كتب الأستاذ حليم الشيخ: جان عزيز ودستايفسكي من جهة؛ البابا و أوكرانيا من جهة ثانية
مقالات
كتب الأستاذ حليم الشيخ: جان عزيز ودستايفسكي من جهة؛ البابا و أوكرانيا من جهة ثانية
حليم الشيح
12 آذار 2024 , 04:31 ص


كتب الأستاذ حليم الشيخ:

قد يبدو للعين أن لا علاقة بين الأمرين؛ فلماذا جمعهما في مقالة واحدة...

مرة أخرى، وكما قال حسني البرازان،

إذا أردنا أن نعرف ماذا في إيطاليا، علينا أن نعرف ماذا في البرازيل...

إذا كان هناك ما يمكن أن ينقذ العالم، فهو الجمال...

يقول دستايفسكي الذي استشهد به الإعلامي جان عزيز..

تجسد في لبنان في اليومين الأخيرين نوعان من الجمال:

جمال الفكر والروح؛ جمال خالد لا يموت،

وجمال الجسد والمظهر الإنساني الذي يذوب مع ذوبان العمر ومرور السنين...

من قرأ دستايفسكي الذي لا يزال يحتل إلى جانب تولستوي عرش الأدب الروائي العالمي، يخرج بأن هذا الأديب الكبير قصد الجمال بكل صوره التي لا تعد، لا تحصى...

لكن الإعلامي جان عزيز أراد، ربما سهوا، اختصار هذا الجمال في الصنف الثاني فوجه تحية نحترمها إلى ياسمينا زيتون، وصيفة ملكة جمال العالم الأولى، مع كل ما تحمل هذه المهرجانات من معان وسياسة وتجارة لسنا في مجال بحثها اليوم، ( دون أي انتقاص من قيمة الآنسة ياسمينا)...

ربما فات الاستاذ عزيز أن من (أجمل) ما حصل منذ يومين في لبنان، هو فكر عبّر عن روح المسيحية الحقة حين خرج في كلمات من ذهب على لسان الراهبة المعلمة العظيمة القدر مايا زيادة التي أرادت زرع المحبة والأخوة وحب الوطن في صغار صفها حين دعتهم للصلاة من اجل أطفال الجنوب، ونساء الجنوب، ورجال الجنوب الذين يقاومون دفاعا عن وجود هذا الوطن وكرامته...

نحن في لبنان جميعا نحب الحياة، ونحب الجمال بكل صوره، ولا اعتراض عندنا على التغني بجمال الخَلق الذي أصبغه الخالق على الآنسة ياسمينا مع التمني أن يكون وهبها جمال الخُلق أيضاً وهو الجمال الذي تمتعت به راهبة المحبة والإنسانية مايا زيادة...

جمال الخَلق قد يريح العين، قد يزيّن الحياة ويرضي الناس...

لكن الذي يبني الأوطان، ويرتفع بالأمم إلى السمو هو جمال الخُلق...

هذا ما دفع بأمير الشعراء احمد شوقي الى أبياته الذهبية حين ربط الأمة بالأخلاق قائلاً،

انما الأمم الأخلاق ما بقيت، فإن هم، ذهبت أخلاقهم ، ذهبوا...

لعل الإعلامي جان عزيز لم يرد أن يصطدم بالمؤسسة الدينية أو الدنيوية من جماعة هرتزل في لبنان، فأحجم عن مدح فعل عظيم صدر عن راهبة عظيمة...

ولكي لا نبتعد كثرا عن الراهبة مايا زيادة التي تخدم كنيسة السيد المسيح، نعرج على كلمات بسيطة لصاحب القداسة بابا الفاتيكان في روما الذي خرج منذ يومين بتصريح عن الحرب الروسية الأوكرانية...

بعد خمسة أشهر طوال من فعل الإبادة المباشرة في فلسطين، وبعد خمس وسبعين سنة من القهر والنهب ومصادرة الأراضي ومسح القرى والبلدات والمدن الفلسطينية أو تهويدها، لم يتجرأ فيها رأس الكنيسة في العالم على اتخاذ موقف واضح جداً، وتسمية الاشياء بأسمائها كما فعلت جنوب افريقيا والبرازيل وغيرها الكثير من الدول...

لم يسم البابا ما يجري في فلسطين لا بالإبادة، ولا بالتطهير العرقي، ولا بجرائم حرب ولا بجرائم ضد الإنسانية...

من حق الفلسطينيين على كل العالم أن يخرج لقول كلمة حق بدل البكاء على هولوكوست أول اتخذته أوروبا حجة لارتكاب الهولوكوست المعاصر في حق الشعب الفلسطيني...

أخيراً تجرأ البابا وقال في كلمات بسيطة أن ليس من العيب أن يرفع الأوكرانيون الراية البيضاء...

جن البعض في أوروبا ورأوا في تلك الكلمات طلبا باستسلام أوكرانيا، بينما رأى آخرون أن البابا طالب بوصول الطرفين إلى السلام...

كما يتأخر البابا في اتخاذ موقف حازم من الإبادة في فلسطين، تأخر كثيرا عن نصيحة الأوكرانيين باحترام الديمقراطية والتوقف عن الممارسات النازية تجاه المقاطعات الروسية وأهل هذه المقاطعات...

خرج البابا متأخرا جداً بعدما صار واضحا جداً أن أوكرانيا على وشك الإنهيار...

الجيش الروسي يقضم الأراضي قطعة قطعة وبدأت الصورايخ الدقيقة تصل إلى معاقل المرتزقة وضباط الناتو على حدود بولندا ورومانيا...

الروس غيروا خططهم، ومرة أخرى ساعدهم محور المقاومة بشكل غير مباشر عندما شنت الفصائل الفلسطينية الحرب في السابع من أكتوبر على الكيان الصهيوني فتوقف الغرب عن الحشد والتسليح والتمويل على الجبهة الروسية وصار كل شيء يذهب إلى إسرائيل...

استقالت نولاند احتجاجا على إهمال أوكرانيا، لكن كل الدلائل كانت تشير إلى حتمية انتصار الروس...

وفقا للبروفيسور مارشايمر يتفوق الروس على الأوكرانيين في كل شيء بمعدل يتراوح بين واحد إلى خمسة في القوة البشرية ليصل إلى واحد إلى أكثر من عشرة في القوة العسكرية، والإنتاج العسكري...

تحسبا من دخول الغرب في الحرب بشكل مباشر، يحشد الروس ما بين ٧٥٠ ألفا ومليون ومائتي رجل حول أوكرانيا من الشمال والشرق والجنوب مع الاستعداد للدخول في حرب مفتوحة بكل الأسلحة إذا اضطر الأمر...

ذهب الكولونيل ماكروغر ماكدونالد إلى التصريح بأن خسائر الأوكرانيين تجاوزت ال ٤٠٠ الف رجل بينما لا تزيد.خسائر الروس على ستين إلى سبعين ألفت...

بات الكثير من القادة الأوكرانيين الذي نفذت من عندهم الذخائر والغذاء وعلاج الجرحى يتصل بالروس عارضا الاستسلام مقابل المعاملة الحسنة، وهذا ما يفعله الروس على عكس النازيين الأوكران والأوروبيين...

ورغم الحصار والعقوبات ومصادرة اصول المصرف المركزي الروسي في أوروبا وامريكا التي تزيد على ٣٠٠ مليار دولار ينمو الاقتصاد الروسي بمعدل ٣-٣,٥٪ سنويا وصارت روسيا تحتل المركز الثمن عالميا في الاقتصاد والموقع الثاني في الإنتاج والقوة العسكرية...

كل هذا له معنى واحد:

أميركا والغرب عاجزان في حالة وجود ند قوي...

خمسة أشهر ولا يستطيع اقوى جيش في الشرق الأوسط وربما رابع أو خامس جيش في العالم أن يسيطر على مساحة ٣٦٠ كلم٢ التي هي مساحة قطاع غزة...

يهددون بالتدمير وقتل الناس كما فعلوا في غزة، لكنهم أعجز من مواجهة أنصار الله في اليمن ولولا كلاب الداخل من تكفيريين وانعزاليين وعملاء وخونة في لبنان، لكانت قوات الرضوان تسيطر على شمال فلسطين...

في كل الأحوال، لا تزال المعارك في بداياتها، ومن حسن الحظ أن عدونا غبي إلى درجة لا يرى أن الوقت ليس في صالحه على الإطلاق...

كلما طالت الحرب زاد الوضع العام راديكالية...

سقطت أقنعة كثيرة سوف تؤدي إلى سقوط أنظمة تابعة للغرب...

مجرد انقلاب واحد، وسوف تكر السبحة...

مجرد رصاصة واحدة في رأس عميل متخاذل، وسوف تنهار أجهزة مخابرات تكتم الأنفاس في صدور الناس...

السعودية تراجعت ولو عن خبث عن التطبيع...

نظام القاهرة وعمان بات كل واحد فيهما بالكاد يحتفظ بورقة توت تخفي العورات...

تدفق مليارات النفط لشراء الذمم الوطنية لن يستطيع لجم الغضب العارم الذي سوف ينفجر حتماً...

مفتاح النصر هو في أيدي الفلسطينيين حصراً...

صمود الفلسطينيين والتصميم على عدم التنازل عن إقامة الدولة وحق العودة الذي ظهر واضحا في رد حركة حماس والفصائل له معنى واحد فقط:

هذه المرة ثمن وقف الحرب سوف يكون سياسياً، والدليل بدء الفرنسيين بعد CNN الأميركية بالحديث عن وجوب خروج مروان البرغوثي من السجن لأجل الوصول إلى حل الدولتين الذي لن يصمد أمام شعار دولة واحدة لكل سكان فلسطين التاريخية على أساس المساواة في الحقوق والواجبات مع التركيز على حق العودة...

لم يعد إيلان پاپيه الوحيد الذي يدعو إلى هكذا دولة...

حتى جدعون ليفي يقول بأن حل الدولتين تجاوزته الأحداث، وان الذي يريد البقاء والعيش بسلام أمامه حل الدولة الواحدة الديمقراطية الذي كانت ترفعه منظمة التحرير قبل السقوط الكبير...

لن يكون هناك هدنة على الأرجح، بل تخفيف وتيرة القتل خلال شهر رمضان...

نتنياهو لن يقبل بهدنة؛ كذلك اليمين المتطرف...

مصلحة هؤلاء هي في القفز إلى الأمام...

استمرار الحرب في غزة التي لا يمكن أن تسقط ابدا حتى لو ظلت بضعة مجموعات تخوض حرب شوارع وأنفاق...

كلام يحي السنوار المنشور في موقع إيضاءات يظهر بكل وضوح أن المقاومة الفلسطينية لن تتراجع وان كل ما يتسرب عن صفقات على ألسنة الوسيط القطري أو المصري ليس أكثر من متاهة لن تجد لها تجسيد...

كذلك نحن في لبنان...

صار قدرنا مربوط أكثر من أي وقت مضى مع القضية الفلسطينية.

عاجلاً أم آجلا، سوف يجد حزب الله دواء لعملاء الداخل...

هناك حركة أمل، القوميون السوريون، الناصريون، الشيوعيون... هؤلاء جميعاً قد يشكلون رادعا لأمثال سامي الجميل وغيره من العملاء...

المقاومة التي تراوح مكانها، لا تزال تملك زمام المبادرة، ورغم الصبر الكبير الذي تبديه، لن تستطيع سوى الرد بحزم أكبر وقوة أكبر...

كل شيء يفيد بأن حزب الله قد هيأ لهذه الحرب ما لا تعرف به لا إسرائيل ولا أميركا...

الذي هرب من بضعة مقاتلين أفغان لا تصل قوتهم إلى ربع ما لدى أنصار الله أو حزب الله، لن يستطيع سوى الهرب بنفس الطريقة أو الغرق في الشرق الأوسط وخسارة تايوان بعدما خسر أوكرانيا بكل تأكيد...

المصدر: موقع إضاءات الإخباري