كتب الأستاذ حليم خاتون: هكذا يلعبون بنا في لبنان، بيان سفارة!
مقالات
كتب الأستاذ حليم خاتون: هكذا يلعبون بنا في لبنان، بيان سفارة!
9 آب 2023 , 20:20 م

كتب الأستاذ حليم خاتون:

٩-٨-٢٣

"عندما تنحني، يستطيع الآخرون القفز من فوقك"..

نلسون مانديلا...

لا يركب الآخرون على ظهر لبنان، إلا حين تنحني الطبقة الحاكمة التي تشمل كل الأحزاب، سواءً تلك التي في السلطة، أو تلك التي تدعي السيادة وهي داخل قفص أميركي سعودي إسرائيلي مُحكم الإغلاق...

وحدها ربما النائب حليمة قعقور لم تنحنِ، حتى الآن على الأقل...

كان هناك بعض من أمل مع ابراهيم منيمنة، لكن...

تكفي مقارنة بسيطة بين ما قالته النائب قعقور مع الاعلامي شمس الدين على الجديد في خصوص بيان سفارة مملكة بني سعود وقصة العقوبات، وبين كل تصاريح السياسيين والصحف والشاشات التي عبر عنها وزير الداخلية القاضي المولوي...

(هوّر يا بو الهوارة، يا دين ابوها الهوارة...

ناس بتزحف بين الناس،

وناس بتزحف لوَرا...

بلبنان، هيدي كلها... شطارة...)

لعب الاسرائيليون بلبنان منذ الإستقلال وإلى أمد غير بعيد...

لم يحتج الاميركيون إلى اللعب كثيرا في لبنان...

البلد بأكمله كان ساحتهم الأساسية في المنطقة، ولا يزال...

هو مركز مخابراتهم لمراقبة كل البلاد العربية قبل الإيعاز للعصا الاسرائيلية كي تضرب هنا او هناك، حسب الحاجة، وحسب الطلب...

هو أيضاً، أحد مراكز سيطرتهم المالية على العالم...

مقابل هذه الخدمات، سُمِحَ للبنان أن يعيش بعض البحبوحة مع تذكيره بين الحين والآخر، أن يد اسرائيل هي العليا في المنطقة...

باختصار، كان لبنان "ملطشة للي يسوى، واللي ما يسواش" في الشرق الأوسط...

تدمير مطار بيروت سنة ٦٨ مع كامل اسطول الميدل ايست حتى قبل أن تأتي المقاومة الفلسطينية إلى لبنان، وقبل اتفاق القاهرة، وقبل ايلول الأسود في الأردن، وقبل أكثر من عقد على نجاح الثورة الإسلامية في إيران، وقبل حوالي عقدين من بداية صعود المقاومة اللبنانية التي شاء القدر أن تكون إسلامية بحكم التاريخ والجغرافيا ( كان الشيعة تقريبا على الثغور طيلة أيام الخلافة العربية، وكان عليهم دائما الذود عن الأمة ضد بيزنطة في الماضي، وضد اميركا اليوم)...

كل هذا، إضافة إلى دخول الكوماندوس الإسرائيلي إلى أي منطقة في لبنان حين يقرر الموساد ذلك؛

كل ذلك...، لم يكن سوى عنوان المرحلة التي كانت تغطيها تلك البحبوحة الكاذبة في خمسينيات وستينيات القرن الماضي...

أقصى ما فعلته السلطة الحاكمة في لبنان تجاه استباحة اسرائيل للجنوب والبقاع بشكل شبه يومي، هو تصريح "عظيم!" للرئيس اللبناني آنذاك، شارل الحلو،

"إن أي اعتداء على الجنوب، هو اعتداء على لبنان"...

كأن الجنوب هو محافظة في هونولولو، وليس قطعة من بلاد الارز، لأنه ينتج فقط زيتونا وتينا وتبغا وموزا وبرتقال، وليس فيه شجرة "الارز الخالدة"...

عقيدة السلطة، وعقيدة الجيش في لبنان، كانت تُغتزل بشعار شهير هو "قوة لبنان، في ضعفه"...

شعار سخيف يغتزل كل معانى الانبطاح أمام الجميع... وهو انبطاح لا يزال جار إلى اليوم رغم كل الكذب والدجل حول السيادة...

شعار "قوة لبنان في ضعفه"، لا يزال اليمين اللبناني يحن إليه علنا، ودون خجل...

كما لا يزال يتبناه بالمضمون ما تبقى من اليسار، بما في ذلك حتى قوى كثيرة تحسب على فريق الممانعة، دون أن يرف لكل هؤلاء جفن حين الحديث عن الإمكانيات والخضوع لحسابات الربح والخسارة في الصراع الوجودي مع الصهيونية العالمية...

كأن القصة هي في الماديات، وليس في الكرامة والعزة والشرف وغيرها من العناوين "الخشبية!" التي لا يعرف طعمها كل هؤلاء...

لا يزال قسم كبير من القوى في لبنان يحسب حرب تموز ٢٠٠٦ على موازين "كم حصل من تدمير وخسائر"، وليس على أساس ما كسبه لبنان نتيجة هذه الحرب التي تم اهداء الانتصار فيها بكل أسف، إلى الجميع دون استثناء...

إلى الشرفاء الذين قاتلوا، ولكن أيضاً إلى عملاء سفارة عوكر، وصيصان كونداليزا، على حد وصف الوزير وئام وهاب...

لقد تم تدمير فيتنام الشمالية بشكل شبه كامل من قبل الأميركيين في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، ولم تقع بناية واحدة في أميركا... لكن الذي انتصر في النهاية، هو شعب فيتنام الذي اعاد توحيد بلده تحت قيادة الرئيس المقاوم "هوشي منه"...

من استمع الى تعليقات السياسيين اللبنانيين في "السلطة والمعارضة" في التعليق على بيانات السفارات (بلا قياس وتشبيه)، يستطيع أن يرى إلى أي مدى يصل الذل وقلة الكرامة وقلة الشرف عند هؤلاء جميعاً، ومعهم نسبة كبيرة من الشعب اللبناني الذي اعتاد الذل مقابل البحبوحة وراح يطالب بها...

في ستينيات القرن الماضي، وحين كان جمال عبد الناصر يقود سياسة التحرر الوطني في كل العالم الثالث، وفي الوطن العربي الكبير، لم تتجرأ مملكة بني سعود إلا على لبنان...

يومها خرجت أبواق هذه المملكة من صحف وغيرها تهدد لبنان بطرد اللبنانيين من المملكة لأن شعب لبنان كان يقف في صف عبد الناصر ضد الهيمنة الأمريكية الصهيونية على المنطقة...

هذا هو تاريخنا مع بني سعود من أيام عبد العزيز إلى محمد بن سلمان...

إبن سلمان، الملك غير المتوج لمملكة تريد أن تحكم كل العرب، قبل أن تتحرر هي نفسها من سطوة واشنطن التي قد تعطي إبن سلمان شيئا بيد، لكنها تأخذ منه اشياء لا تعد ولا تحصى باليد الاخرى...

إبن سلمان ليس طفلاً، هو يختار... وسوف يتحمل وزر خياراته...

لقد فتحت له الصين ابواب المجد... لكن يزيد العصر الحديث لم يتعظ من يزيد الأول...

ما يجري اليوم من صفقة ابراهيمية، طبعة جديدة، بين اسرائيل ومحمد بن سلمان بوصاية بايدن، هو ما نرى نتائجه في لبنان وسوريا اليوم، وسوف نراه في العراق واليمن غداً... قبل إيران...

لقد باع الكثير من زعماء العرب فلسطين منذ ما قبل النكبة وحتى اليوم...

انتهى الجميع، وبقيت فلسطين...

فلسطين هي القضية...

فلسطين هي القضاء والقدر...

على إبن سلمان أن يدرك أنه ليس اكبر من غيره...

لا يغرنه وصف وليد عبود له بعبد الناصر...

ولا يغرنه مغالاة جوني منير بأن محمد بن سلمان اكبر من عبد الناصر...

معيار العظمة يبقى في فلسطين، كل فلسطين... من البحر الى النهر...

بعد فلسطين، يأتي العالم العربي...

الذي يخون فلسطين، لا يمكن أن يبني أمة عربية سوف تعود واحدة لأنها تحمل رسالة خالدة، شاء من شاء، وأبى من أبى...

وليذهب إلى الجحيم ايلي خوري وكل الأنذال ممن لا يرى في اسرائيل شرا مطلقاً...

الذي يريد أن يكون كبيرا، أمامه فلسطين... هنا كل القضية وهنا كل المعيار...

لا تحدثونا عن طهران، ولا أنقرة، ولا أديس أبابا...

مع كل هؤلاء، ومع غيرهم، قد نختلف على بضعة كيلومترات مربعة من الأرض أو بضعة ليترات من المياه، لكن هؤلاء حضارات كانت معنا وفي جوارنا منذ فجر التاريخ، وسوف تبقى معنا كذلك إلى يوم الدين...

لكن في فلسطين، نختلف على أساس وجودنا كأمة...

نحن واسرائيل وجود ينفي أحدنا الآخر...

أسطورة سارة الحاقدة بحق جدنا اسماعيل يجب أن تنتهي وسوف تنتهي...

المشكلة ليست في بيان السفارة الذي شاء فقط أن يعيد خلط الأوراق بعد أن ذهب جبران باسيل إلى حوار مع حزب الله وتبين أن المرشح سليمان فرنجية بات على باب قصر بعبدا...

المشكلة هي في الخيارات الاستراتيجية...

ويل لمن يخطئ الخيار من غضب التاريخ والجغرافيا...

نحن مزروعون في هذه الأرض منذ أن تركنا ابراهيم في الصحراء وجعل الله لنا بئرا لنتكاثر ونخالط كل الشعوب والحضارات ونصبح تلك الأمة العربية التي تحمل رسالة الخلود...

أما بقية الطيف الخليجي والبيانات البلهاء... هؤلاء ليسوا أكثر من كورس غناء يردد كما الببغاء ما تقوله الرياض...

(قال البحرين قال!)، هناك كذبة اسمها البحرين، هي ليست أكثر من قاعدة أميركية صهيونية متقدمة بيد طاغوت سوف يسقط كما سقط سيده الشاه قبله...

من لم يفهم بيان السفارة السعودية كما هو فعلاً، هو واهم...

السعودية تلعب بنا، والكثير من اللبنانيين يلعبون وفق نظام اللعب ذاك...

(وهوّر يا بو الهوارة... كل القصة حقارة...)

حليم خاتون

المصدر: موقع لإضاءات الإخباري