لماذا فشلت الولايات المتحدة في جذب دول العالم الجنوبي للوقوف معها ضد روسيا؟
مقالات
لماذا فشلت الولايات المتحدة في جذب دول العالم الجنوبي للوقوف معها ضد روسيا؟
مها علي
24 أيار 2023 , 00:06 ص


الكاتبة: مها علي

بعد صعود الدور الصيني والروسي على المسرح العالمي بقوة,وزيادة قدرات الجمهورية الإسلامية الإيرانية في العديد من المجالات رغم الحصار الطويل عليها,وبعد انفجار قنبلة عام 2023 المتمثلة بالاتفاق السعودي الإيراني في وجه الولايات المتحدة والكيان الصهيوني, وبعد مرور أكثر من عام على الحملة العسكرية الروسية على أوكرانيا هناك أسئلة عديدة على المستوى العسكري والسياسي والاقتصادي تحتاج إلى إجابات وأهمها لماذا فشلت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها في حشد كل دول العالم ضد روسيا؟ ولماذا يتعاطف كثير من دول العالم مع روسيا وليس مع أوكرانيا؟

وللإجابة يتوجب علينا أن نفهم الصورة الكبيرة وهو أن العالم انقسم إلى ثلاث أقسام غير متساوية, القسم الأول يتألف من خمس دول تؤيد الحملة العسكرية الروسية على أوكرانيا, مثل كوريا الشمالية وبيلاروسيا وسوريا وكوبا وإيران.

والقسم الثاني الذي يدعم أوكرانيا يضم حوالي أربعين دولة وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها الأوروبيين واليابان وكوريا الجنوبية واسترالية ونيوزيلندا وسنغافورة, بالمختصر هو الغرب السياسي.

منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية, وهذا القسم لم يكتفي بفرض عشر حزم من العقوبات على الروس بل انخرطوا في دعم سياسي وعسكري ودبلوماسي كبير لأوكرانيا,

أما القسم الثالث وهو الحيادي والأكبر ويضم معظم دول العالم الأخرى منها أمريكا الجنوبية واللاتينية ودول في الشرق الأوسط وبالمختصر هو الجنوب العالمي (العالم النامي), هذا القسم يرى أن من حق روسيا الدفاع عن نفسها لأن الناتو حاول تهديد أمنها القومي واستفزازها عبر توسيع حلف شمال الأطلسي شرقاً, ولايتعاطفون مع أوكرانيا لأنها هي من عملت على استفزاز روسيا, وقد عملت أمريكا جاهدة على إقناع هذا القسم الحيادي للانضمام إلى الناتو من أجل تطويق روسيا وعزلها, ولكن أمريكا فشلت, وحتى هذه اللحظة لم تستطع إقناعه, أما عن دوافع الدول للوقوف على الحياد وعدم التجاوب مع الولايات المتحدة فتعود أولاً:لعلاقتهم القوية مع روسيا على كافة الأصعدة السياسية والدبلوماسية والاقتصادية, ثانياً:لأن روسيا تصدر الطاقة والسلاح والغذاء بأسعار رخيصة وتحترم سيادة هذه الدول, على عكس تعامل أمريكا المسيء والمسيطر حتى على حلفائها, فعلى سبيل المثال أوروبا الحليفة لأمريكا بعد أن طبقت العقوبات على روسيا انقطع عنها الغاز واضطرت لشرائه بأسعار مضاعفة من أمريكا, وهذا ما دفع الرئيس الفرنسي ماكرون للقول علناً للحليفة أمريكا: (ماهكذا يجب أن تكون الصداقة), كذلك المملكة العربية السعودية الحليفة للناتو بحثت عن مصلحتها ورفضت طلب الولايات المتحدة في رفع إنتاج النفط,لأن أمريكا خذلتها في حربها ضد اليمن, ولأن خفض أسعاره سيؤدي للتأثير سلباً على مصدر رزقهم الوحيد وهو النفط,أما السبب الثالث وهو الأهم الذي دفع دول الجنوب العالمي للحياد وعدم الانضمام للقسم الغربي وللعقوبات ضد روسيا فهو

سوء اختيار أمريكا للشعار الذي أرادت أن تحشد به باقي دول العالم معها ضد روسيا والذي أعلنت فيه بطريقة مستفزة قائلة: أنه يجب أن تنضموا إلينا إنقاذاً للنظام العالمي القائم على القواعد منذ الحرب العالمية الثانية عام1945 والذي يضم منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية وباقي المنظمات العالمية, وهذا الشعار كان كافياً لصرف غالبية دول العالم عن القسم الغربي والأمريكي,لاسيما أن دول الجنوب العالمي كباقي دول العالم عانت كثيراً في ظل هذا النظام المزدوج المعايير, وبات واضحاً للعالم أجمع أن الولايات المتحدة تعمل في هذا النظام بما يخدم مصالحها وتخترقه وتتجاهله عندما يتعارض مع مصالحها أو مع مصالح الكيان الصهيوني الوليد غير الشرعي لأمريكا, مثلاً في تموز2018 قرر ترامب الخروج من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة وخرج منه لأنه تجرأ وانتقد مايسمى "اسرائيل",

وفي عام 2020 قرر ترامب الخروج من منظمة الصحةالعالمية في أوج مواجهة كوفيد19,لأن المنظمة لاتعمل وفقاً للتصورات الأمريكية, وفي أيلول 2020كان الخرق الأكبر للنظام العالمي حيث أن أمريكا قررت فرض عقوبات على كبار مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية لأنها تجرأت وقررت أن تفتح تحقيق في احتمال تورط جنود أمريكان في جرائم حرب أثناء احتلالهم لأفغانستان, والآن (إدارة جوبايدن تحاول أن تساعد المحكمة الجنائية الدولية في جمع أدلة على تورط جنود روس في جرائم حرب في أوكرانيا)

طبعاً أغلب الأمثلة في زمن ترامب الذي ذهب ولكنه ليس ببعيد فقد انتهى اول عام2021, وحين خسر ترامب الإنتخابات كان قد حصل على 75مليون صوت أي أنه يوجد تيار كبير يؤيده داخل امريكا ومن المحتمل أن يتم انتخابه عام2024,

وفي عام 2019 قرر ترامب ضم الجولان السورية إلى سلطة الكيان الصهيوني وهو على الأكيد ضم غير شرعي, وحتى الآن في ولاية جوبايدن مازالت أمريكا تعترف بهذا الضم الغير شرعي للكيان الصهيوني,ومما سبق نستطيع القول أن النظام العالمي أصبح هش وشرعيته ضعيفة في أعين الكثير من دول العالم لأنه يعمل حسب مصالح أمريكا فقط ويتعطل في مصالح الدول الأخرى,

و أن الولايات المتحدة تستغل حرب أوكرانيا وروسيا في بيع المزيد من نفطها بأسعار عالية, وبيع السلاح والحبوب, محاولة استنزاف روسيا وحرمان الصين من قوة الروس الحالية, والخلاصة :العالم يمر في مرحلة عدم وجود قانون دولي منذ أكثر من عقد من الزمن وينتظر الإعلان عن ولادة النظام العالمي الجديد متعدد الأقطاب.   

المصدر: موقع إضاءات الإخباري