كتب الأستاذ حليم خاتون:
وحده الذي لا يرى ادوار كل الفرقاء، لا يفهم ما قاله المفتي قبلان أمس...
عندما يقول المفتي قبلان ما معناه أن الرئيس لا ينتجه الخارج؛ هو يوجه الجميع للحوار الداخلي لإنتاج رئيس قبل أن "تقع الفاس بالرأس"...
المسألة ببساطة ليست انتخاب رئيس؛ المسألة تقترب من عملية إعادة تكوين النظام... المفتي يريد إعادة تقسيم الجبنة...
فهل سوف ينتظر دعاة بناء الدولة انتاج نظام مدني علماني بالكامل، ام يرضون بإعادة اقتسام جبنة السلطة بين الطوائف؟
طار البطريرك إلى الفاتيكان وفرنسا وفهم موقف الاثنين معاً...
ما قاله الفاتيكان، وما قالته فرنسا كان واحداً...
قام الإثنان بتشريح الموقف أمام البطريرك بابسط ما يمكن من الكلمات...
"الكباش الحقيقي في لبنان"، قالوا له، "هو كباش أميركي/شيعي"...
كل ما تفعله أميركا هو دفع المسيحيين إلى مواجهة الشيعة من أجل أن تقبض الثمن هي لاحقاً...
فرنسا والفاتيكان يحاولان إيجاد حل وسط بين الثنائي الشيعي والثنائي المسيحي من اجل الحفاظ على الوضع الطائفي الحالي على حاله...
ربما لا يجرؤ، لا الفاتيكان ولا فرنسا، على تنبيه المسيحيين أن الأميركيين مستعدون لبيع أي كان من أجل مصالحهم المهددة في المنطقة، وأن الثمن سوف يكون على حساب الحصة المسيحية في السلطة، لأن أميركا اعتادت دوما ان تدفع من جيوب الآخرين...
حين يأتي الكلام الى مسألة بناء دولة القانون، ينقسم المسيحيون في لبنان الى قسمين:
قسم علماني مدني منفتح يمثل أكثر من نصف عدد المسيحيين ويتألف من كل مَن لم يشارك في الانتخابات بالمطلق اعتراضاً على القانون المسخ الذي فُصّل على قياس الأحزاب الطائفية، وأيضاً ممن شارك في هذه الانتخابات؛لكنه انتخب أناسا غير انعزاليين نجح القليل القليل منهم، وسقط الكثيرون من أمثال جاد غصن بفعل التزوير، ومحاربة السلطة للثوار الحقيقيين في هذا البلد...
وقسم ثان أقل من النصف وفقاً لتقديرات المفكر رافي مدايان؛ ذهب هذا القسم إلى الصناديق واعطى صوته للأحزاب الطائفية الانعزالية بما في ذلك التيار العوني...
ما لم يجرؤ الفاتيكان وفرنسا قوله للبطريرك، حاول حزب الله أكثر من مرة التلميح له حين كرر، وفي أكثر من مرة أن الحزب رفض أكثر من مرة عرضاً طائفيا غير مستحب بالموافقة على المثالثة وحتى أكثر من ذلك مقابل حوار أميركي مع حزب الله يخفف من العداء لمصالح أميركا في المنطقة...
هل الأمور بهذا الوضوح فعلاً؟
هناك أربعة أطراف رئيسية في الثنائيتين:
حزب الله وأمل من جهة؛ القوات والتيار من جهة أخرى...
في الكباش الأميركي الشيعي،
يلوح الأميركي من بعيد بالعقوبات، ويعمل على فك التلاحم بين حزب الله وأمل...
هو قادر على استمالة أمل بالفعل إذا ما أعطى هذه الحركة جزرة ما، مثل المثالثة مثلاً أو القبول بدور حركة أمل المركزي الذي تمارسه في السلطة اللبنانية في العقدين الأخيرين من السنين...
العقوبات لا تهم الرئيس بري، والتلويح بها بلا معنى...
الرئيس بري يملك رصيداً في لبنان داخل الطائفة الشيعية، وعلى مستوى الطوائف الأخرى بدءاً من السُنّة وانتهاء بالمسيحيين...
هذا يجعل من العقوبات مسخرة أميركية بلا أفق...
هل يصل الغباء الأميركي إلى درجة استعداء الرئيس بري؟
بعض التافهين في لبنان، وربما بعض البسطاء في الإدارة الأميركية قد لا يرون أن نبيه بري اكبر من ان تنال منه العقوبات حتى لو فُرضت...
الرجل رغم كل ما يقال عن الدولة العميقة والفساد، لا يزال "يلاعب" الآخرين "بالكشتبان"...
والشاطر منهم، يدور ويدور ثم يرجع إليه...
حزب الله بلغ من القوة في لبنان وفي الإقليم درجة صار بإمكانه بموجبها أن يجلس ندا على الطاولات الكبرى لإجراء التسويات الكبرى...
القوات اللبنانية في حالة صعود داخل القسم الطائفي الانعزالي عند المسيحيين، وهي رغم تبعيتها للأميركيين والسعوديين، لا تزال تشكل رقماً في الساحة اللبنانية...
الطرف الوحيد الذي "ينطنط" بين الأطراف هو التيار العوني الذي "يُتكتك"، حتى بات يدور مع التكتيك نحو الانفجار من الداخل...
من المؤكد أن أول الضحايا على المذبح سوف يكون التيار الذي بالكاد يصل رصيده الفعلي إلى العشرة نواب...
طبعا، رقم عشرة جيد وافضل من الكتائب مع فرق واحد أن الكتائب لا تزال على قيد الحياة بفضل دعم خارجي بات مسدودا على التيار...
اللهم إلا إذا أراد التيار الانسحاب فعلا من المسيحية المشرقية والذهاب صوب اسرائيل...
سوف تحاول أميركا اللعب بالاستناد إلى قوتين، واحدة في الجيب وهي القوات، والثانية يحتاج وضعها في الجيب إلى جزرة كبيرة قد تصل إلى قضم بعض الصلاحيات من المسيحيين لصالح الشيعية السياسية...
طبعاً، سوف تعمل أميركا على إيجاد شرخ بين حزب الله وحركة أمل...
هل يدخل حزب الله في اللعبة؟ الأماني شيء والأرض شيء آخر...
يتمنى دعاة المقاومة وبناء الدولة أن لا ينخرط حزب الله في أية مفاوضات مع الأميركيين...
فقط الغبي أو المجنون يمكن أن يثق باميركا...
لكن ما حصل في الترسيم البحري يقف في وجه هذه الأماني...
المطلوب فعلاً من حزب الله الآن، هو العمل ليس على انتخاب الرئيس بقدر ما هو وضع الشروط لهذا الانتخاب...
أول هذه الشروط، هو تطبيق فوري لبند الانتخابات التشريعية على أساس نسبي بالفعل وليس باللف والدوران وفي دوائر كبيرة لا تقل عن المحافظة...
أما الديمقراطية الفعلية لانتخاب الرئيس، فيجب أن تكون، أو على الأقل، أن تشمل في مرحلة ما تصويت شعبي مباشر يُقصي من حلبة المنافسة كل انعزالي عنصري مناطقي لصالح المرشح الجامع الذي يؤمن بال ١٠٤٥٢ كلم٢...
الذي لا يقبل بالتنازل ولو عن شبر أو نقطة ماء فيها...
تقول بعض دوائر حزب الله أن انتخاب رئيس محسوب على الأميركيين، ومن ثم تعيين حاكم للمصرف المركزي تابع أيضاً للأميركيين، وتسليم قيادة الجيش والقوى الأمنية للأميركيين أيضاً، صار مناقضا لواقع السيطرة على الأرض والميدان...
ذراع أميركا العسكرية المتمثلة باسرائيل مشلولة وفي حالة ردع لا يمكنها الخروج منها...
الإرهاب الداعشي تلقى من الضربات في سورية والعراق ما يمنع عودته إلى الحياة رغم كل الرعاية الأميركية في التنف، وفي مناطق سيطرة الأكراد في سوريا والعراق...
التعويل على النباح الصادر بين الفينة والأخرى من أفواه من جلس في الطائف وتخلى عن معظم حقوق المسيحيين في الوقت الذي رفض فيه سليمان فرنجية الجد في لوزان أقل من هذا بكثير، هو أيضاً مراهنة خاسرة بفعل الأرض والواقع...
لذا يمكن القول أن الفرصة لبناء الدولة القوية القادرة العادلة صار قاب قوسين من التحقق...
كل المطلوب هو رفض المساومة ودفع الأمور إلى مؤتمر بناء هذه الدولة بدل التلهي في زيد اليوم، وفي عمرو غداً بلا أي برنامج فعلا لبناء هذه الدولة...
نحن لسنا دولة فاسدة...
في الدولة الفاسدة وفق الدكتور عباس الطفيلي في مقابلة له مع جاد غصن، يوجد مشروع تتم عملية تضخيم التكاليف عدة أضعاف لتلبية اكمال المشروع وتوزيع تلك الزيادة في التكاليف على المقاول والممول والسياسي...
هذا اسمه فساد...
في لبنان، يقوم الممول والسياسي والمقاول بتدمير ما هو قائم فعلاً من أجل خلق مزاريب لا يمكن سدها...
سنة ١٩٩٤ مثلاً، قامت الحكومة باقفال مصفاة طرابلس من أجل الصيانة، وهي لا تزال مقفلة بعد ٢٩ سنة وقد ركبها الصدأ حتى باتت خردة، كل ذلك من أجل إقامة كارتيل يستورد الوقود ويوزع الأرباح على السياسي والممول والتاجر، بينما تفلس الدولة وتعجز عن التطور...
باختصار نحن لسنا دولة فاسدة، نحن لسنا دولة من الأساس لأن السلطة بكل فروعها تعمل على هدم أية إمكانية لوجود دولة، فما بالك إذا كان المطلوب دولة قوية قادرة عادلة...
حليم خاتون :