الخاتمة
بيروت؛ ٢٥-٨-٢٠٢٣
ميخائيل عوض
يؤخذ على مصر في حقبة الجيش والسيسي ؛
انها لم تسقط كامب ديفيد، ومازالت تتعامل مع اسرائيل وانشأت مصالح مشتركة في الغاز وتسييله وتصديره، وتحاصر غزة، بذريعة انها اخوانية وبان حماس سلمت القضية لقطر وتركيا ورفضت دورا مصريا خاصة في جولة ٢٠١٤ عندما رفض مشعل الحضور الى القاهرة لإدارة المفاوضات واعلن تفويض قطر وتركيا، وبان مصر لم تتصالح مع سورية وتؤمنها وتمولها بالسلع والحاجات، ولم تجرؤ وتبادر الى كسرا قانون قيصر والعقوبات، وبانها لم تبادر للانفتاح على ايران ومحور المقاومة ولم تنتقل لتكون فيه وبأمرته، وبانها مازالت باردة في ليبيا وتونس والسودان وافريقيا، ومرتبكة بين الشرق والغرب، والاهم انها لم تستعيد لغة الضباط الاحرار وناصر في اعلان وعصرنة المشروع القومي العربي".
كما يسجل على السلطة تهميش وتفكيك منظمات المجتمع المدني وتطبيق الدستور والقوانين بحقها ومنع السفراء والمبعوثين من استباحة مصر. وبان الدولة والجيش اشترى الاعلام وانشأ فضائياته وحاصر فضائيات ممولة من الخارج ومملوكة للمتمولين والاولغارشيا والهبيشة، وبان الدولة والامن يقيدون الانشطة السياسية والتفلت الذي عاشته مصر وتعيشه البلدان الاخرى، وبانها قيدت الاولغارشيا والمتمولين الذين نهبوا القطاع العام وقد ساومتهم عبر القضاء والزمتهم بدفع ما يترتب عليهم من ضرائب وتقديمات، كما يؤخذ عليها تغول مؤسسات الجيش الانتاجية والاجتماعية والاقتصادية، والخدمية، وتتوفر كل شروط منافستها للقطاع الخاص وفي جميع قطاعات الاقتصاد.
هذه المأخذ واقعية ومعاشها ولمصر تقدير اخر وكما سلف يزعم منظري التجربة؛ انها في حقبة التمكن والاستعداد لاستعادة مكانتها ودورها بهدوء كي لا يصيب تجربتها الجارية ما اصاب الناصرية وتجربة محمد علي وبما يخص الاجراءات الاعلامية والحريات السياسية وتقييد منظمات المجتمع المدني الممولة من الاجهزة الغربية، وبتعظيم دور الجيش الاقتصادي ايضا يبرره منظري الحقبة بانها إجراءات لابد مها لتامين الاستقرار والسلامة وتطوير القطاعات الانتاجية ولجم الليبرالية التي نهبت وفتكت بمصر، واجهض منظمات المجتمع المدني الممولة من الخارج والتي تنفذ اجندات الممولين مهمة لصيانة السلم والاستقرار وقطع اذرععة اجهزة الاستخبارات التي تترصد مصر بالسوء، وكل ذلك لتامين مصر بحاجتها وبالاعتماد على الذات.
وفي الواقع تعيش مصر ازمات اقتصادية واختناقات تموينية وكهربية، وانهيار سعر الجنيه وتعويمه، وفقدان للعملات الصعبة وتراجع الاحتياطات مع تضخم الديون وخدماتها، ما يضطرها لاستجداء صندوق النقد وقبول إملاءاته وشروطه.
الا ان المعطيات المادية وطبيعة الحقبة الانتقالية التي تعيشها مصر ومكانة الجيش فيها، والجاري من تحولات هيكلية في توازن القوى الاقليمي والدولي وفي الصراع العربي الصهيوني والاشتباك الاطلسي مع اوراسيا وتحولات افريقيا والخليج، وفي ظل ازمة عالمية وتوترات وارتفاع الاسعار واسعار النقل والغذاء، والازمة العالمية الجارية، ما يزيد من ضغط وحدة الازمات، الامر الذي دفع بالباحثين والكتاب الى الربط بين الازمة التركية والمصرية وتوقع نفس المسارات والخيارات.
في المعطيات يفترق النموذج التركية حديا عن المصري وتختلف ظروف وبيئات وبنى وسياسات وقدرات البلدين والنظامين.
فبينما تركيا تعيش شيخوخة نظامها وربما جغرافيتها وقد انتجت ظاهرة الاسلام السياسي والتورط بالحروب واستعجلت اوهام العثمنة واستنزفت الاردوغانيه حرفة الرقص على الحبال واللعب على التناقضات وقد ضاقت مساحات اللعب، وباعت اصول الدولة والقطاع العام، وتحولت بتركيا من القطاعات الانتاجية الى الاستهلاكية الممولة بالديون ومن كتلة المال الساخن، تبدو التجربة المصرية مع الجيش والسيسي مختلفة جوهريا وكأنها الضد النوعي، فمصر تنهي عصر اللبرلة وتمويل الاستهلاك بالديون، وتعيد صياغة قطاعاتها تركيزا على الإنتاجي على حساب الخدمي والاستهلاكي، وترفض التورط في النزعات وزرع القواعد خارجها، ولا تستعجل التورط في الازمات ولا تلعب على الحبال وتستثمر بهدوء في الصراعات الاقليمية والدولية وتتجه شرقا بهدوء ورسوخ وتأسيس ثابت، وتتعامل مع الدائنين وصندوق النقد بحكمة ورزانه تأخذ لتحل مشكلتها الضاغطة وتعد ولا تلتزم بالشروط ولا تنفذها.
وبينما تركيا لا تملك قدرة المناورة السياسية وابتزاز الغرب والخليج لتأمينها تبدو بيد مصر عناصر قوة هائلة الاهمية قادرة على تأمينها من الانهيارات وغدرات الزمان، وعندما تقرر او تضغط حاجاتها، فمجرد تلويح مصر بالخروج عن كامب ديفيد ستنهمر عليها الهبات والاعطيات وتلزم الدول التي مازالت تدور بالفلك الامريكي الإسرائيلي بتأمينها، ولمصر قدرة بمجرد ان تلوح بكسر قيصر وتطوير وتظهير العلاقات المتينة مع سورية حتى تجد العروض الامريكية الاطلسية سخية وكذا الامر عندما تقرر وتعلن جهارا الانتقال نهائيا الى الشرق ودخول البريكس وشنغهاي وادارة الظهر لأمريكا والاطلسي والعالم اانكلو ساكسوني.
وعلى نقيض تركيا وتجربتها الاردوغانية التي استنفذت مشروعياتها ودورها وغامرت بمكانة تركيا وامكاناتها ومكانتها الجيو سياسية، تبدو مصر قد جددت شبابها وتعمل على تطوير مشروعها وتغير اشرعتها وتتأهب لدور متعاظم فقد اختبرت مع كامب ديفيد الاوهام والرهان على امريكا والاطلسي والتبعية لإسرائيل والانخراط بمشاريعها، واكتشفتها بالتجربة وبأم عين نتائجها الكارثية. وقررت عن سبق تصور وتصميم وبعد ان اسقطت الاخوانية وتوافقاتها مع امريكا واسرائيل ونهبتها وافقرتها الليبرالية وصحرتها وتهددها ازمة المياه والغذاء. نجحت بإنتاج نخبتها من رحم ازماتها ومعاناتها وكوارث تبعيتها وقررت تغيير اشرعتها بدوافع تجربتها العملية.
التجربة الروسية مع بوتين والمؤسسة العسكرية ونخبتها المنتفضة على الليبرالية والاولغارشية هي الاقرب للنموذج المصري ومستقبل مصر وليس من فراغ ان ترشيح السيسي لرئاسة الجمهورية كان من منزل بوتين الشتوي، وكذا ربطة العنق المصنوعة من ذات القماش واللون والمصنع التي ارتداها الرجلان في القمة الافريقية الروسية في موسكو والتي توجها السيسي برفض زيارة تركيا التي كان اعلن عنها واستعجلها اردوغان. ومن بين المؤشرات ذات الدلالة الحاسمة ان روسيا قررت استبدال تركيا كمركز لتسويق القمح والنفط والمنتجات الروسية بمصر.
ومن اللافت اعتبار البعض ان ما تعانيه مصر هي عوارض ونتيجة للتغيرات الجوهرية الجارية فيها، بينما تضرب تركيا ازمات بنيوية وتصيب نظام استنفذ مشروعياته وكيان استنفذ وظائفه وجغرافيا سياسية وجيوبولتيك تم العبث بها من قبل العدالة والتنمية وتوهم اردوغان واستعجل استعادة عثمانية بائدة فادخل تركيا في حالة صراع حاد مع الجميع فلا روسيا والصين وايران والعرب يأتمنونها ولا الاطلسي والاوروبي والامريكي يطمئنون لها،١ على عكس مصر الراسخة والثابتة والتي تعيد صياغة نفسها ودورها بهدوء وبلا نزاعات وحروب واوهام....
وثروات ليبيا الهائلة التي يسعى اليها اردوغان، لا تبعد عن مصر سوى خطوة والسودان اقرب وذو اهمية فحيث حاولت تركيا لترميم ازماتها وتمويل مشاريعها الوهمية وتنسحب تستطيع مصر التقدم لإملاء الفراغ دون منافسين بسلاسة وبهدوء وبلا خسائر واكلاف...
انتهى