كتب الأستاذ حليم خاتون: 

لم يترك الدكتور جورج حبش موقعاً أو موقعة في تاريخ نضال تحرير فلسطين إلا وحلم بتحويله أو تحويلها إلى نقطة فجر جديد في تاريخ عربي حمل في احشائه وعدا بنصر آت...

مذ خرج من فلسطين طالب طب في بيروت إلى أن غادر بيروت هذه إلى الشام بعد هزيمة أخرى بفعل اجتياح ١٩٨٢، والحكيم جورج حبش يرفض الموت على سرير، ويحلم بلحظة يسقط فيها دمه في سبيل تحرير فلسطين والعالم العربي...

عندما اجتمع قادة أحزاب الحركة الوطنية اللبنانية والفصائل الفلسطينية أثناء الاجتياح، كان الدكتور جورج حبش صوت النشاز الوحيد الذي طالب بتحويل حصار بيروت الغربية والضاحية إلى نفس ظروف حصار ستالينغراد...

تعب باقي المناضلين من قادة مرحلة ما قبل الاجتياح، من شيوعيين وقوميين وغيرهم...

"بيروت ليست مدينة فلسطينية"، أجاب ابو عمار في اجتماع ذلك الاجتياح الذي كان يبحث اقتراح الخروج "الآمن!!" من بيروت، وسط تشجيع زعماء ما كان يسمى زورا حركة وطنية لبنانية...

سكت كل قادة أحزاب الحركة الوطنية اللبنانية وكأن الطير قد افلت على رؤوسهم...

سكت الجميع رافضين اقتراح الدكتور حبش...

التفت الحكيم صوب ابو عمار قائلا:

"إذا، فلتكن المخيمات هي ستالينغراد العرب... نقاتل حتى الشهادة ونرفض أن يسجل التاريخ نكبة فلسطينية أخرى...

لتكن الشهادة نقطة عبور الشعب الفلسطيني من الهزيمة والنسيان نحو عهد نضال وانتصار"...

لم يطل الصمت في ذلك الاجتماع حتى خرج قرار الخروج من بيروت الى أقاصي الأرض بعيدا عن حلم تحرير الأرض والعرض...

خرجت منظمة التحرير الفلسطينية لتصل إلى أوسلو قبل أن يتمرد محمود عباس على أبي عمار بدعم غربي انتهى إلى سقوط عرفات شهيداً بعد حصار وقصف لاحقه من غرفة إلى غرفة في المقاطعة التي أرادها الاحتلال سجناً وحولها ابو عمار في آخر حياته إلى عنوان شهادة قامت بعد تردد طال...

في لبنان، انتهت الحركة الوطنية اللبنانية بعد أن أُختزِلت جبهة المقاومة اللبنانية"جمول" في بضعة عمليات بطولية ضد الاحتلال الصهيوني، ليحول محسن ابراهيم مع وليد جنبلاط هذا النضال إلى أوسلو لبنانية أنتجت ١٤ آذار قبل أن تتحول هذه بدورها إلى ما نراه اليوم من أحزاب وحركات، منها من يدعي السيادة وهو بحمل قيود العبودية والذل، ومنها من يجلس على كرسي السلطة حاملا قناع الوطنية الخشبي...

ويل لشعب يكون فيه سمير جعجع أو سامي الجميل أو جبران باسيل أو حتى حمائم التغيير المزور عنوان سيادة واستقلال... ومع كل هؤلاء سلطة تختصر كل فساد الكرة الأرضية في وجدانها...

في لبنان، اجتمع بقايا جماعة أوسلو اللبنانيون مع أعداء المقاومة تاريخيا من قوات وكتائب وأحرار يرفضون انتهاء زمن الهزائم...

انتهى زمن تحالف الحركة الوطنية اللبنانية وفصائل منظمة التحرير...

اختلط الحابل بالنابل...

انشق من انشق، وتحالف من تحالف حتى خرجت حركات هجينة في لبنان وحركات هجينة أخرى في فلسطين...

البعض انتقل من زمن الهزائم إلى زمن انتصارات حرب تموز في لبنان، ومن زمن الخنوع إلى زمن الانتفاضات وصولا إلى ملاحم جينين والمدن والبلدات في فلسطين...

اجتمع كل جماعة أوسلو اللبنانية في موزاييك أحزاب سيادة مزورة على أحزاب فساد من أعلى قمة السلطة حتى اصغر ازعر من زعران الشوارع الفلتانة والمليشيات التي تلبس كرافات السلطة والمال...

ضبابية المشهد اللبناني، يقابلها وضوح الخطوط في فلسطين...

في فلسطين، خرج محمود عباس يحاول مصادرة بطولة جينين وإعادة أسرها داخل سلطة ذليلة خانعة خاضعة عميلة في رام الله، بينما تزلزل الأرض الحبلى وتدفع بأولاد حرية الوطن والعزة والكرامة كل يوم إلى حياة جديدة وشهادة أكثر جدة...

نم يا حكيم قرير العين...

لقد تحقق الحلم...

ها هي ستالينغراد العرب تولد كل يوم في فلسطين...

أمس كانت جينين، وغدا سوف تكون كل ارض على امتداد فلسطين وكل العالم العربي...

حليم خاتون