل الملك عند الخصم...
أما من ناحية حزب الله، فإن الأمور أكثر تعقيداً...
الحزب يلعب باكثر من حجر ويتقدم في أكثر من محور...
على الساحة الداخلية خسر الكثير من البيادق؛ بينهم قادة من الصفوف الأولى لكنه بدا في الأيام الأخيرة وقد امسك اللعبة من كل الزوايا، على الأقل، هذا ما يبدو...
هو غض الطرف وربما شارك حتى في تنظيم إطلاق الصواريخ ال٣٤...
في الوقت الذي "ساعد" الجيش اللبناني على اكتشاف بضعة صواريخ قبل الإطلاق لكي لا يظهر أمام معظم اللبنانيين،وكأنه هو من يسعى إلى الحرب...
لكنه في المقابل ارسل صواريخ غير قاتلة تماما كما فعل ايام الترسيم حين ارسل مسيرات غير مسلحة أخبرت الإسرائيليين أنه مستعد للحرب إن هم لم يتراجعوا...
هو فعلها هذه المرة أيضاً...
ارسل كل هذه الصواريخ أو ساهم في إرسالها أو غض الطرف عن إرسالها ليقول لاسرائيل أن ما يجري من انتهاكات للمسجد الأقصى لن يمر دون عقاب، وأن الساحات كلها مستعدة...
إطلاق الصواريخ من لبنان، وبعدها من سوريا، يعني أن الساحات اللبنانية والسورية والفلسطينية قابلة للإشتعال، إضافة إلى الساحة الإيرانية...
كل ما سبق هو تحليل بتحليل...
قد يصيب المرء أو يخطئ...
لكن الأكيد أن الساحة بدأت بالغليان...
يجمع الجميع أن اسرائيل لا تريد الحرب...
يجمع الكثيرون أن أميركا لا تريد انفجار الوضع في الشرق الأوسط...
يقول الكثيرون أن حزب الله غير راغب باندلاع الحرب خوفاً من الجبهة الداخلية في لبنان...
هل هذا صحيح؟
بماذا تختلف الجبهة الداخلية في لبنان اليوم عما كانت عليه عشية حرب ال٢٠٠٦...
على العكس تماما، على الأقل، لم يعد السُنّة في نفس موقف العداء الذي كانوا عليه سنة ٢٠٠٦...
وجاء التفاهم الإيراني السعودى يعزز هذه الفرضية...
نسبة العداء عند الدروز والمسيحيين لم تتغير كثيرا...
لذا خوف حزب الله ليس في محله...
الناس تريد الخلاص بأي ثمن، بما في ذلك الحرب ضد اسرائيل...
يقع لبنان اليوم بين فكي كماشة...
حزب الله واميركا...
هناك طرفان ان لا ثالث لهما...
إما التفاهم لترتيب الوضع اللبناني تمهيداً لترتيب وضع المنطقة...
إما الصدام ، وإما التفاهم...
من الوهلة الأولى، يبدو وكأن الأطراف تذهب مباشرة إلى الصدام...
حزب الله يستأسد...
غزة ترفع قبضة التحدي والوضع في فلسطين التاريخية قابل للانفجار...
الأميركيون يرسلون الأساطيل إلى مقابل شواطئ بيروت وسوريا...
لكن في الوقت نفسه، يستدعي ملك الاردن، اللواء عباس ابراهيم للتشاور...
لقد ثبت أن قطر ليست في وضع جيد لتشكيل حلقة تواصل بين السعودية والحزب، أو بين أمريكا والحزب...
لذا الأرجح أن الأميركيين طلبوا من الاردن لعب دور الوساطة؛ ومن افضل من اللواء عباس لهكذا مهمة؟
من جهة أخرى، تم تجميد وضع الدولار بانتظار ما سوف تنتهي إليه الأمور وإن كان الأمر يجري على حساب ما تبقى من أموال المودعين...
يقول المثل الشعبي،
إذا ما كبرت، ما بتصغر...
الأكيد أننا ذاهبون إلى بعض التصورات الصعبة...
خاصة إذا استمر ابن غافير واليمين المتطرف في انتهاكات مستفزة للمسجد الاقصى كما يحدث كل يوم وكل ساعة...
حليم خاتون