تحدثت في مقال الأسبوع الماضي عن البريكس من حيث النشأة والتطور التاريخي والأهداف، وطرحت تساؤل رئيس حول إمكانية إنهاء الأحادية القطبية عبر البريكس، وكانت الإجابة القاطعة أن بريكس منذ نشأتها وهي تضع هذا الهدف في مقدمة أولوياتها، حيث أكدت منذ البداية على أنها تسعى لتأسيس نظام عالمي جديد ثنائي القطبية، في مواجهة النظام الرأسمالي العالمي الذي تقوده مجموعة السبع الكبار بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية، وخلال العقد الماضي تمكنت بريكس إلى حد ما من كسر الهيمنة الغربية على الاقتصاد العالمي.
ونحاول اليوم الإضاءة على الدعوة لانضمام مصر إلى مجموعة البريكس اعتباراً من يناير ٢٠٢٤، فمنذ الإعلان الرسمي في الاجتماع الأخير للدول الأعضاء في ٢٤ أغسطس بجنوب أفريقيا وهناك جدل كبير في الشارع المصري، وتفاعل أكبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتراوحت ردود الفعل بين التفاؤل الشديد، وبين اليأس من تحسين أي أوضاع، خاصة وأن هناك قطاع كبير من إعلام الشر الذي يمتلك كتائب إلكترونية نشطة على السوشيال ميديا يحاول دائما بث الرعب في قلوب المصريين من كل ما هو مجهول، ومن كل ما هو قادم، في محاولة للتشكيك في قدرة النظام السياسي المصري على تجاوز الأزمات وحل المشكلات خاصة الاجتماعية والاقتصادية التي تشغل بال الغالبية العظمى من المصريين.
وبعيداَ عن الجدل العقيم، وبعيداَ عن المواقف الاستقطابية سواء المفرطة في التفاؤل، أو المفرطة في التشاؤم، وبعين الخبير والباحث والناقد الاجتماعي يمكنني الحديث بمنتهى الموضوعية عن مصر والبريكس، وفي البداية لابد من التأكيد على أن قبول الانضمام انجاز في حد ذاته لأن قبول الانضمام يعني أن مصر توافرت بها عدة شروط اقتصادية وسياسية مكنتها من قبول عضويتها ضمن ست دول فقط في حين أن عدد الدول التي تقدمت بطلبات عضوية رسمية وصلت إلى ٢٣ دولة وفق ما أعلنته جنوب أفريقيا هذا بخلاف طلبات غير رسمية أخرى بشأن إمكانية العضوية كما صرحت وزيرة الخارجية في جنوب أفريقيا ناليدي باندور.
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن ما الذي يمكن أن تقدمه عضوية البريكس لمصر؟! ويمكن الاجابة عن السؤال بعدة طرق، لكن تجدر الإشارة إلى البيان الرسمي المختصر للرئيس عبد الفتاح السيسي والذي أكد فيه على " أن مصر تتطلع للعمل على إعلاء صوت دول الجنوب إزاء مختلف القضايا والتحديات التنموية التي تواجهنا، بما يدعم حقوق ومصالح الدول النامية "، وهنا إعلان موقف مصري صريح وواضح برفض سياسات الهيمنة الغربية على الاقتصاد العالمي، والتي عرقلت كل مشاريع التنمية خلال العقود الأخيرة نظراً للشروط التي يفرضها صندوق النقد الدولي على الدول النامية الراغبة في التنمية وفقاً للروشتة التي يقدمها.
وفي محاولة البحث عن إجابة فإن عضوية البريكس تتيح لمصر دعم سبل التعاون الاقتصادي وتعميق التبادل التجاري مع الدول الأعضاء في هذا التجمع، والذي يعد أحد أهم التكتلات الاقتصادية في العالم، حيث يؤدي التنوع في الهيكل الإنتاجي والسلعي للصادرات إلى التكامل في سلاسل الإمداد والتوريد بين دول البريكس، ويساعد التعامل بالعملات الوطنية بين دول بريكس مصر في ترشيد سلة عملات الفاتورة الاستيرادية، وهو ما يخفف الضغوط على الموازنة العامة للدولة التي تتحمل أعباء ضخمة لتوفير الاحتياجات الأساسية للمواطنين خاصة القمح والوقود الذي يمكن استيرادهما بالعملة المحلية من دول المجموعة بعدما كان يتم استيرادهما بالدولار، إن انضمام مصر للمجموعة يفتح أفاقاً واعدة لتوطين التكنولوجيا المتقدمة في شتى القطاعات الاقتصادية، وزيادة معدلات الإنتاج المحلي من خلال توسيع نطاق التعاون مع الدول الأعضاء، إن انضمام مصر لعضوية بنك التنمية الجديد الخاص بمجموعة البريكس يمكن أن يوفر المزيد من الفرص التمويلية الميسرة للمشروعات التنموية ومسارات التحول الأخضر بعيداً عن تمويلات صندوق النقد الدولي المجحفة، وبذلك يمكن دعم المسار المصري في تحقيق أهداف التنمية الشاملة والمستدامة، وتسريع وتيرة التعافي الاقتصادي، وامتلاك القدرة بشكل أكبر على احتواء التداعيات الداخلية والخارجية.
هذه بعض المكاسب التي يمكن أن تحققها مصر من انضمامها لمجموعة بريكس، لكن الموضوع ليس بهذه السهولة، فلابد أن يعي المواطن البسيط الذي يتفاعل يومياً على مواقع التواصل الاجتماعي، أن عملية الانفكاك والخروج من فلك النظام الرأسمالي العالمي الفاشي المنحط ليس بهذه السهولة، فهناك ضغوط دولية كبيرة تمارس على مصر والدول النامية الراغبة في دخول بريكس، كما تمارس على دول بريكس الأساسية خاصة روسيا والصين اللذين قررا إنهاء الأحادية القطبية في العالم، وبالطبع يمتلك القطب الأوحد أدوات دولية تمكنه من الضغط لعل أهمها البنك والصندوق الدوليين اللذين أقرضا مصر وغيرها عشرات المليارات من الدولارات والتي تشكل مديونية كبيرة يطالبوننا بسدادها، وبالطبع يجب أن يعي المواطن أن العمل والإنتاج هو السبيل الوحيد لتحسين أحوال مصر الاقتصادية بعيداً عن أوهام حل المشكلات بمجرد الانضمام لتجمع اقتصادي كبير أو صغير، اللهم بلغت اللهم فاشهد.
د. محمد سيد أحمد