كتب الأستاذ حليم خاتون: بين عرمتى وشاطئ صيدا
مقالات
كتب الأستاذ حليم خاتون: بين عرمتى وشاطئ صيدا
حليم خاتون
22 أيار 2023 , 07:58 ص

كتب الأستاذ حليم خاتون

من يمكنه فقط أن يتصور مدى قوة المقاومة الإسلامية المتمثلة في حزب الله سواء في السلاح، أو التنظيم، أو الروح الجهادية، لا يمكن أن يعجبه كثيرا صورة المناورة التي جرت أمس في عرمتى...

صحيح أن مناورة عرمتى رمزية بامتياز، وتريد فقط إرسال رسالة أو تأكيد رسالة إلى العدو والصديق في الوقت عينه...

إلا أن من عاش لحظات حرب تموز ٢٠٠٦، ومن رأى العبقرية العسكرية في السابع من أيار ٢٠٠٨، ما كان ليُسّر كثيرا بمناورة جاءت أقل بكثير من واقع قوة المقاومة هذه...

من المؤكد أن حزب الله كان في غنى عن هذه الرمزية لأن الحزب أن احتاج لاجراء مناورات بالفعل، وبالرصاص الحي، لاستطاع القيام بذلك في بلاد صديقة، ومع قوات صديقة لهذه المقاومة...

كما أن العدو يجري مناوراته في قبرص، يستطيع الحزب أن يجري مناوراته في إيران مثلاً...

أما الرسالة، إذا ما احتاج الأمر لرسالة ما، فكلمات السيد في فصول الخطاب، أقوى وأكثر تعبيرا ألف مرة عن أي إطلاق رصاص، وتفعل كل الفعل في العدو قبل الصديق...

الصور القليلة التي ظهرت على الشاشات هي فعلاً أقل تعبيراً عن واقع يعرفه المجتمع المقاوم، ويعيش حماسه كل يوم...

هو ينتظر بكل الصبر الذي يمكن تصوره؛ ينتظر ذلك اليوم الذي سوف تقوم فيه المقاومة بالقيام بالجزء الذي يخصها في تكامل كل الجبهات، وتحرك كل الساحات...

يوم تعلو كلمة الله، فتنشق الأرض، وتتحرك الجبال، ويطهر ملح البحار أرضنا المقدسة من كل النفايات الأوروبية التي لوثت يوما شاطئ فلسطين...

من شاطئ فلسطين يأتي الأنين اليوم حتى وصل إلى شاطئ صيدا...

قصة ركيكة إلى درجة غضب الأمة من أن تطفو هذه على الشاشات، بدل أن تكون فلسطين هي العنوان دوماً...

خرجت جموع انقسمت إلى فريقين...

فريق يريد العوم والسباحة واللعب تحت الشمس بثياب البحر الغربية باسم الحرية...

وفريق آخر يرفض هذه الحرية ويطلب الحشمة في اللباس، باسم احترام الدين، واحترام القوانين المحافظة لبيئة صيدا المحافظة...

من يسمع الفريق الأول، يوافق فعلاً أن من حق النساء لبس ثياب العوم المقبولة في لبنان، كما لبس التنورة القصيرة والبلوزة الحفر، والشعر الذي تطير خصلاته مع هواء البحر المالح...

يوافق المرء مع الناشط الاجتماعي محمد شمس الدين، ويتعاطف معه...

لكن حرية البعض تتوقف هناك، حيث تبدأ حرية الآخرين...

من حق المجتمع المحافظ، رجالا ونساء أن يحافظ هو أيضاً على ما يعتبره احتراماً لمعتقداته في التزام لباس الحشمة...

صحيح أن معظم الشباب المحافظ، كما الشيخ كانوا أقل حيلة في الكلام، وبدوا كأنهم يفرضون على الآخرين آراءهم فرضا...

أن هذه المسألة تشبه تماما قصة الحجاب أو النقاب التي تتراوح بين إلزاميته في إيران وبعض بلدان الخليج، وبين منعه منها باتاً في فرنسا وبعض بلدان الغرب...

المسألة بسيطة جداً...

الطرفان ليسا على الصواب ذاته...

فرض الحجاب على من لا يؤمن بهذا الأمر هو أمر مؤسف ومخجل؛ تماماً كما أن منع الحجاب على من يؤمن بهذا الأمر وفق الاعتقاد الديني، هو أيضاً أمر مؤسف ومخالف لكل الشرائع الإنسانية وحرية المعتقد...

المنطق يقول إن هذا الأمر سواء في لبس الحجاب أو في خلعه، هو أمر شخصي يقرره أصحاب الشأن أنفسهم...

لا يحق لأي كان فرض رأيه في هكذا أمور...

ماذا في أمر الشاطئ ولبس ملابس البحر الغربية، أو البقاء ضمن لباس الحشمة؟

المسألة بسيطة جداً ويجب احترام الطرفين والقيام بتقسيم الشواطئ وفقا لهذا المفهوم...

لا علاقة للدين بهذا الأمر لأن الديانة المسيحية كما الديانة الإسلامية تتطلبان الحشمة...

لذا كان المفروض ببلدية صيدا أن تقوم بتخصيص مساحات على الشاطئ لكل فريق مع فواصل تجعل الرجال والنساء لا يذهبون إلى الأماكن التي لا تتوافق مع أفكارهم ومعتقداتهم...

هكذا يذهب المحافظون إلى أماكن يمنع فيها لبس المايوه الغربي، ويذهب الآخرون إلى الأماكن التي تتوافق مع حرياتهم في لبس ما يرونه مناسباً...

المطلوب فقط أن يحترم كل فريق الفريق الآخر، ويحترم خصوصياته ومعتقداته...

هذا طبعاً ليس أمرا صعباً...

كل ما في الأمر هو أن يقتنع الجميع أن هذا البلد هو للجميع وليس لفئة دون أخرى...

هذا ما يدعونا إلى إعادة المطالبة بتفعيل مدنية الدولة لكي يكون لقيصر ما لقيصر، ويكون لله ما لله..

يبقى فقط التمني على الرجال المحافظين أن يلتزموا بما طالبوا به، ولا يقتربوا من المناطق التي لا تعجبهم وفق معتقداتهم...

هكذا يخضع الجميع لقانون واحد هو قانون مدنية الدولة مع الاحتفاظ بالتميز المطلوب بين فئات المجتمع المختلفة...

إذا كان لما حصل في صيدا من مدلولات، فهي أنه آن الأوان لكي يحترم الجميع مدنية الدولة، سواء كان هذا في السياسية أم في التنزه على شاطئ البحر...


المصدر: موقع إضاءات الإخباري