السودان إلى أين؟
مقالات
السودان إلى أين؟
مها علي
19 نيسان 2023 , 20:27 م


الكاتبة: مهاعلي

دخلت السودان النفق المظلم, وهي التي كانت تُعتبر السلة الغذائية للوطن العربي, فقد اشتعل الصراع العسكري الداخلي بالأسلحة الثقيلة, وهذا ما تطمح إليه الدول الغربية والولايات المتحدة لأجل تفكيك السودان إلى دويلات,لأنه العمود الرئيسي الذي يمسك القارة الإفريقية كلها, وهم يريدون السيطرة عليها وعلى ثرواتها, وهذا المخطط تم البدء في تنفيذه منذ عام 2003, سنة غزو العراق, حيث قام الرئيس المعزول عمر البشير بالاعتماد على مجموعات مسلحة لمحاربة القبائل الإفريقية في دار فور, ونجحت في ذلك بعد قتل الكثير من المدنيين, وأطلق على هذه المجموعات اسم الجنجاويت, وتم إعادة هيكلتها عام 2013, كي تكون تابعة للجيش الوطني السوداني إلا أن عمر البشير أصدر قرار أن قوات الدعم السريع تابعه له بشكل مباشر واستلمت التجارة غير المشروعة وبدأت بنهب ثروات السودان من (ذهب وألماس وموارد طبيعية أخرى), وكانت هذه الموارد تتوزع على أفراد هذه الميليشيات والتي سميت بقوات الدعم السريع, وبدأ دورها يتصاعد وأصبح لديها شركات عابرة للقارات أي أنها أصبحت قوة اقتصادية, ووصل تعدادها إلى مئة ألف مسلح,

نشأت قوات الدعم السريع في البداية كفرع للمخابرات السوداني لكن الهدف الحقيقي لم يكن كما هو على الورق المساهمة في حفظ الأمن, لأنه كان يوجد جيش وشرطة, ولكن كان هناك هدفاً يتعلق بهواجس الرئيس السوداني السابق الكامنة في خوفه من أن ينقلب عليه الجيش كما انقلب هو على من سبقه وبالتالي كان حريصاً على استخدام هذه المليشيات التي أثبتت ولاءها له بإنشاء جهاز آخر يمكن أن يركن إليه إن انقلب الجنرالات عليه, وكان رئيس هذه الميليشيات يدعى محمد حمدان ديغلو الملقب بـ(حميدتي), أما من هو؟ فالمعلومات المتداولة أنه كان يعمل في تجارة الإبل ثم انتقل لتكوين جماعات مسلحة لحفظ القوافل التجارية.

بدأت الاحتجاجات في السودان للمطالبة بتسليم السلطة للمدنيين بسبب الأزمة الاقتصادية, يوم 6-4-2019 حيث اعتصم الشعب أمام مقر الجيش في الخرطوم ويوم 11-4-2019 أطاح الجيش السوداني بالرئيس عمر البشير منهياً حكمه الذي دام 30 سنة, وتواصلت الاحتجاجات لأجل تسليم السلطة للمدنيين ,وفي 17 آب 2019 قامت قوة مدنية بتوقيع اتفاقية لتقاسم السلطة مع الجيش خلال فترة انتقالية تنتهي بالانتخابات وفعلاً تم تعيين عبدالله حمدوك رئيساً للحكومة,

في 25- 10-2021 قوات الأمن اعتقلت عبد الله حمدوك وتم حل الحكومة المدنية وكل الهيئات الانتقالية بقرار من الفريق عبد الفتاح البرهان وبعد شهر ونتيجة الاحتجاجات تم إعادة عبدالله حمدوك للحكومة,

ولكن في كانون الثاني عام2022 اضطر عبدالله حمدوك للاستقالة, بسبب صعوبة الأجواء حوله فالكل منقسم على الكل, (المدنيين على العسكريين, والعسكريين على العسكريين وفي صراع مع المدنيين),

بدؤوا في مرحلة انتقالية والمكون المدني تعاون مع العسكري وبعد مايقارب سنة توصلوا إلى خريطة طريق للوصول إلى دولة وحكومة مدنية مستقرة, عرفت باسم الاتفاق الإطاري في 5-12-2022, وقد وقع على هذا الاتفاق عبد الفتاح البرهان ومحمد حمدان ديغلو وقوى مدنية حوالي 40 حزباً,وقد بارك المجتمع الدولي هذا الاتفاق,

فقد ضم هذا الاتفاق بنود واعدة جداً تشبه الأسس التي تبنى عليها الدساتير للدول الديمقراطية المستقرة, ولكن أحد هذه البنود كان التأكيد على تكوين جيش قومي مهني موحد وملتزم بالعقيدة العسكرية الموحدة, وهذا يقتضي توحيد قوات الدعم السريع وقوات الجيش الوطني السوداني,

والاتفاق الإطاري وضع جدولاً زمنياً انتهى في 11-4-2023 في اختيار رئيس وزراء للحكومة المدنية التي ستقود الحكومة الانتقالية لمدة 24 شهر, وقد كان من المفروض أن يكونوا اتفقوا على وضع نقاط أساسية لدمج قوات الدعم السريع مع قوات الجيش الوطني, لكن الطرفين وقعوا على النقاط في الاتفاق الإطاري واختلفوا على كل تفاصيل التطبيق, فموقف الجيش ببساطة الدمج مسألة يسيرة وليست صعبةويوجد فترة دمج مدتها حوالي سنتين, وأولها وأهمها إيقاف التجنيد في قوات الدعم السريع, وأن يتم إعادة الضباط من الجيش الوطني الذين ألحقوا بقوات الدعم السريع إلى أماكنهم في الجيش, وكل من أعطي رتبة عسكرية في الدعم السريع يخضع لامتحان فإذا كان غير مؤهل يتم إعادة تأهيله وينضم للجيش الوطني برتبة تناسبه,

لكن محمد حمدان ديغلوا وقواته رفضوا هذه البنود, ورفضوا الانضواء تحت القيادة العسكرية للجيش الوطني السوداني بعد عزل البشير وطالبوا ببقاء التجنيد مفتوحاً كما هو, وطالب حميدتي بإطالة فترة الدمج لعشر سنوات, وهذا ما رفضته قوات الجيش الوطني وقوى سياسية أخرى لأن معنى كلامه بأنه مع الزمن سيصبح دولة داخل دولة وسيطالب بحكم السودان بأكمله, فتصاعدت الخلافات بين ميليشيات الدعم السريع والجيش الوطني ووصلت إلى ذروتها بالمواجهة العسكرية.

وزارة الخارجية السودانية أعلنت أن عبد الفتاح البرهان أصدر قرار بحل قوات الدعم السريع وإعلانها قوى متمردة على الدولة وسيتم التعامل معها على هذا الأساس وأكد بيان وزارة الخارجية أن وساطات الدول الإقليمية والدولية فشلت من أجل إقناع قوات الدعم السريع بالاندماج في القوات المسلحة.

ومن هنا نستطيع القول أن الوضع كارثي في السودان وربما يذهب إلى التقسيم, وهذا ما يريده الغرب لأجل السيطرة على القارة الإفريقية, ولا ننسى أنه مع هذا الوضع تكون جميع جبهات الأمن القومي لمصر قد فتحت, فمن الجبهة الشرقية فلسطين والجبهة الشمالية والصراع على المياه الإقليمية وغاز شرق المتوسط, والجبهة الغربية في ليبيا بدأت عام 2011 وحتى الآن لم يستقر الوضع فيها , والآن يتكرر المشهد في الجبهةالجنوبية في السودان, وكانت مسبقاً إثيوبيا ومشكلة سد النهضة وحجز مياه النيل عن مصر , والآن بدل أن تجلس مصر والسودان وإثيوبيا لحل مشكلة السد يتغير المشهد لتعلن إثيوبيا الوساطه والتدخل لحل الخلاف الداخلي العسكري بين ميليشيات الدعم السريع والجيش الوطني السوداني,

وطبعاً كل مايجري هو من تداعيات الربيع العربي عام2011 ومن غير المعقول أن نتصور أن السودان سوف تسلم من المخطط, وكيف سينجح المخطط بدون اللعب في الأجهزة الداخلية؟ بالمختصر السودان تتحضر لتقسيمها مرة ثانية لدويلات, ويارب يحمي السودان وأهلها من كل سوء.

المصدر: موقع إضاءات الإخباري