كتب الأستاذ حليم خاتون:
"*لا ينهض بالشرق إلا مستبد عادل*"...
كم من المرات تم ترداد هذه المقولة التي تعود إلى أحد الشيخين الجليلين في الاسلام:
الامام الشيخ محمد عبدو أو السيد جمال الدين الأفغاني الحسيني...
قد يجادل المرء في صحة هذه المقولة؛ لكنه قطعا لا يستطيع المجادلة أو نفي دور الفرد في المجتمعات عموماً، شرقاً أو حتى غربا...
لم تكن الديمقراطية التعددية دوماً مشعل تقدم الأمم، وإن كانت مطلوبة دائماً متى حصل التطور في البنى الاقتصادية التي تسمح لهذه الديموقراطية بالبزوغ طبيعيا...
المشكلة هي أن الشرق عموماً لم يعش التطور الطبيعي للمجتمعات وإمكانية وجود أو ظهور ديمقراطية غير مشوهة هناك أمر صعب جداً، لذلك ربما، تم الحديث عن المستبد العادل...
ألى أي مدى يمكن الركون إلى هذه النظرية؟
لم تكن المانيا لتكون على ما هي عليه اليوم لولا رجل واحد كان وزيرا اول عند قيصر مملكة بروسيا، كبرى ممالك المانيا الحديثة، وأكثرها قوة...
قبل حوالي قرن ونصف من الزمن خرج من داخل عصر الإستبداد رجل اضطهد ولاحق كارل ماركس وغيره من الاشتراكيين الاوائل، لكنه أخذ عنهم ومنهم بعض أهم المبادئ التي قامت عليها المانيا بعد توحيدها على يد بسمارك نفسه...
للنهوض بالأمة الألمانية تقرر وتم التطبيق بصرامة لعدة قوانين منها إلزامية التعليم، حق العمل والسكن والمعيشة بكفالة الدولة، تنظيم العلاقة بين العمال وأرباب العمل، منع عمل الأطفال، تحديد ساعات العمل، بناء مؤسسات التنظيم المدني والريف، الضمان الاجتماعي، مؤسسات تهتم بالعاطلين عن العمل، وغيرها من المؤسسات التي لم تكن تعرفها أوروبا، والتي تعرف على جزء منها لبنان بعد قرن من تطبيقها في ألمانيا...
لكن التطبيق في لبنان جرى بشكل مشوه كما تشوه كل البنى الاجتماعية في هذا البلد القائم على الزبائنية الطائفية التي تجعل من عموم الناس مجرد احجار في يد الزعماء القدامى والجدد على حد سواء...
في حياة الأمم، يوجد دائما رجال مميزون يلعبون دوراً رئيسياً في نهضة هذه الأمم...
فرنسا مع نابليون، ثم مع شارل ديغول...
روسيا مع بطرس الأكبر وكاترين الثانية قبل الوصول إلى فلاديمير بوتين الذي يحاول متأخراً بعض الشيء تنظيف كل اوساخ غورباتشوف ويلتسين...
الصين مع ماوتسي تونغ وشو ان لاي، ثم دينغ هسياو بينغ وصولا إلى شي جي بينغ...
إيران مع الإمام الخميني الذي بدأ ثورة في إيران استطاعت هزيمة حلف الأطلسي في العراق وسوريا وساعدت حزب الله في تحويل هذا البلد الصغير إلى مارد هزم اقوى جيش في الشرق الأوسط في حرب انتهت بتحرير سنة ٢٠٠٠، قبل أن تساهم حرب تموز ٢٠٠٦ بتغيير وجه الشرق الأوسط من العصر الإسرائيلي إلى عصر المقاومات العصية على الهزيمة كما تُظهر كل الأمور رغم زلات هنا، وزلات هناك...
حتى حزب الله، يمكن القول دون كثير تفكير أن السيد عباس الموسوي هو من نقل الحزب من ظلامية الشيخ صبحي الطفيلي إلى التفاعل الإيجابي مع المحيط اللبناني والبدء ببناء المجتمع المنفتح المقاوم...
ثم جاء السيد حسن نصرالله الذي استطاع مع الشهيدين عماد مغنية وقاسم سليماني تغيير وجه الشرق الأوسط من اللون الاسرائيلي إلى ألوان مقاومة حزب الله في البدء، ثم الوان مقاومات المنطقة التي لا تزال في طريق التبلور...
منذ أشهر والصحف تطالعنا يوميا بأخبار جديدة من شبه الجزيرة العربية عن أمير جديد يختلف عن كل من سبقه...
يبدو أن الأخبار الخارجة من المملكة العربية السعودية ليست دقيقة تماماً عما يجري في تلك البلاد...
تحت ضجيج الموسيقى الغربية وحفلات الطرب التي يحييها معظم المشهورين في العالم عامة، وفي العالم العربي خاصة، وخلف ستار إطلاق الحريات التي يحب الغرب سماعها عن اللهو والرقص والفنون التي قد يغلب على أكثرها قلة الأدب مما يحب الغرب نشره في بلاد العرب، كان الأمير محمد بن سلمان يطهر المملكة من كهنة المعبد الذين يريدون سوق الناس كما الغنم خلف التخلف الوهابي الذي استثار من النكات والضحك ما يمكن أن يثير الشفقة على شعوب ظلت أسيرة نظرية سطحية الأرض، وثبات هذه الأرض وسط كون يسير إلى نهاية لا يعرف كنهها ألا جهابذة رهبان الوهابية...
بالإضافة إلى النيل من هؤلاء، كان إبن سلمان يلاحق مجموعة ضخمة من الفاسدين والسارقين تجاوزوا كثيرا عدد من استضافتهم السلطات في فندق الريتز...
٣٢٠ رجلاً بينهم ٣٧ أميرا من العائلة المالكة والباقون رجال أعمال سعوديون وأجانب من كل الجنسيات التي كانت تستبيح المال العام في المملكة...
٣٢٠ رجلاً اوقفتهم اللجنة العليا لمتابعة الفساد وإحالتهم إلى لجان تحقيق حيث واجهوا بالارقام والوثائق ما ارتكبوه طيلة أيام إقامتهم وعملهم في تلك البلاد...
وفقاً للنائب العام، اعترف حتى الأمس ١٩٥ من هؤلاء بما نسب إليهم ولا يزال التحقيق جارياً مع البقية...
المهم أن اللجنة كانت حجزت احتياطيا على كل ممتلكات وحسابات هؤلاء في المصارف داخل البلاد... (عمل لا يوجد في لبنان إبن امرأة يتجرأ على القيام به)...
لقد ثبت قيام حوالي ١٤١ رجل اعمال من هؤلاء بتهريب ما بين ١٦٠ إلى ٢٠٠ مليار دولار خارج البلاد، فقام النائب العام باحتجازهم إلى حين إعادة المال المنهوب إلى الخزينة العامة...
من بين ١٩ "رجل اعمال" لبنانيين تم احتجازهم يبدو أن الرئيس سعد الحريري كان الوحيد الذي استطاع الافلات من العقاب بفضل طوق النجاة الذي تأمن له من لبنان وفرنسا وأميركا لأنه كان على رأس الحكومة اللبنانية وأجبر على استقالة سيئة الإخراج...
ليس المهم تفاصيل القضايا بقدر ما أن المهم هو أن إبن سلمان يمتطي اليوم صهوة جواد التغيير وربما الإصلاح في شبه الجزيرة العربية...
على الاقل، تبين أن اميركا ترد اليوم على محمد بن سلمان عبر الدمى الأخرى التي لا تزال في القفص الأميركي وهي قطر، الكويت، مصر، الاردن، المغرب، السودان، وربما البحرين التي تخشى العين السعودية الحمراء...
إلى أي مدى يمكن لمحمد بن سلمان الذهاب...؟
هذا ما لا يعرفه أحد لأن الأمور كلها ترتبط بمدى النفوذ الأميركي داخل السعودية من جهة، والذي يمكن أن يؤدي إلى نفس نهاية الملك فيصل الذي تم قتله على يد "مجنون!" من العائلة الحاكمة بعد أن أصدر وعدا بتحرير الأقصى والصلاة فيه...
أما من الجهة الأخرى، فجدية إبن سلمان لا يمكن الركون إليها كثيرا طالما أن الرجل لا يزال في بداية طريق الهداية التي قد لا تدوم لأن الأثرياء وأصحاب الرساميل هم يتبعون هوية هذه الرساميل في الأغلب وهي حتى اليوم أميركية متأرجحة وغير ثابتة...
قد يكون إبن سلمان تاب عما اقترفت يداه في اليمن لأن ما ارتكب في سوريا والعراق سابق على وجوده على رأس السلطة، وإن كانت هذه الجرائم بنفس الوحشية وبإيعاز أميركي صهيوني منذ البداية...
هل يكون محمد بن سلمان المستبد العادل؟
من المؤكد أن محمد بن سلمان ليس شيوعيا ولا اشتراكيا...
من المؤكد أن إبن سلمان ليس أميرا احمر...
لكنه على الأقل فعل ما لم يستطع أي كان فعله في لبنان...
استرجع محمد بن سلمان ٧٥٠ مليار دولار من الأموال المنهوبة...
الأمور في المملكة مرهونة بأوقاتها...
الذي سوف يقرر هو كيفية سير الأمور على الجبهة الأوكرانية بعدما تبين أن هناك قوات خاصة أميركية وبريطانية تقاتل هناك...
كما أن الأمر مرهون بمدى مدة الانتظار الصينية تجاه أزمة تايوان والاستفزازات الغربية عامة، والأميركية خصوصاً...
التنظير الصيني الذي ظهر مؤخرا عن أن حياة اميركا مرتبط بالحروب وبالتالي يجب الابتعاد عن هذه الحروب هو نكتة سمجة تشبه كثيرا من يتحدث في لبنان عن امتلاك حزب الله لخيار السلم والحرب...
السلم مع كيان كولونيالي هو استسلام...
الذين يريدون الاستسلام لاسرائيل وأميركا لا يقولون ماذا يريدون فعله مع أكثر من نصف مليون لاجيء فلسطيني يريد الغرب زرعهم في لبنان...
أما الذين يتحدثون عن الحرب، فإن أقصى ما استطاع حزب الله فعله حتى اليوم هو توازن ردع منع البلطجة الاسرائيلية التي كان لبنان يعيش في ظلها منذ مجزرة حولة وحتى مجزرة قانا مرورا بعملية الكوماندوس الإسرائيلي على مطار بيروت وتدمير كل أسطول الميدل ايست سنة ١٩٦٨، يوم لم يكن في لبنان لا حزب الله ولا منظمة تحرير فلسطينية...
عودة إلى المستبد العادل...
هل يمكن أن يكون هناك مستبد عادل في لبنان؟
جوزيف عون... تابع للأميركيين وفق كل التحليلات والشواهد...
لو أراد أن يفعل شيئا، لكان تحرك بتفاهم مع حزب الله كما طالبه يوماً الكاتب سركيس نعوم...
من المؤكد أن السيد حسن لا يستطيع أن يقوم باعتقال أي فاسد في لبنان لأن حربا عالمية سوف تقع عليه يقودها كل زعماء لبنان من كل الطوائف بدءاً من الشيعة وصولا إلى السُنة ومرورا بالمسيحيين...
كل أهل السلطة في لبنان فاسدون؛ شيعة وسُنة ودروز ومسيحيون...
كل الاسماء دون أي استثناء...
إذاََ، ماذا باستطاعة حزب الله فعله؟
على الأقل، لجم بعض الموجودين في صفوفه والتوقف عن الشعبوية والكلام الفارغ الذي لا معنى له...
عندما تم الحديث عن دور الدكتور فياض في لجنة المال والموازنة، خرج الدكتور على شاشة المنار يفسر الماء بعد الجهد بالماء...
حتى الآن، لا يتهم المرء الدكتور فياض بالفساد والمساهمة في منع الكابيتال كونترول وفي مواجهة خطة حكومة حسان دياب التي كانت على علاتها افضل من التخبط الذي رمت لجنة المال والموازنة لبنان في أتونه...
خروج الوزير علي حمية للعودة عن الخطأ في موضوع المطار لا يبرر هذا الخطأ... نفس هذا الخطأ حصل في المرفأ، وحين جرى الكلام عن هذا في أحد مجموعات حزب الله على التواصل الإجتماعي، تم الهجوم المضاد تحت نظرية أن الوزير المعني هو موضع ثقة شخصية للأمين العام!!!...
كما في كل الاحزاب، في حزب الله أيضاً، هناك غنم...
هناك أيضاً "لحيسة"، و"ماسحي اقفية"... موجودون في القرى يجمعون المال جمعا ب"الحلال"...
عفواً، يا سيد...
لا تقل لنا أن نأتي بالبراهين...
لأن المطلوب ليس البراهين بقدر ما المطلوب أن يتحول حزب الله الى مقاومة وطنية وبس...
أجل، نحن نرفض التخلي عن السلاح،
عندما يخرج ابراهيم منيمنة يتحدث عن السلاح غير الشرعي نريد أن نرد عليه بأن سلاح المقاومة هو دائما سلاح شرعي لكن على هذا السلاح أن يكون سلاح حق لبناني عربي انساني كما هو فعلاً في واقع الحال...
نريد أن نجيب ذلك اللقيط الذي تحدث عن الصواريخ اللقيطة بأن السلاح الذي يدافع عن قضية لبنان والعرب والإنسانية لا يمكن إلا أن يكون سلاحاً شريفاً فوق المذاهب وفوق الأديان...
نعرف جيدا أن حزب الله في وضع صعب جداً...
لكن حزب الله مضطر لإيجاد حلول وأجوبة...
نحن لسنا بعيدين عن الحرب الأهلية...
عندما قرر النظام التركي التابع لأميركا في الثمانينيات مهاجمة سوريا، رد الرئيس حافظ الأسد بحشد الجيوش على الجبهة ضد إسرائيل، وقرر فورا الخروج من الحروب العبثية تجاه حرب شرعية حتى لو كان هو في موقع الضعف...
لذلك، اهلا بالصواريخ التي انطلقت...
رد المقاومة على كل من يشكك في الداخل بشرعيتها هو في إثبات هذه الشرعية حيث يجب...
في المعركة ضد اسرائيل تصمت كل ألسنة السوء...
في الحرب ضد اسرائيل يثبت حزب الله أنه مقاومة وطنية شرعية وان سلاحه فوق كل الاعتبارات الفئوية...
المقاومة تكون، حيث يجب أن تكون... ونقطة على السطر...
حليم خاتون