كتب الأستاذ حليم خاتون:
هي عقدة سمير جعجع من اسم عون، ومن أي قائد للجيش يمكن أن يشكل حالة عونية جديدة...
صحيح أن سمير جعجع يقول إنه موافق على اسم جوزيف عون لرئاسة الجمهورية، وربما من هنا تنطلق "النقزة"؛ لأن كل ما يوافق عليه جعجع يجب أن يخضع للتمحيص...
لكن رغم كل شيء، هذا لا ينفي خوف جعجع من جوزيف عون...
رأى سمير جعجع بأم العين اجتماع الأميركيين مع جوزيف عون في مأدبة عشاء تجاوزت الخاص إلى العام، فأصابته رعشة برد...
سمع الشاشات تتحدث عن اجتماع الأميركيين بالرئيس بري، ورأى صورهم في بعلبك، وفي الغربية، كما وصله حديث عن غزل غير مباشر للأميركيين بالطائفة الشيعية بعد كل التنبؤات التي قادتها أجهزة القوات إلى جانب أبواق جعجع في الصحف اللبنانيه وعلى رأسها "نداء الوطن" حول عقوبات قريبة على بري، فزادت رعشة البرد عنده لتصل إلى الهذيان والهلوسة...
سمير جعجع يعرف جيدا أن الابواب الموصدة بين السعودية وحزب الله بسبب اليمن لا تلزم الرئيس بري بشيء...
تذكر وهو جالس على عرش معراب قول بري "إن جوزيف عون مش قاتلو بيو" للرئيس بري، فأحس بالسكين الدولية تبدأ بحز رقبته...
عادت إليه صور حرب الجبل يوم باعه الاسرائيليون للمقاتلين الدروز فانهارت القوات وتسببت هفواته وهفوات الكتائب بحق أهل الجبل بمجازر طالت القرى والبلدات المسيحية التي راحت ضحية سياسات الجبهة اللبنانية الرعناء...
لكن بدل التراجع خطوة إلى الوراء والتفكير مليا بتقليل الخسائر كما فعل عشية انتخاب ميشال عون، هرب إلى الأمام لا يلتفت إلى من سوف يسقط ضحية طيشه...
ربما كان من الأفضل لسمير جعجع وسامي الجميل الذهاب الى نادي ممارسة اليوغا أو ما شابهها من الرياضات الروحية...
الاثنان يتسابقان فيمن يرمي المسيحيين أولا في التهلكة؛ يساعدهم في هذا مجموعة ضخمة من الهبل في الأحزاب المسيحية، ومجموعات اضخم من الانتحاريين في الشارع المسيحي...
كنا نتمنى فعلا إسقاط النظام اللبناني وإقامة جمهورية ديمقراطية علمانية يتساوى فيها جميع اللبنانيين دون أي تمييز بدل التلهي كما بعض أبواق التغيير بمسألة المثلية وكأن هذه هي مشكلة المشاكل في لبنان...
لكن لبنان محكوم فعلاً وإلى مدى غير منظور، بالتوافق...
ليس حبا بالتوافق، ولكن درءا لفتنة تعيش في عقول كل المجتمعات اللبنانية وتسيطر على رؤوس كل الأحزاب في لبنان...
لأن إسقاط النظام في لبنان ممنوع إلى أجل، نرى لزاما علينا تخطي الكثير من الأسماء التغييرية فعلاً، والقبول ببعض الاسماء المتداولة من فئة وجه الصحارة في هذا النظام...
سليمان فرنجية، جوزيف عون، مروان شربل، إميل رحمه... الخ...
كل هذه الأسماء قد لا تعجب سمير جعجع لسبب بسيط هو أن كل هؤلاء يفكرون ألف مرة قبل الصدام مع المقاومة، بينما يريد جعجع أمثال مي شدياق أو شارل جبور أو ايلي محفوظ أو من شابههم من أغبياء الشارع المسيحي...
يريد جعجع انتحاريين مثله، ينحرون المسيحيين، ينحرون اللبنانيين، ينحرون الوطن لأن المهم عنده نحر حزب الله بأي ثمن..
حتى لو فنى الكون كله بما في ذلك كل الوجود المسيحي في الشرق...
المهم العداء لكل فكر المقاومة ولكل رفض لوجود إسرائيل إلى درجة بات واجبا إجراء فحص DNA لهذا الرجل، لعله أحد أبناء بيغين أو شامير بالصدفة...
رغم أن كل الاعتبارات تقول إن أفضل من يمثل وجه الصحارة في هذا النظام هو الوزير السابق سليمان فرنجية...
على الأقل، هو رجل لا يكذب، جريء، ويستطيع قول كلمة لا...
لكن جوزيف عون قد لا يكون بالضرورة من طينة ميشال سليمان...
الرجل لا يكذب أيضاً، وقد مر بتجارب اثبت خلالها أنه لا يمكن أن يضحي بلبنان إكراماً لعيون الأميركيين او السعوديين...
هو قطعا لا يشبه اميل لحود...
وقد أثبتت التجارب أنه غير ملتزم بأهمية المقاومة، وإن احترامه لشعار جيش شعب مقاومة، ناجم أساساً عن قلة حيلة تفرضها قوة هذه المقاومة...
هل يقبل حزب الله بجوزيف عون؟
سؤال يفترض مجموعة ضخمة من الضوابط تمنع عون الثاني من جنون وقع فيه ميشال سليمان يوم صدق أنه يتمتع بحكمة أقنعت محمد رعد بما هو غير قابل للتطبيق في لبنان...
كما أن لبنان محكوم بالتوافق، لبنان محكوم أيضاً بانتصار الفلسطينيين وتفكيك كل المخيمات الفلسطينية وإرجاع الجميع إلى فلسطين التاريخية لأن مصير لبنان ومستقبله يقوم على منع وجود إسرائيل...
لبنان وفلسطين وسوريا ثلاث توائم يتميز بينهم لبنان بأنه مركز همزة الوصل في هذه المنطقة...
سليمان فرنجية يؤمن بهذا...
فهل يؤمن بهذا أيضاً جوزيف عون...؟
ظهر الرجل أنه قليل الحيلة يوم انهارت مؤسسات السلطة، وسمح للخارج باللعب داخل الجيش...
لذلك إذا أراد فعلا أن يظل في المشهد عليه القيام بما قام به اميل لحود يوم فرض على كل السلطة الوقوف خلف المقاومة حتى رغما عن الكثيرين من الكارهين لهذه المقاومة...
حتى اليوم لم يقترب جوزيف عون من هذا بعد..
.
لهذا على حزب الله التمسك أكثر من أي وقت مضى بسليمان فرنجية لسببين اثنين على الأقل:
أولا، ان هذا الرجل هو أكثر المسيحيين تمسكا بعروبة لبنان ووجوب بقائه مركز الشرق في الغرب، ومركز الغرب في الشرق...
وثانيا، لأن هذا الرجل يأتي من عائلة تعتز بأصولها المسيحية العربية وترفض أي ارتباط بالخارج قد يؤذي هذا الانتماء...
أما جوزيف عون فعليه التعلم كثيرا قبل الوصول إلى مرتبة الرئيس المقاوم إميل لحود...
حليم خاتون
