الكيكة الإفريقية وبركان النيجر
مقالات
الكيكة الإفريقية وبركان النيجر
مها علي
4 أيلول 2023 , 12:50 م


الكاتبة: مهاعلي

لطالما أكد رؤساء فرنسيون ومن بينهم جاك شيراك أن فرنسا ستنزلق إلى مرتبة دول العالم الثالث بدون إفريقيا, فضعف قدراتها اليوم بما فيها فشلها في مالي، ليس سببهُ الترهل السياسي لمكانتها في العالم فحسب، بل يعود أيضاً لظهور منافسين جدد في القارة، منافساً اقتصادياً صينياً،و منافساً عسكرياً روسياً، وكلا المنافسين شكلا نقطة التقاء عند الترهل الفرنسي وبدأت الأصوات تعلو في العاصمة نيامي للخروج من العباءةِ الفرنسية، وباتت إفريقيا كطنجرة ضغط بخاري قابلة للانفجار في أي لحظة.

الآن فرنسا بدأت بالانحدار والسقوط, وبعد عقود من سيطرتها على غالبية الموارد الطبيعية للقارة الإفريقية, النيجر تعلن حالة الطوارئ لمواجهة فرنسا وطرد السفير الفرنسي وإغلاق السفارة رداً على قول رئيس فرنسا ايمانويل ماكرون بأنه ليس للنيجر سلطة على فرنسا,وإعلانه التدخل العسكري فيها.

هذا التدافع لكبار الكوكب على إفريقيا يُذكرنا بالتدافع الذي شهدته القارة بين عامي 1881- 1914 بسبب غناها بالموارد الطبيعية والمعادن والذهب , وهذا كان أحد أهم أسباب الحرب العالمية الأولى, التي حولت إفريقيا لخزّانٍ بشري للمصانع الأوروبية, فالجملة الشهيرة التي كتبها محمود السعدني من دولة غانا تُلخص حالة القارة الإفريقية: (عندما جاء المستعمرون كان معهم الإنجيل ومعنا الأرض وبعد وقت قصير أخذوا منا الأرض وأعطونا الإنجيل,).

تحول الأمر لكابوس بالنسبة لحكومة فرنسا التي يقودها يساري حاقد على المسلمين , فبعد صفعة مالي جاءت صفعة النيجر, والخوف الفرنسي لايتوقف فقط عن فقدان الثروات الطبيعية في النيجر التي كانت تنهبا لعقود, بل لهدف آخر وهو الخوف مما هو قادم, ففي اقل من سنتين تمردت مالي وبوركينا فاسو والآن النيجر وقريباً باقي دول النمورالسمراء عندما يتذوقون طعم ثمار أرضهم ويرون لمعان المعادن التي سرقت منهم سيعلمون أن حياة الذل أمر من الموت وأن طلب الموت ضد المحتل أجمل من الحياة.

أعلنت فرنسا عن التدخل العسكري في النيجر وطبعاً المبرر هو الديمقراطية ذلك المصطلح الذي لاوجود له في الواقع, فقامت باستدعاء عملائها الأفارقة الذين ينصّبون أنفسم على الدول ولكن الجزائر أعلنت عن موقفها المشرف ورفضت السماح لأي طيران فرنسي بالمرور في سمائها مهددة أن أي طيران يعبر أجوائها سيكون طيراناً معادياً, وهذا اعتبرته فرنسا بمثابة ناقوس الخطر, وهذا ليس الموقف الوحيد المشرف للجزائر فهي رفضت مراراً التطبيع مع الكيان الصهيوني.

صراع القرن الواحد والعشرين على القارة السمراء يمضي على قدم وساق, وروسيا هي المورد الأول للسلاح لها, ووفقاً لمعطيات نشرها معهد استوكهولم لبحوث السلام, استوردت أفريقيا مابين 2015 و2019 نحو نصف تجهيزاتها العسكرية من روسيا, واستطاعت الصين الحصول على امتيازات تمكنها من السيطرة على الموانئ والمطارات والسكك الحديدية, في دول أفريقيا المنتجة للنفط مثل السودان ونيجيريا وأنغولا , بسبب عروضها المنخفضة الفائدة للمشاريع مقابل الموارد الطبيعية, وفي دول أخرى مثل زامبيا ونميبيا وجنوب أفريقيا والنيجر استطاعت الصين الحصول على صفقات تعدين في استخراج الذهب والألماس واليورانيوم والبلاديوم مما أسهم في جعل بكين صاحبة أكبر اقتصاد في العالم خاصة بعد مشاريع تنموية كبيرة دخلتها شركاتها في أفريقيا مؤخراً.

أمريكا الشيطان الأكبر, لن تسمح بسقوط النيجر بسهولة فهي تخطط وتقود الحرب من بعيد وهدفها جر أوروبا وخصوصاً فرنسا للحرب بالوكالة عنها في إفريقيا ضد روسيا وتركيا التي أرسلت السلاح الجوي لحكومة النيجر قبل فترة, (لاننسى أن فرنسا أعلنت منذ سنوات تشكيل جيش أوروبي منفصل عن الناتو), وبعدها بدأت مخالب أمريكا تنغرز في الجسد الأوروبي , جاءت مسرحية كورونا ثم الحرب الروسية الأوكرانية التي قطعت شريان الحياة المتمثل بالغاز عن الأراضي الأوروبية وضرب الإقتصاد الأوروبي واحداً تلو الآخر, ويتم الآن قطع شريان الحياة لفرنسا في قلب إفريقيا , وهكذا ستكون أوروبا بالكامل بأشد الحاجة للغاز والمعادن والحبوب وغيرها من ثروات كانوا ينهبونها من إفريقيا أو يستمدونها من روسيا والعرب, وبهذا المخطط ستحقق أمريكا أمران الأهم من بينهما التخلص من العجز والديون عن طريق الخطر الروسي على أوروبا من جهة, والحاجة للغاز واليورانيوم والغذاء من جهة أخرى, وستقوم أمريكا عن طريق حلفائها الجدد في إفريقيا ودول العرب بإمداد المساعدات لأوروبا والمقابل سيكون إلغاء الديون الأمريكية للغرب أي ستتخلص أمريكا من ديونها مقابل الإمدادات والحماية وأيضاً ستعمل على إخماد التمرد الأوروبي الذي بدأ ينشط من عام 2000, والذي هدف ضمنياً للتخلص من الهيمنة الأمريكية .

في النهاية سوف ينجر العالم نحو حرب عالمية ثالثة لامفر منها, وأحداثها بدأت بالتدريج ولانتوقع الآن أن تخرج أمريكا كما خرجت من الحربين العالميتين السابقتين.

وأخيراً نقول لإخواننا في أفريقيا : احذروا وإياكم أن تنخدعوا بخطابات الأمريكان فالحق ظاهر على أرض الواقع وليس في خطابات الزعماء فالعالم يغلي منذ عام2020 ومع دخول الخط الأمريكي بات البركان على وشك الانفجار ومازلنا نحن مشغولين بكرة القدم وبإنفاق المليارات على اللاعبين بينما هناك الملايين من الجائعين يشتكون لربهم ظلم الحال وملايين المغتصبين, كم هي مضحكة كلمات الغرب عن الأمن والأمان والديمقراطيات يدخلون القرى والمدن يقتلون ويدمرون وينهبون بإسم الحريات, أما إن ثار الشعب عندهم ضد القمع قالوا عنهم مُخربين وإرهابيين, ويحكم أيها الغربيون أين تفرون من عقاب الآخرة؟؟؟ 

المصدر: موقع إضاءات الإخباري