كتب الأستاذ حليم خاتون:
من المعروف في إسبانيا أن اللغة الاسبانية لا تزال تحوي أكثر من ١٥٪ من الكلمات ذات الأصول العربية...
كذلك، هناك مناطق لا تزال تحمل الاسماء العربية كمنطقة الكورة (من كلمة القرى في العربية)، واسم غوادي لاخارا في اميركا اللاتينية من الاسم العربي وادي الحجارة...
لكن ما يهمنا اليوم هو منطقة Alicante المركبة من كلمتين، Ali و cante المرادفة في الفرنسية إلى Ali ، chante أي علي يغني...
تقول الأسطورة الشعبية إن اسم المنطقة يعود إلى مؤذن اسمه علي كان يملك صوتا جميلاً جداً وكان الناس ينتظرون صوت الأذان منه حتى عرفت المنطقة باسمه... علي يغني، Alicante...
في موسكو، أيام الدراسة الجامعية، كنت ما أن استيقظ حتى أضع سورة من سور القرآن الكريم حيث كانت هذه هي العادة في بيت أبي في الغربة الذي يستيقظ فجرا للصلاة، يستمع إلى القرآن، ثم الى رفع صوت الأذان من صوت فلسطين من القاهرة، أو صوت العرب من القاهرة، أو حتى ال BBC، قبل أن يذهب ليوم عمل جديد...
حتى في المدرسة الداخلية في صيدا، كان القرآن وصوت الاذان يعنيان لي بدء يوم جديد بحب وأمل...
في المدرسة الانجيلية، لم اكن بعيدا عن المية ومية حيث كان جرس الكنيسة يطربني كل يوم احد، وحيث لم أكن أفوت محاضرة واحدة في ال Chapelle, استمع خلالها إلى عظة اب او راهبة أو حتى ضيف يأتي ليتحدث في الأخلاق...
هكذا كانت مدارس لبنان قبل الحرب... أذان وجرس كنيسة ومحبة وأخلاق وعيش مشترك وتعايش فعلي...
فوجئت حين وصلتني مقالة تحت اسم الاستاذ عبد الغني طليس يتحدث فيها عن حبه للحسين، ويزعم أن الحسين أسر له بالانزعاج من "ضجيج عاشوراء"...
شخصياً، كنت لاقف مع الاستاذ عبد الغني بقوة لو هو طالب بتنظيم الذكرى، وجعلها مناسبة للمحبة والعطاء والدعوة إلى الجهاد، بدل الاحتجاج لأن عاشوراء صارت عشرة أيام بعد أن كان استشهاد آل بيت النبي في يوم واحد فقط...
طبعا من الواجب رفض الفوضى التي تصاحب هذه الذكرى، كما يتوجب رفض استغلال بعضهم لهذا الشهر من أجل اخفاء عورات الكثيرين من البشر تماما كما افهم رفض تسمية صيدلية باسم أحد الأئمة ثم احتكار الدواء أو تسمية سوبر ماركت باسم إمام آخر ثم احتكار غذاء الناس، ولبس الناس...
لكن الذي يتوجب إدانتهم ليس هم المؤمنين، بل اولئك الذين يستغلون الذكرى ليغطوا موّلد كهرباء يسحق الفقراء، أو مطعم لا يخجل من رفع ثمن صحن الفول إلى أكثر من أربعة دولارات مترافقة مع اناشيد كربلائية للتغطية...
شخصيا لم أكن في العراق قبلا، لكن ما شاهدته على ال You tube يكفي لكي يرى المرء مدى العظمة التي ترافق ذكرى عاشوراء في كربلاء، ومدى حب العراقيين لأهل البيت إلى درجة خدمة الزوار مجاناً وتقديم المأكل والمشرب مجاناً دون أية غاية...
لو انتقد الاستاذ عبد الغني تجار لبنان لوجب الوقوف معه والصراخ ضد هؤلاء الانتهازيين الذين لا يفوتون فرصة بما في ذلك استشهاد أهل بيت النبوة حتى يلبسوا ثوب الملائكة لتغطية أعمالهم الشيطانية...
نعم يجب تنظيم الذكرى واحترام الآخرين، كل الآخرين...
لكن من يسمي ما يحصل ضجيجا قد يصل يوما للمطالبة بمنع رفع الاذان أو قرع اجراس الكنائس في بلاد الشرق التي يرتبط روحها بالدين...
هناك فوضى...
نعم...
هناك حهل وجهالة...
نعم...
هناك انتهازيون مارقون...
نعم...
هناك طقوس...
هذه وجهة نظر يجب البحث فيها لأن الطقوس في الأديان ليست دوما سيئة... يكفي أن بعض هذه الطقوس يرعب العدو ويزعج جماعة العنصرية والانعزالية في لبنان...
السوء يقع فقط في التعصب...
ترفض داعش رفع الصليب على الكنائس، وكان عمر قد رفض الصلاة في كنيسة القيامة حتى لا يأتي مدع يصادر هذه الكنيسة يوما كما فعل محمد الفاتح في كنيسة ايا صوفيا... وكما فعل ملوك اسبانيا بمساجد المدن الإسلامية التي تنتشر في كل البلاد الإسبانية، حيث تمت مصادرة هذه المساجد وتحويلها إلى كنائس لا يفخر بها السيد المسيح، كما لا يفخر النبي بآيا صوفيا...
اعيش هنا في المانيا حيث لا تدق اجراس الكنائس فقط يوم الأحد...
هي تدق في كثير من المناسبات لكي يعرف الناس هذه المناسبات... هذا جزء من الحفاظ على التراث...
قد يزعج هذا الأمر أحد إرهابيي سوريا الذين تدفقوا إلى هذا البلد بعد الفظائع التي ارتكبها في ذلك البلد الآمن...
أما أنا، فصوت جرس الكنيسة يطربني، كما افرح لفرح جيراني واحزن لاحزانهم...
هكذا تكون الإنسانية...
أما من يريد العزلة عن الناس وعن مناسباتهم فما عليه سوى الرحيل عنهم...
لا أذان الشياح سوف يسكت يوما، ولا الأدعية والمناسبات...
ولا كنائس عين الرمانة سوف تسكت لأن أحدهم لا يعجبه الأمر...
جمال لبنان هو في هذه المناسبات التي يجب أن تسترجع رسالتها الحقيقية بعيدا عن الانتهازيين، وتجار الدين...
المسيحي العراقي يحج إلى كربلاء، والمسلم العراقي أعاد بناء الكنائس التي هدمتها داعش...
هذه هي الرسالة...
هذا ما يجب أن تكون عليه الأمور...
المطلوب أن تدق اجراس كنائس فلسطين ويرتفع الاذان والدعاء لدعوة الناس إلى الجهاد لتحرير الأرض وصون العرض...
أليس هذا ما يفعله الفلسطينيون في كل مرة يقتحم المستوطنون ارضا او حيا...
اليس هكذا يتم منع اقتلاع شجر الزيتون في ارض المسجد الأقصى وكنيسة القيامة؟
أليس لاستشهاد الحسين رسالة بقيت حية ويجب أن لا تموت وأن يبقى صوت الحق عالياً...
إذا ارتكب أحدهم خطأ فلا يعني ذلك أن يخفت صوت الحسين...
لكن الأكيد الأكيد أن استشهاد الحسين يجب أن تعلوا اصوات رسالته إلى سابع سما، ويصل إلى سابع أرض...
لأن هذا الصوت هو من جعل الناس ترفع شعار انتصار الدم على السيف...
لأن هذا الصوت هو من اوصل كلمات الحسين أن هيهات منا الذلة...
لقد انتصرنا بفضل صوت الحسين الذي لا يمكن أن يطلب منا السكون لأن أحد ما لا يعجبه قيام الذكرى...
هذه الذكرى ليست لجماعة ما، تقام في بيت ما...
هذه ذكرى أرادها الله، ومن أجلها قبل الحسين الشهادة، فليس أقل من جعلها أبواق دعوة للجهاد حتى يعود هذا الجهاد ركنا من اهم أركان الدين لاقتلاع احتلال هو من اسوأ ما مر على هذه الأمة مذ كانت الدعوة، ومذ كانت الشهادة...
حليم خاتون