مستقبل المسيحيين السياسي في لبنان سيتلاشىَ ويضمحِل،
وعلى أتباع الطوائف المسيحية فيه محاسبةَ جعجع وباسيل وآل الجمَيِّل، على ما فعلوه بهم.
هوَ الواقع بعينه، ومن دون مواربَة،فإنَّ الدور السياسي المسيحي سينتهي في لبنان قريباً، وخلال عقدٍ واحدٍ فقط، وسيصبحون على مؤتمر تأسيسيٍّ قادمٍ، عاجلاً أَم آجلاً، قد ينهي المناصفة، ويذهب بِاتِّجاه المرابعة، وليسَ المثالثة.
ولا نبالغ إذا قلنا: إنّهُ، بتقديراتنا فإنّ جميع طوائف لبنان أصبحَت ترغب بإنهاء هذه المناصفة، ووضع ِ حَدٍّ للدّلال ِ المارونيِّ، وإعادةِ العدالةِ الإجتماعيةِ والسياسية، إلى تحت قُبَّة البرلمان، قبل أن يذهبَ أغبياءُ الساحةِ المارونيةِ، ومَن يحكمُ الشارعَ المسيحيَّ بوطن ِ الأرزِ نحو الهاوية.
كثير من القادة المسيحيين قرأوا المتغيرات، في العالم وفي منطقة غرب آسيا، وتيقنوا من أن الرياح تجري بغير ما تشتهي سُفُن الِانعزالية، وأصبحوا على درايةٍ تامّةٍ بصوت المسيحي في الشرق لن يُسمَع صداه مستقبلاً، في أروِقَةالفاتيكان أوفي دوائر القرار الغربية؛ ومن هنا كانت نصيحةُ البابا لهم، بعدمِ الصدامِ مع الشيعة، وخصوصاً، بعد اِنقسام الكنيسةِ الكاثوليكيةِ والأورثوذكسية، نتيجةَ الحربِ الروسيةِ الأوكرانية.
القَيِّمُون على القرار السياسي المسيحي اللبناني، رأوا أنَّ حمايةَ الِامتيازاتِ السياسيةِ لهم تأتي، عبر التلويح ِبالتقسيم لتشكيل ِضغطٍ على المسلمين، لِلِابتعاد عن فِكرَةِ المؤتمرِ التأسيسيّ، الذي سيعطي كل فريق حقَّهُ الطبيعيَّ، حسب حجمِهِ السًُكانيِّ والعدديّ،
هؤلاء أبحروا بتفكيرهم عكس الريح، وسط موجٍ إسلاميٍّ عال ٍ ومتلاطم،من ضِمْنِ المُتغيرات الكُبرى التي شهدتها المنطقة العربية، مع صعودِ نَجْمِ الشيعة بشكل كبير جداً، إذْ برَزَ حجمُ تأثيرهم على القرارتِ الدّولية والإقليمية، وخصوصاً بعدما فشلت ضِدَهُم كافة المحاولات، لإيقاف صعودهم السريع، أو القضاء على قوَّتِهم المتنامية، أو الحَدِّ منها.
أخيراً، كانَ لا بُدَّ للعالمِ أجمَعَ إلَّا أن يعترف بهم، وأن يجلسَ معهم حول طاولة مستديرة، وأن يفاوضهم.
أمريكا، عندما كانت بكامل قوتها تحكم العالم،عاندتها الجمهوريةُ الإسلاميةُ
الإيرانية، وتصادمت معها وجابهتها وقارعتها،
وانتصرت، بتثبيت وجودها بقوتها واقتدارها وحنكتها السياسية الباردة.
ومَن دعمتهُ إيران من قِوَىَ سياسيةٍ شيعية، على مستوى المنطقة ليسوا أقل قوَّةً وثباتاً وحنكةً سياسيةً منها.
إن حزب الله في لبنان، كما أنصار الله في اليمن، والحشد الشعبي في العراق هم أمثلَة وشواهد على ما نقول.
فقد مورِسَت ضدَّهم أبشعُ أنواعِ التكتيكاتِ وَالمؤامرات، منها السياسيةُ، ومنها الِاقتصاديةُ، ومنها الحروب ُالعسكريةُ جميعُها، فكانت على الشيعة برداً وسلاماً، ذلا بل اِنتصروا على قِوَىَ الشَّرِّ، كداعشَ وبناتِها وإسرائيلَ وأخواتها.
واليوم، أصبَحَ الماردُ الشيعيُّ، في لبنان، أكبرَ مِنْ أنْ تطالَ رأسَهُ قِوىً اِنعزالية تاريخُها المُوَثَّقُ أسوَدُ بالعمالةِ مع الصهاينة، وأيديهِم مُلَطَخَةٌ بدماءِ عشراتِ الآلافِ من الأبرياءِ المدنيين، ويَصعُبُ عليهم أن يطالوا رأسهُ، لذلك نرىَ أنَّ سياسةَ الإقصاءِ السياسيِّ الذي مارسَهُ فحولُ المارونيةِ السياسيةِ، خلال عقودٍ طويلةٍ، اِنقلَبَ على رؤوسهم، ودفعواثمنه غالياً.
واليوم، فإنّ الإمعانَ في السيرِ بنفسِ النهج ِ،من قِبَلِ صعاليك المارونية السياسيّة، بِحُجّةِ أنّهم الفئةُ الأولى، وشعب الله المختار، سيُودِي بما تَبقَّىَ لهم من حياة سياسية، نحو هاويةٍ سحيقة.
هم نسوا كيف تعرضوا إلى قمةِ التهميش، خلال فترة حكم الراحل رفيق الحريري ومِن ثَمَّ في عهد اِبنهِ سعد،
إلى أن جاءَ تعويمُ الدَّوْرِ المسيحيّ، على يَدي أمريكا والسعودية، بعد فورات ما سُمِيَ بالربيع العربي.
بعد الخلاف السعودي الإيراني،وعجزِ سعدالحريري عنِ السيرِ في المشروع السعوأمريكي،لضربِ حزب الله،سلَّمَت آنذاك المملكةُ المصحفَ الذهبي َّ والرايةَ السُنِّيَةَ، لِقِسِّ معراب، لكي يقودَ الحملةَ بوجه حزب الله، بعدما تعهدَ بمواجهتهِ،
ومن هنا بدأت حكاية تفتيت القوَّةِ السياسيةِ السُنِّيَةِ التي جَيَّرَتْها الرياضُ لسمير جعجع.
حينها كانَ جزءٌ من المسيحيين بعيدين كلَّ البُعدِ عن الساحةِ السعودية،ومنضوون تحت لواءِ التيار الوطنيِّ الحُرّ، لكن بعد انتهاء ولاية الرئيس عون، التحق جبران باسيل بأغبياءِ السياسة المسيحيةِ المعروفينَ على الساحةِ اللبنانية، والذين لا يُمَيِّزونَ بين "التفسي والتفشي"، ويخوضون أغلبَ حروبِهم بالناضور، بتخطيطٍ أمريكيٍّ سعوديّ نقلوا الصراع الذي كانَ بين السُنِّيَةِ السياسيةِ والمسيحيةِ السياسية، ليصبحَ بين الشيعةِ والمسيحيين، وبتكافُلٍ من باسيل وتضامنِه مع سمير جعجع، جعلَ من نفسهِ إمّعةً مُلْحقاً وتابعاً لسياسة معراب التي تتقاطع مع سياسة بكركي،
من هنا بدأ حزب الله بممارسةِ حقِّهِ الدستوريِّ الطبيعيِّ في ما يخص مسألةَ تأمين ِ النصاب لِانتِخابِ رئيس للجمهورية ولا أحدَ يستطيعُ أن يتَّهِمَهُ بالتعطيل، لأن هذا هو حقه الذي كَفَلَهُ له الدستور،كما أعطاهُ لغيره.
من هنا نرىَ: أنَّ الِاصطفافَ الأخيرَ لِلسّاحةِ المسيحيةِ التي تبتلعُ القرارَ السُّنِّيَّ وتسيطرُ عليه، جاءَ لِيَضعَ لبنانَ على شفيرِ المواجهة، وأنّ محاولاتِ الضّغطِ بالتقسيمِ لن تُجدِيَ، ولن تنفعَ أصحابَها، لأنَّ مَنْ حرَّرَ لبنان مِنَ الِاحتلال الصهيوني،بالقوةالعسكرية،سيمنع تقسيمَهُ حُكْماً ولو بالقوةِ العسكرية.
إذاً، للعاقلين نقول: تبقى طاولةُ الحِوارِ هيَ المخرجَ رقمَ واحد؛ أو الذهابُ نحوَ إنتخاباتٍ نيابيةٍ مُبكّرَةٍ، كمخرج ٍ رقمِ اِثنين، ولا حلَّ ثالثاً للأزمة، بغير ذلك.
كثيرون من السياسيين السُنَّةِ مُمتعضون من المناصفة، وتحدثوا عنها فِعلياً، ويتحرَّكون بِاتِّجاهِ إلغائِها مهما كلّفَ الأمر،
أما حزب الله فيَترَيَّثُ ذلك الآنَ، وهوَ غيرُ مستعجلٍ لِإسراع ِ الخُطى نحوَ إلغائِها مؤقتاً، وأصبحَ مقتنعاً بأنَّ السِّلْمَ الأهلِي َّ والعيشَ المشتركَ ممكنٌ ضمانُهُ في لبنانَ إن ب ٦٤ نائباً مسيحياً أو ب ٢٥ نائباً، حسبَ الإحصاء لنسبة ١٩٪ من مجموع السكان.
إذاً، تَبَعِيَّةُ الساسةِ المسيحيينّ، وغباؤهم وعنجهيَّتُهُم قد تُوصلُ الأمورَ إلى هذا الحَد، وربما أكثر، لذلك هل سنرىَ وجوهاً مسيحيةً شابةً وتغيريَّةً جديدةً عاقلة، قد تُنهي هذا الِاعتِباطَ السياسي َّ الحاصلَ من قِبَلِ فتيان بيار الجِد وجعجع وباسيل؟
نتمنى ذلك، ولكن، وبكل تأكيد،"لقدكنت قدْ أسمعتَ لَوُ ناديتَ حيَّاً،
ولكنْ لا حياةَ لِمَنْ تُنادي.
بيروت في...
9/6/2023



