كتب الأستاذ سامح عسكر: ركز معايا حضرتك
مقالات
كتب الأستاذ سامح عسكر: ركز معايا حضرتك
سامح عسكر
4 تموز 2023 , 19:51 م


كلنا شوفنا وسمعنا المجرم اللي حرق القرآن وداسه برجليه في السويد، وبرغم استنكارنا للعمل طالبنا (بالعقلانية في الرد) لأن العنف هيكون خطأ من ثلاثة وجوه:

الأول: إن الدين الإسلامي لم يجعل القتل عقوبة على إهانة القرآن، والرد صريح في قوله تعالى "وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره " [النساء : 140]

تخيل الرسول عليه السلام لو كان عايش وشاف هذا الأحمق يهين المصحف كان قتله؟

أقولها لك بكل ثقة، كان سيرد بقوله (لا شأن لكم به..وربنا يهديه لأنه جاهل بتعاليم القرآن التي تحضنا على السلام معه والحوار والتواصل)

ربنا ذكر في القرآن أنه كان غفورا رحيما (14 مرة) وأنه توابا رحيما (مرتين) وأنه بنا رحيما (مرتين) وأنه رحيم أكثر من (40) مرة، كأن الله يعلمنا وينبهنا عن خطورة القسوة وضرورة الرحمة، ليس فقط للعدل مع الخصوم ولكن لإنقاذ أنفسنا من الضرر الناتج عن القسوة أنها سوف توجه بشكل سريع لصدورنا فور أن نفرغ من الأعداء..وهذا مضمون الخطأ التالي..

الثاني: أن قتل المخالفين في الدين بدعوى إهانة المصحف، تفتح الباب لقتل المخالفين للرأي بدعوى إهانة الثوابت، أصلها دايرة مفتوحة حضرتك، وقصة الجماعات التكفيرية بدأت لما أشاعوا في العالم الإسلامي (خطر الشيوعيين) ومن ثم أصبح كل مخالف للرأي متهم بالشيوعية..

لا يوجد حد فاصل بين تصور الخطر الأعظم من الأصغر، لأن النفس اللي تصورت خطر الشيوعي كان عن دعاية سوداء موجهة صورت الشيوعي (بقرون طويلة في رأسه، مع وجه أحمر وأنياب تقطر منها الدم) ، فلما وصلت هذه الصورة الشيطانية لم تكن محصورة فقط في الشيوعي بل امتدت لكل مختلف في الرأي، لذلك من حسنات الحداثة أنها عالجت هذا السلوك الدعائي بضرورة الانفتاح والتواصل لكي نفهم بعضنا البعض، لأن العزلة مصيرها الكذب..والكذب سبب أصيل للعنف، والعنف دايرة غضب مفتوحة لا تميز..

عايز دليل على ذلك..

إدرس مفهوم (ضرورة القضاء على الخطر الأقرب قبل الخطر الأبعد) في عرف الجماعات التكفيرية، وهتفهم بناء على دراسة هذا المفهوم كيف وجه التكفيريون سلاحهم للمسلمين قبل ما يضربوا طلقة واحدة ع الشيوعي والصهيوني..

واختصار هذا الجزء: إن اللي حضرتك بتطبله دلوقتي وفرحان إنه عايز يقتل اللي إهان المصحف الشريف، هيقتلك انت شخصيا بدعوى إنك (أهنت ثوابته) فالمصحف قيمة رمزية في نفس المسلم تتساوى معها قيم أخرى مثل المذهب والدين والعرق والقومية والعشيرة، بل لمجرد قلت رأيك الديني أو السياسي المختلف معه هيتقلك بدعوة الردة..!

الثالث: أن قتل المختلفين في الرأي عمل غير إنساني، والقرآن الكريم نهى عن ذلك وجعله خصيصة وصفة للطواغيت أشهرهم النمرود حين خرج عليه نبي الله إبراهيم عليه السلام (فما كان جواب قومه إلا أن قالوا اقتلوه أو حرقوه فأنجاه الله من النار إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون " [العنكبوت : 24]

دعوة سيدنا إبراهيم كانت (سلمية) لكنها بالنسبة للنمرود وقومه (طعنت في ثوابتهم) فانتفخت أوداجهم وقالوا اقتلوه، نفس اللي عايزه حضرتك لما واحد طعن في ثوابتك قلت لازم نقتله، رغم أن الإسلام لم يُشرع القتل سوى في حالتين ، الأولى : للقصاص النفس بالنفس، والثانية: دفاع عن النفس ورد العدوان، لكن شخص عادي بيقول أي حاجة بلسانه أو يعمل بإيديه شئ يستفزك هذا عقوبته أي شئ غير القتل..

طب حضرتك دا واحد استفزنا كلنا كمسلمين، مفروض نعمل إيه؟

هقولك في خمس خطوات باختصار:

1- لازم تثبت له إن الإسلام دين يدعو إلى الفضيلة والأخلاق والتسامح حتى يشعر بخطأه ولا يحض على تكرار فعلته من خصوم تانيين، وأبسط دليل على ذلك إن متضامنين معه هيعملوا نفس العمل وينشروه على السوشال ميديا بعد ما عرفوا إن صدر حضرتك ضيق وسهل الاستفزاز وأقل لفظ يوديك ويجيبك..

2- تدعو إلى حرمة ومنع إهانة مقدسات الغير، حتى يشعر هو وأنصاره بالفارق الأخلاقي بينك وبينه، فلو كان ممن قفل الله على صدورهم وعقولهم أكيد من أنصاره من سيرده وينصحه بقوله: إن المسلمين مسالمين وعقلانيين مش زي ما حضرتك بتصورلنا..

3- تنصح الناس بمقاومة العنف بداخلهم وتوعيهم بالنقاط الثلاثة عالية، خصوصا الثانية لأن تأثيرها العملي سريع جدا وآفاتها على مجتمع المسلمين أدت لقتل وتشريد الملايين وتهجير مثلهم ودمار دول بأكملها..

4- تحذر الناس من التكفيريين ودعاة العنف وتنصحهم بأن بنادق وسيوف هؤلاء ستوجه لصدور المسلمين فور فراغهم من الأحمق الذي أهان المصحف، وتذكر تجربة الرئيس المصري السادات الذي دعم الإخوان والتكفيريين في السبعينات بدعوى خطر الشيوعية ، فبعد أن تمكنوا وامتلكوا القوة والحواضن الشعبية (قتلوه) وبدأوا في سلسلة تدمير العالم الإسلامي والعربي برمته..

5- تعيد النظر في مفهومك للدين..لأن لو بتقرأ قرآن صحيح هتفهم منه إن الرسول عليه السلام كان داعية أخلاق ورحمة، مش قسوة وانتقام..كان داعية فكر وعقل مش ترجع لنا تاني سلوك الجاهلية الذي ثار عليه الإسلام، مش ترجع لنا حضرتك سلوك الطواغيت لما قالوا اقتلوه وحرّقوه لما سيدنا إبراهيم طعن في معتقدهم..

عمر ما كان القتل حل ووسيلة إلا عند المجرمين وتجار الدين، أما المسلم الحقيقي فهو من سالم وعف لسانه ويده عن كرامة وأرواح الآخرين، وكان مشروع سلام ورحمة للعالم كله مؤمنين وغير مؤمنين، وكان داعية للجمال والذوق والبناء والتعمير، مش داعية للقُبح والهدم باسم المعتقدات، وصدق من قال (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون) [النحل : 90]

أنشر المقال لو أقنعك..ولو شايفه مهم إعمل مشاركة أو لايك، فكل حرف يدعو للسلام والعقلانية ينقذ البشرية من مصير أسود وجدنا مثيله على أيدي من يلتحفون الدين، والله والرسول منهم براء..

المصدر: موقع إضاءات الإخباري