كانت ليلة السادس والعشرين من أيلول ثقيلة على علي السيد محمود الذي جافاه النوم إلّا قليلاً.
فمنذ تلك اللحظة التي أبصر فيها اليوميّة (الروزنامة) التي تحتفظ بعبارة: " ذكرى مجزرتَي صبرا وشاتيلا" وهو حزين من استعادةِ تلك المشاهدِ التي تتفتّت من هولها الأكباد.
تكوّم على أريكة، وشرعَت ذاكرتُه تستعيد تلك المشاهدَ الفظيعة، وأصواتَ المستغيثينَ الذين لم يجدوا مُغيثاً في ظلام ذلك الليل البهيم، وسُرعانَ ما لفظ عبارة: "لعنهم الله، صهاينةُ هذا العالم وعملاءهم الذين يكنّون العداء والقتل لمن لم يكن تابعاً لهم، وأخذ يردّد بما هو ثابت في أسفار اليهود:
"ولماذا أبقيتم الإناثَ كلّهن على قيدِ الحياة؟ اقتلوا كلَّ ذكَرٍ من الأطفال، وكلَّ امرأةٍ ضاجعتْ رجلاً... أحرِقوا بالنارِ جميع مدنهم".
مع الصباح ِ الباكر، قصد الثانويّةَ القريبةَ التي يُدرِّسُ فيها، متوجّهاً إلى قاعة الأساتذة مباشرةً، ولكم كانت دهشته عظيمةً عندما وجد المدير ينتظره في القاعة المخصّصة للأساتذة، ولمّا اكتمل عقد الجميع توجّه إليهم قائلاً:
- اليوم هو السادسَ عشرَ من شهر أيلول ، ذكرى مجزرة مخيم صبرا وشاتيلا، وبهذه المناسبةِ الأليمة خصّصوا الحصّةَ الأولى لشرحِ تفاصيلِ تلك المجزرة الرهيبة.
نعم لتكن الحصّةُ درساً جديداً لطلابكم المنتظرين الآن؛ وبعد ذلك ننتقل جميعاً مع الطلاب لزيارة المخيّم الضحيّة ، لتكون هذه الزيارةُ درساً جديداً في التربية الوطنيّة.
حافلاتُ الثانويةِ امتلأت. المديرُ والأساتذةُ في الأولى منها.
- أين وُجهَتُنا سعادة المدير؟ (سأل السائق)
- أتعرفُ صبرا وشاتيلا؟
- ومن لا يعرفُها يا أستاذ؟!
بدت الدهشةُ واضحةً على وجوهِ الجميع، وراحت مُخَيِّلَةُ الأُستاذ تستعيدُ مشاهدَ المجزرةِ المروِّعة، وسرعان ما حدّقَ بِالمديرِ الذي وصلته الدهشةُ تلك بما تحمل، فبادره إلى السؤال:
- أراك تسترجعُ الصورَ المُبْكِيَةَ التي عرضتها وسائلُ الإعلام، وأعادت عرضها كثيراً، في ذلك الزمن الحزين، إنّها مشاهدُ لا تُنسى فعلاً.
- ومن ينسى حُلمهُ المنكسر؟ غيرَ أنّ النكباتِ العديدةَ التي حلّت بنا وبأوطانِنا، جعلتنا نعيشُ حالاتٍ مأسَوية، لا تُعَدُّ ولا تُحصى؛ فمنذ احتلال ِ هذه العصاباتُ أرضَ فلسطين، وهي ترتكبُ المجازر .
- ما الذي تقصِدُهُ بالحُلمِ المنكسر؟ (سأل أستاذٌ شابٌ لم يتجاوزِ الثلاثينَ من عمره).
⁃ أجيبك قبل مغادرةِ المكانِ المحتضنِ أجسادَ من نتذكّرُهُمُ الساعة، رُوَيَدّك يا صديقي.
⁃ في باحةِ المقبرةِ الجماعيّة، حيث ترقدُ أجسادُ أولئك الآدميينَ الأبرياءِ المقتولين من غير ذنب، وقفَ الجميعُ واجِمين، ثم رفعوا أكفّهم إلى السماء، وشرعوا يقرأون الفاتحةَ، عن أرواح ِ الضحايا من النساء والرجال والأطفال، لبنانيينَ وفلسطينيين.
ساد تلك الوقفةَ المَهيبةَ صمتٌ، سرعانَ ما كسرَ الأستاذ علي حاجزَهُ بالسؤال:
- أعرفتم الآن من يحتضنُ هذا الثرى؟
- منك نستفيد، (قال طالب).
- ألم يحدّثكم أحد عن هاتين المجزرتين ِمن قبلُ؟
لابأسَ سأخبرُكم: سجّلوا في كراريسكم، اِفتحوا أذهانَكم جيّداً:
- في ظلام تلك الليلة ، ليلةِ السادسَ عشرَ من أيلول من العام اثنين ِ وثمانينَ وتسعمئةٍ وألف، وحتى الثامنَ عشرَ من أيلول، والمخيّمان مطوّقان، سماؤهما مُنارةٌ بالقنابلِ المضيئةِ ليلاً، مغلّفةٌ ومحاصرةٌ بالدُّخان؛ دخان ِ الحرائقِ نهاراً، ولا أحد يُمْكِنُهُ الدخولُ أوِ الخروجُ منهما، لا وسائلُ إعلام، ولا وكالاتُ أنباء، ولا أحد، وأرييل شارون، وزيرُ حربِ الكِيانِ الصهيوني الغاصب، مع رافاييل إيتان رئيسِ الأركان هما اللَّذانِ أصدرا أمرَ تنفيذِ المجزرة.
فبدأتْ مجموعةٌ من الجيش الإسرائيليِّ، مع ما يسمّى بجيش لبنان الجنوبي والمتعاملين مع العدو من اللبنانيين، بدخولِ المخيمَيْنِ المحاصرَيْن ِ تماماً، وبدأوا يرسمون بدماءِ الضحايا تلك اللوحةَ التي تفوقُ بفظاعتها أيّ لوحةٍ تعبيريّةٍ جنائزيّة في هذا العالم.
- أجل ، فشارون ورؤساؤه وجيشه ومخابراتهم، هم تلامذةُ عصاباتِ"شتيرن، و الهاغانا" التي ارتكبت المجازرَ في "ديرِ ياسينَ" وغيرِها في فلسطين، وهم من رسموا لوحاتِ الموتِ في مجزرةِ "حولا" اللبنانيّة.
هؤلاءِ الصهاينةُ أساتذةٌ مهرة، في تدريسِ الإجرام، وتدريبِ العناصرِ عليه، بدْءاً بتطبيعِ المُرْتَزِق ِمنهم ومن عملائهم على قَبولِ سفكِ الدماء، عبرَ تغطيسِ الواحدِ في مغاطِسِ الدم، فاللوحةُ الجنائزيةُ التي رسموا حدودَها حدودَ المُخَيَّمَيْن، طرّزوها بِجُثَثِ الأبرياءِالذين حاولوا الهرب، فلاقوا مصرعهم، وراحت أجسادُهم تنتفخُ على مدى ثلاثةِ أيام.
أمّا في الداخل، فأرضيّةُ اللَّوحةِ مصبوغةٌ بالدماء، دماءِ الضحايا من الأعمار كافة. أمّا شخوصُها فمُشتّتةٌ: جُثَثٌ من دون ِ رؤوس، رؤوسٌ من دون عيون، عيونٌ مفقوءة، وأمعاءٌ متناثرةٌ لم تقرَبها القِطَطُ التي أبيدت هي الأُخرى معَ الكلاب.
بُطونُ الحوامل ِ مبقورة، شيوخٌ مذبوحون، أطفالٌ محطّمةٌ رؤوسهم... ماذا أقول بعد؟
أكثرُ من ثلاثةِ آلافِ ضحيّةٍ من الفلسطينيين، ومئاتٌ من اللبنانيين مُلتحِمَةٌ بالأرض.
نعم، ثلاثةُ أيامٍ لا يُسْمَعُ فيها سوى إطلاقِ النيرانِ والصراخ، نار، نار، نار. على النساءِ والشيوخ ِوالأطفالِ، حتّى الرضّع.
والبنات اللواتي اغتُصِبْنَ على أرض المخيّمين...لم يستثنوا أحداً؛ ومع تنفُّسِ ذلكَ الصباح ِالحزين،صباحِ الثامنَ عشرَ من أيلول، اكتُشِفَتِ المجازرُ الرهيبة،
واستفاقَ العالمُ على هَوْلِها الرهيب.
- أستاذ، أنت تقول اكتشفت؟ (قال حسين)
- نعم يا حبيبي، في بلدان العالم يكتشفون كنوزاً نادرة، ذهباً، ماساً، أحجاراً كريمة، آثاراً، نفطاً، غازاً، ومعادن ثمينة نادرة. أمّا في بلادنا فلا نكتشف سوى المقابر الجماعية، رفات على رفات. نعم، اكتشفنا ما يشيب لهوله الأطفال.
كان الرضّع ملتصقين بأثداء أمّهاتهم، ملتحمين جيّداً، فالدماء المتجمّدة استحالت مادة لاصقة. وإذا كان القصدير لحام المعادن فالدماء لحام الأجساد.
أجل، رأينا الأولاد متشبّثين بثياب آبائهم وأمهاتهم، ومشاهد العجائز والشيوخ ترسم بجنائزيّتها لوحات تعبيريّة مغرقة في القهر والأسى، تحتاج إلى العديد من الرسامين المهرة، وعلماء النفس، والأدباء والنقاد والمؤرخين بغية تفسير الأوضاع التي ماتوا عليها، وحالات الخوف والهلع التي أصابتهم لدى رؤيتهم الوحوش البشرية القاتلة، وفوهات بنادقهم التي ينهمر منها الرصاص بغزارة، وهم بعد عمليات الإبادة شرعوا يرقصون رقصات بهلوانية على تلك الدماء القرمزية الغائرة في الثرى، والملتحمة بالتراب عجنة غريبة. وهذا ما قاله ناج من المجزرة، كتبت له الحياة، لأنّه اختبأ في حمام متهالك.
نعم، لقد ماتوا ميتات غريبة، فمنهم من كانت عيناه ساهمتين تحدّقان إلى السماء، والآخرون أكفّهم لا تزال مرفوعة، وأفواههم تيبّست شفاهها على صرخات استغاثات تلاطمت بجدران البيوت المتداعية التي حملت الدم النازف شلالات، تتواصل وتتعرّج راسمةً المشهد الدامي والثقوب إلى وقت طويل. نعم، لقد استغاثوا كثيراً ولا من مجيب. وكيف تستجيب عاصمة مستباحة في ظلام أمّة نائمة؟
- من فضلك، سؤال: لمَ لم يهرب سكان المخيمين قبل الحصار؟ (قال طالب)
- رسامو المجزرة شارون وأتباعه أذاعوا عبر وسائل الإعلام عن إقدام القوات الغازية على تفجير ألغام في محيط المدينة الرياضية، ومخيمي صبرا وشاتيلا. وبهذه الحيلة السافلة تسلّلوا، ونفذوا ما رسموه.
- ماذا أصاب سكان الغبيري والحارة وبرج البراجنة بعد اكتشاف المجزرة؟ ألم يتوقّعوا مصيراً أسودَ مثل مصير المخيمين؟
- بالواقع، كنت شاهداً على استنفار الشبان في تلك البلدات التي ذكرتها، رأيتهم يمتشقون الأسلحة، ويتوزّعون باندفاع كبير، عندها حمدت الله الذي منحهم هذه القوّة. ولمّا حاولت قوة صهيونية الدخول إلى الغبيري فجّرها الشبان الذين حاصروا منزل ذلك المحامي المعروف الذي استقبل ضباطاً صهاينة كانوا يفاوضون بغية تسليم الضاحية من دون قتال. وأجبروا الوفد على المغادرة. وبقيت الضاحية أبيّة، شامخة الرأس. ومنذ ذلك الحين أطلقوا عليها تسمية: الضاحية الشموس، ضاحية العز والإباءّ.
لاحظ الأستاذ علي حالات القهر والإحباط والقنوط البادي على وجوه الطلاب، والطالبات منهم بخاصة، ابتسم ابتسامة عريضة، رفع رأسه عالياً، وقال موجهاً كلامه إلى الأستاذ:
- أعرفت، الآن، ما أعنيه بالحلم المنكسر؟ ثم تابع:
-أعزائي هيّا نذهب لنرى بعيوننا لوحة حلمنا المنتصر. أليس كذلك، مديرنا العزيز؟
- نعم، نعم، نحن بأمسّ الحاجة إلى رفع منسوب الفرح في أجساد طلابنا والأساتذة، بعدما قرؤوا لوحة الانكسار.
برقت عيون وهي تحدّق إليهما غير مصدّقة ما تسمع. متمنّية الإسراع في ملامسة تلك اللوحة المشتهاة التي طرّزها راسموها بأغلى ما يملك البشر.
- هيا يا أعزائي، نعيد قراءة الفاتحة ثمّ نمضي، مشياً على الأقدام لنشاهد بعيوننا ما يؤرّخ حلمنا المنتصر، فلوحة الانتصار ليست بعيدة أبداً، بإمكانكم مشاهدتها من هنا.
- عن أي حلم منتصر تتحدث يا أستاذ، وقد أُدميت قلوبُنا هنا، من مشاهد الحلم المنكسر؟ (قالها طالب أخذت منه المشاهد كلّ مأخذ، وكانت الدموع التي همت على خدّيه ترسم خارطة القهر والإحباط).
تقدّم الأستاذ علي منه برفق، مسح دموعه، وقال:
- أتبكي الآن يا عزيزي؟ دموعك الحارة النازفة حزناً الآن، سأمسحها باردةً فرحاً بعد قليل.
أمام تلك المسلّة الشامخة وسط دوّار شارع الرئيس الحافظ الأسد، المطلّة على السلطان ابراهيم والبحر غربا، وطريق المطار الجديد جنوباً، وعلى الغبيري وحارة حريك وبرج البراجنة شرقاً، وبيروت شمالاً، وقف الجميع، واخذوا ينظرون إلى زواياها الحادة، وراسها المروّس جيّداً.
- هذه المسلّة نراها كلما عبرنا هذه المستديرة أستاذ، غير أنّنا لا نعرف رمزيّتها من قبل؟ (قالت طالبة)
- في هذا المكان المطلّ على المدينة الرياضية والمخيمين وقف الجزّارون، شارون وأذنابه. يشرفون على تلك المجموعات الثلاث المكلّفة بالقتل والإبادة، لغاية معروفة، وهي تثبيط العزائم، والتسليم، تسليم الضاحية من دون قتال، وانتقاماً من الأخوة الفلسطينيين وممن قتل قائدهم، وإقلالاً، أي إحداث نقص في الخصوبة وعدد السكان. لذلك، وبعد العمليات التي شرعت تقضّ مضاجع الصهاينة، موصلة الرسالة تلو الرسالة أنهم ليسوا في نزهة كما كانوا يتوهّمون. خرجوا إلى شوارع بيروت، وطريق المطار معلنين عبر مكبرات الصوت:
- "لا تطلقوا النار علينا، نحن منسحبون، نحن منسحبون"...
فعلاً، انسحبوا من على هذا التراب الغالي مرذولين، وتخليداً للهزائم التي حصدها قادة هذا العدو وجنوده، وبعدما أصابه من قتل وخسائر في جيشه، وبعد صراعه الدامي في بيروت وصيدا والبقاع الغربي وجبل عامل، فرّ جيشه الذي كان أقوى جيش في هذه المنطقة، حسبما يزعمون.
- إذا، هذه المسلّة العالية التي نرفع رؤوسنا لمشاهدة رأسها هي تخليد لانكسار أقوى جيش معادٍ واندحاره ذليلاً، بل هي تأريخ انكسار حلمه المرتجى في احتلال ترابنا، وقتلنا وتهجيرنا من وطننا. وفي المقابل، هي رمز انتصار حلم شعب كريم جوّاد.
- أجل، وتخليداً لأرواح الشهداء ودمائهم التي لم تذهب سدى جئنا نتعلّم درساً تطبيقيّاً في رفع الجباه، واستعادة الأرواح الأبيّة في هذا الزمن الذي رسمناه جديداً، وفي خارطة هذا الوطن الذي حفرنا على قاعدة أوّل مسلّة مرفوعة، مزروعة في ثراه، كلمات لوّناها بالأحمر القاني، لتبقى: هنا ترتفع لوحة الانتصار، انتصار شباننا والصبايا، رجالنا والنساء. هنا، على خطوط الاستشهاد والحياة، رسم عشاق الحياة العزيزة بدمائهم، بجراحهم خارطة الوطن الحرّ المستقلّ البهية، فكانوا جوّادين، كرماء، أسخياء، هم الذين طرّزوا هذه اللوحة بأجساد فتيّة احتضنها التراب بعزّ وإباء، وبأرواح خالدة لا تفنى.
- أنا مسرورة بهذه المسلّة الرامزة إلى الانتصار، وتخليد الجوّادين باذلي الأرواح والدماء، غير أن وجه الشبه بينها وبين الانتصار غير واضح بعد. (قالت طالبة مشرقة الوجه، منفرجة القسمات، البسمة تعلو شفتيها).
- أجل يا عزيزتي، فالأتراك كانوا يخوزقون الرجال المعارضين احتلالهم، ظلمهم وجورهم، الرافضين سوقهم الشبان إلى سفر برلك، أي إلى جبهات القتال التي كانوا يخوضونها على أرض اليمن بهدف احتلاله، بطريقة بشعة جدّاً، تقضي بإجلاسه على وتدٍ خشبي، أو قضيب معدني، أو عمود صغير، وإبقائه على وضعيته تلك حتى الموت نزفاً ، أعرفت طريقة تعذيب أبشع من هذه الطريقة يا عزيزتي؟
- هذه المسلّة طويلة جدّاً. تكبر ذلك الذي استخدمه الأتراك، لماذا؟ (قال طالب)
- سؤال مهم يا عزيزي. هذه المسلّة الطويلة صمّمت على قياس كيان غاصب، والمثل يقول:
"الثوب الوسخ يلزمه مخباط كبير" والمخباط قضيب يُضرب به الثوب لغسله جيداً بهدف إزالة الأوساخ عنه. نعم، وقبل أن تسألوا عن صانع هذه المسلّة أجيب:
عندما أطلقت بيروت صرختها المدوّية في عراء هذا العالم، الذي كان مصمّاً آذانه، ومغمضاً عيونه، تردّدت الاستغاثات في أذني القائد العربي الحافظ الأسد، وفي آذان شعبنا الذي استنهض طاقاته البشرية، فهبّ ملبّياً، وكانت المواجهات الصعبة، دفعنا دماءً غزيرة، بيوتاً، زرعاً، شجراً وحيوانات ،وفي المقابل، طارت سفارات، ومواقع عسكرية معادية من قوات خارجية جاءت داعمة المشروع الصهيوني الرامي إلى احتلال هذا الوطن. أجل، دُمّرت دبابات، وآليات. أمّا عن جنود الاحتلال وعملائه فحدّثوا ولا حرج. وفي العام 1998، وتخليداً للموقف الخالد الداعم لنا بالموقف والسلاح، نُصبت هذه المسلّة هنا، بحضور رؤساء هذا الوطن تكريماً لذلك القاىد الفذّ.
عندها، سأل طالب علت وجهه أمارات الفرح: ولمَ لا تُنصب مسلّات في مواقع عديدة من أرضنا التي اكتسبت حمرتها من دماء شهدائنا. لمَ؟
- سؤال مهمّ نضعه برسم المعنيّين عن تسجيل انتصارنا العزيز وتخليده.
أنهى الأستاذ عليّ إجابته، وأجال بصره على وجوه الأساتذة والطلاب فأبصر لوحة لم يرَ مثلها من قبل. كانت الرؤوس شامخةً، والوجوه مشرقةً، والعيون مشعّة دموعها ببريق أخّاذ، والخدود مورّدة، والشفاه ترسم علامة عودة الروح. وسرعان ما حدّق إلى وجه المدير الذي علته ابتسامة عريضة وقال:
- ما رأيك في هذا الدرس يا صديقي المدير؟
هزّ المدير رأسه علامة الإعجاب وقال: أعدك والجميع بزيارة هذين المكانين كلّ عام، احتفاءً بانتصار حلمنا وانكسار حلم الغاصبين.
بيروت في ١٦/٩/٢٠٢١