كتب الأستاذ حليم خاتون:
كأنها من برامج تلفزيون الواقع (Reality Show )...
من لم يشاهد تلك البرامج التي انتشرت في التسعينيات من القرن الماضي، وأوائل هذا القرن؟
شاب يأتي من أمستردام، أو آخر من لندن...
شابة من بروكسيل أو باريس او أي بقعة في أوروبا أو أميركا أو أستراليا...
كان البرنامج يحاول مرافقة هؤلاء الذين اكتشفوا أن لهم جذورا لبنانية، وعادوا للتعرف على الأهل البيولوجيين...
قصص عن اولاد باعتهم دور أيتام، أو ممرضة، أو حتى أهلهم اثناء الحرب الأهلية التي اندلعت في لبنان في ١٣ نيسان ١٩٧٥...
"تنذكر وما تنعاد"، يقول من بقي في لبنان من عبيد الطوائف...
لكن الأكثرية من اللبنانيين تعيد التأسيس لهذه الحرب كل يوم...
ظل البطرك صفير يتحدث عن تغيير ما في النفوس قبل النصوص حتى طار الوطن، لأن "نيافته!!!" خائف من ابتلاع الطائفة...
طار الوطن وطارت معه كل الطوائف...
لم تكن تلك القصص من الخيال العلمي، ولا كانت قصصا تراجيدية من السينما المصرية أو الهندية...
كانوا أناساً من لحم ودم تخلى عنهم الأب أو الأم أو الاثنين معاً؛ احيانا بثمن بخس، واحيانا بدون حتى ثمن تحت ذريعة تأمين مستقبل لهم في "بلاد بره"...
انتهت الحرب الأهلية مع اتفاق الطائف على ما يردد مع كثير من الهبل والغباء والسذاجة، كثير من اللبنانيين...
ربما توقف إطلاق النار، لكن النفوس صارت أكثر طائفية وعنصرية تجاه الآخر في الوطن...
كبرت المنازل الكثيرة في الوطن الواحد وصار كل منزل يريد أن يتفرد عن المنازل الأخرى؛ احيانا باسم الفيدرالية واحيانا اخرى باسم اللامركزية...
كأن علة لبنان آتية من نظام مركزي يتقاسمه أصلا زعماء الطوائف في لامركزية مذهبية قسمت البلد منذ زمن بعيد إلى حارات، ووقف على كل حارة ديك أو ديكان أو أكثر...
"قلو مين فرعنك، قلو ما لقيت حدا يردني"
هذا حال من يتحكم بعيد هذا البلد...
بعد اتفاق الطائف، ظن الكثير من اللبنانيين أن قصص بيع الأطفال أو التخلي عنهم انتهت مع انتهاء الحرب...
لن يبيع بعد اليوم أي أب أو أم ضناه ولو بمال الدنيا...
لكن حليمة عادت إلى عادتها القديمة... لكن على "ألعن"...
هذه المرة لم يكن أبا ولا أما هو من يبيع الضنى...
هذه المرة تم بيع شعب بأكمله بمئة دولار للرأس الواحد...
فجر اليوم، جلست مشدوها وأنا استمع الى الأستاذ رضوان مرتضى وهو يقص كيف باعت السلطة بكل أجهزتها كل ضابط وجندي في الجيش وقوى الأمن بمئة دولار تدفع شهريا إلى أجل، قبل أن يتم تطويب لبنان بأكمله عقاراً من عقارات الولايات المتحدة الأميركية، بكل ما فيه من انشاءات، وكل ما يدب عليه من أناس، سواء كانوا فوق الارض يتنفسون، ام تحت الأرض يرقدون في المقابر...
قرأ الأستاذ رضوان استمارة بيع العبيد الجدد إلى السيد الأميركي، فظهر كم أن السلطة في لبنان غارقة في العهر والدعارة حتى أذنيها...
اكتفت أميركا بشراء الضباط والجنود...
هذا يكفي؛ لأن بقية عائلة كل ضابط وجندي سوف تكون "حلوانة" على البيعة...
ثم، في لبنان كل شيء مباع اصلا...
القضاء، كل السلطات، وكل من كان يغني كذباً أنه يتنفس حرية...
قبل هذا، كانت فرنسا وبريطانيا و بلجيكا وألمانيا وغيرها من دول العالم الغني قد اشترت الأطباء والممرضين والمهندسين واختصاصيي الاقتصاد والمال وغيرهم من ذوي الخبرة...
حتى "الكهربجية" وعمال الصيانة من "السنكري" إلى عمال النظافة؛ كل هؤلاء تم تصديرهم إلى العالم "المتقدم"...
لن يشعر اللبنانيون باي فرق...
فقد تم ارسال ملايين اللاجئين والنازحين وغيرهم من فقراء الجوار القريب، والحوار البعيد الى لبنان لكي يقوموا باللازم...
اينما دخل اللبناني، يظن لوهلة أنه في بلد آخر...
من محطة البنزين إلى السوبرماركت إلى المستشفى إلى أي منشأة...
بقي بضعة لبنانيين ينتظرون تعبئة استمارة تأتي من الولايات المتحدة الاميركيق قبل الانضمام إلى قائمة العبيد الجدد...
سوف يتكفل ورثة سوكلين من شركات النظافة التابعة لزعماء الطوائف بالسهر على البلد...
لماذا ينظفون البلد؟
مماذا ينظفون البلد؟
لبنان لم يعد بحاجة إلى تنظيف لا بالمكنسة ولا بالشطف...
لبنان يحتاج فقط إلى رجال رجال، ونساء ونساء يقومون بنصب المشانق وتهيئة الساحات وتحويلها إلى ميادين اعدام بالرصاص والمقصلة لكل الطبقة الحاكمة وكل المعارضة وكل ابن زانية يدعي أنه لبناني منذ أكثر من عشر سنوات لكنه باع الوطن بسبعة من الفضة...
حليم خاتون