من صفر مشاكل إلى صفر أصدقاء,هل ينجح أردوغان بالانتخابات؟
مقالات
من صفر مشاكل إلى صفر أصدقاء,هل ينجح أردوغان بالانتخابات؟
مها علي
12 أيار 2023 , 15:24 م


الكاتبة: مها علي

عادت حليمة لعادتها القديمة, هاهو الرئيس رجب طيب أردوغان الذي يتولى السلطة في البلاد منذ أكثر من 20 عاما، ويواجه حاليا أصعب تحد له على الإطلاق, يحاول جاهداً منذ قرابة العامين العودة لسياسته القديمة الناعمة وإصلاح العلاقات مع دول الجوار, نظراً إلى تدني شعبيته,الأمر الذي يهدد فوزه بالانتخابات المزمع إجراؤها في 14 من أيار الجاري, خصوصاً مع تكتل المعارضة ضده وهي مكونة من ستة أحزاب وقد اختارت مُرشحاً لها لمنصب الرئاسة وهو كمال كليجدار أوغلو, وذلك لأن نظام أردوغان أصبح سلطوياً بشكلٍ كبير, ويبدو أن موقفه أصبح ضعيفاً في ظل ما تعانيه البلاد من تضخم اقتصادي, ومشاكل مع دول الجوار,

وإن نظرنا إلى السياسة الخارجية التركية منذ أن جاء حزب العدالة والتنمية عام 2003, إلى الحكم نستطيع أن نقسم مرحلة العشرين سنة الماضية إلى مرحلتين:

الأولى من 2003 إلى 2011, نصِفُها بسياسة الصفر مشاكل, حيث كانت تركيا دولة قوية ولكنها غير مؤثرة في المناطق الحيوية حولها(أسيا الوسطى, أوروبا, منطقة الشرق الأوسط) وحين جاء حزب العدالة والتنمية أراد الحزب أن يعزز قوة تركيا على المحيط بما يخدم مصالحها, فكيف فعل ذلك؟ ببساطة بزيادة القوة الناعمة وهي إجبار الآخرين على أن يمتثلوا لما تريد دون استعمال القوة الخشنة, وتركيا كانت تحلم بالانضمام إلى الإتحاد الأوروبي, لذلك قامت بإتباع مجموعة كبيرة من السياسات بدءاً من الدراما التلفزيونية التي تصور تركيا على أنها بلد جميل للسياحة, وراقي وحضاري, وصولاً إلى اتخاذ إجراءات مهمة لتكون دولة أكثر ديمقراطية أي دولة قانون, لهذا قامت بإدخال إصلاحات اقتصادية كبيرة, ولأن تركيا تحت حكومة ذات توجهات إسلامية, جذبت عدداً كبيراً من الدول العربية والإسلامية على الأقل على مستوى الشعوب لأنها رأت أن هناك أملاً في أن تكون هناك دولة إسلامية وقادرة على أن تقترب من النموذج الديمقراطي, وقادرة على أن تحقق اقتصاداً مزدهراً, حتى أن العالم الغربي تابع التجربة باهتمام لأنه كان سعيداً في أن يرى دولة تقول أنها إسلامية وبنفس الوقت هي صديقة للغرب, وصديقة للكيان الصهيوني, وراغبة في أن تكون جسراً بين الشرق والغرب, ثم اتبعت تركيا مجموعة أخرى من السياسات لإزالة الاحتقانات, فسياسة صفر مشاكل دفعتها للمصالحةحتى مع الأكراد, ومع الأرمن, وبدأت تلعب دور الوساطة في نزاعات حساسة حولها, كدورها بين ما تسمى(اسرائيل) وفلسطين, وبين إيران والولايات المتحدة, وبدأت تعقد الكثير من الشراكات والاتفاقات التجارية, والخلاصة أن تركيا نجحت في أن تتعايش مع المحيط وأن تكون نموذجاً يتحدث الناس عنه من عام 2003 إلى 2011.

المرحلة الثانية من منتصف عام 2011 إلى عام 2021 بدأت تتغير هذه السياسة لتصبح المرحلة توصف بصفر أصدقاء , فقد اتبعت تركيا سياسة خشنة جداً استخدمت فيها القوة العسكرية وسعت للتدخل في شؤون البلاد حولها, وخاصة الدول العربية, حالمة بإعادة مجدها في الإمبراطورية العثمانية, وكان سبب التغيير الرئيسي مجموعة من العوامل :

على المستوى الداخلي شهدت حكومة أردوغان احتجاجات مناهضة لحكومته في منطقة جيزة, وهي حدائق في ميدان تقسيم, وقد أرادت حكومة أردوغان أن تزيلها وتبني عليها مولاً تجارياً كبيراً, وازدادت الاحتجاجات كالنار في الهشيم في عشرات المدن, ونتج عنها عشرات القتلى وآلاف الجرحى ومئات المعتقلين , وفي ذلك الوقت قال أردوغان: إن من يقف وراء هذه الاحتجاجات دولاً تسعى للتآمر على تركيا, وفي نفس الفترة ظهرت للعالم خلافات كانت تعتبر في الخفاء بين حزب العدالة والتنمية الذي يقوده أردوغان وفتح الله غولان قائد حركة الخدمة, وهو رجل دين يقيم في أمريكا, وكان صديقاً أو استاذاً لأردوغان وكان دعمه مؤثراً في أردوغان وفي شعبيته وفي وصوله إلى السلطة, ثم اختلفوا للعديد من الأسباب وبدأ الخلاف يكبر ويظهر للعلن وقد اتهم أردوغان فتح الله غولان بالوقوف وراء محاولة الإنقلاب عليه في منتصف 2016.

هذا على المستوى الداخلي أما على المستوى الخارجي في عام 2011, كان هناك متغيرات كثيرة, وكانت الولايات المتحدة مُنهكة من حروبها الطويلة والتي خسرتها في الشرق الأوسط في أفغانستان وفي العراق من عام 2001, بحجة الحرب ضد الإرهاب ونشر الديمقراطية المزيفة, وبدأت تترجم سياستها الراغبة في الانسحاب من مناطق الشرق الأوسط, وفي نفس الوقت بدأت تنشط دول أخرى في مناطق حيوية لتركيا مثل الصين وروسيا, وظهرت المشاكل بين تركيا والإتحاد الأوروبي وبدا واضحاً لأردوغان أن حلمه بالانضمام للإتحاد الأوروبي لن يتحقق أبداً, ولكن كان أهم عامل أدى لتغيير السياسة التركية من صفر مشاكل إلى صفر أصدقاء هو بدء انتصار مايسمى (ثورات الربيع العربي) في عام 2012, والتي كانت قد بدأت من عام 2011, فرأى رجب طيب أردوغان في هذه (الثورات) فرصة عظيمة لسقوط كل الأنظمة في المنطقة العربية لتحل مكانها أنظمة تأتي من تشكلات إخوانية(الإخوان المسلمين), وقال في نفسه أن هذه الجماعات سوف تشكل أحزاباً على غرار العدالة والتنمية وتصبح أنقرة هي عاصمة العالم السُني كله.

وطبعاً لا يخفى على أحد أن دولة قطر والولايات المتحدة كانت تدعم حُلم أردوغان, فهي كانت تسعى لتنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد, ونجح وقتها محمد مرسي في مصر واستمر عام كامل, وكذلك حركة النهضة في تونس وفي المغرب وأصبحت فوضى وشغب وتخريب في سوريا من المجموعات الإرهابية المدعومة من أردوغان وأمريكا, ولكن نقطة انكسار المشروع بدأت نتيجة قلق دول الخليج والسعودية من هذه التطورات ورأت فيها تهديداً لأنظمتهم الحاكمة وقررت أن تبدأ ثورة مضادة لثورات الربيع العربي, وكانت أول مواجهة بين تركيا قطر وجماعة الإخوان المسلمين وبين دول الخليج كان على الأراضي المصرية في 2013, وانتهى بالإطاحة بجماعة الإخوان المسلمين, وفض اعتصامي النهضة ورابعة وبدأ منذ ذلك الوقت أردوغان استخدام علامة رابعه, وهو الزعيم الوحيد الذي كان يستخدم هذه العلامة, تعبيراً عن دعمه لهذه الجماعة وزاد التوتر بين المعسكرين بالتدريج حتى عام 2016 عندما تعرض أردوغان لمحاولة انقلاب واتهم حركة الخدمة بقيادة فتح الله غولن بالوقوف وراءها ولكن بعض المسؤولين الأتراك قالوا أن دولاً أخرى تورطت في الانقلاب وألمحوا إلى الإمارات, كما جاء في بعض الصحف, وزاد الصراع بين المعسكرين في أغلب الساحات الإقليمية والدولية, (في ليبيا والبحر الأحمر واليمن والمتوسط وأوروبا وكواليس واشنطن)

الخلاصة السياسة التي انتهجها اردوغان من عام 2011 حتى 2021 أدت إلى نتيجتين أساسيتين أولهما أن الاقتصاد التركي أصيب بالإجهاد نتيجة العزلة السياسية التي فرضت على تركيا بسب سياسته صفر أصدقاء وإتباع القوة العسكرية, فبعد كل ماسبق هل ينجح أردوغان بالإنتخابات؟؟؟.   

المصدر: موقع إضاءات الإخباري