كتب الأستاذ سامح عسكر: ‏قراءة في الانتخابات الرئاسية المصرية
مقالات
كتب الأستاذ سامح عسكر: ‏قراءة في الانتخابات الرئاسية المصرية
سامح عسكر
5 تشرين الأول 2023 , 18:52 م


أولا: لم يحدث أن فازت المعارضة في أي انتخابات عامة رئاسية أو برلمانية أو محليات منذ عام 1952، والسبب أن الناخب المصري منذ 70 عاما وهو ينتخب ما يؤيده الجيش ومؤسسات الدولة.

ثانيا: إذا كان الجيش والمؤسسات على وضع الحياد فالبديل هو التنافس الحزبي، والحياة الحزبية في مصر ملغية منذ سنة 1952، والأحزاب ضعيفة وهشة للغاية ، والشعب المصري غير متشبع بالثقافة الحزبية والتنافس السياسي بل تشبع برؤية أحادية دينية منذ اختراقه من الصحوة الوهابية في عصر السادات..

ثالثا: الدولة ليست هي الحكومة..ومن يخلط بينهم معندوش ثقافة بربع جنيه، فالدولة هي جهاز ضخم جدا يتحكم في الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية والدينية، ورغبة الدولة منذ تحولها للجمهورية على مدار 70 عاما أن تعبر الانتخابات عن الاستقرار وليس الفوضى، لذلك تخرج الانتخابات دائما لصالح من يُرضيها ويؤمن بها..

وهذا يعني أن شعارات (الدولة الدينية) أو (إلغاء الحكم العسكري) لا تتناغم مع طبيعة ورغبة الدولة، وستخرج أي انتخابات ضد أصحاب هذه الشعارات..

رابعا: الدولة حاليا تشعر بالخطر من أصحاب المشروع الديني في الحكم، وكلما نشط الإخوان والجماعات في تهديدها أو تحويل نظامها السائد منذ عشرات السنين كلما تنتفض الدولة بقرارات وردود أفعال ترسخ النظام السائد أكثر، ولديها الأدوات اللازمة لترسيخ وزيادة فعالية هذا النظام..خصوصا وأن خصمها الإخواني صاحب تجربة حكم فاشلة..

خامسا: البرلمان المصري معبر عن مناطق قوة ونفوذ للعشائر والعائلات في معظمه، وليس معبرا عن برامج ومشروعات سياسية، لأن فكرة الأحزاب نظرية لكنها على الواقع العملي غير موجودة، وهذه الطبيعة البرلمانية العشائرية كانت وستظل هي معادل القوة الموضوعي لأصحاب المشروع الديني في الحكم في ظل غياب الأحزاب..

سادسا: البناء المجتمعي قائم أساسا على دور وخيارات ورغبات أعضاء البرلمان الذين هم في الأساس مراكز قوى العشائر ورجال الأعمال الموالين للدولة، واحتمالات تغير هذا البناء المجتمعي ضعيفة ما دامت الدولة قوية ونظامها السياسي راسخ.

سابعا: مشاهد العنف الانتخابي سواء للمؤيدين أو المعارضين طبيعية لأنها تعبير عن بناء مجتمعي لا يعرف حياة سياسية ومعنى التنافس الانتخابي المشروع، لذلك كان البديل منذ زمن إصلاح هذه الثقافة الانتخابية بتقرير حق الآخر وقدسية مواد الحريات في الدستور، لكن الدولة لا تسير في هذا الاتجاه وتعزز الفكر الأحادي عند الناس.. نظرا لشعورها بالتهديد من الجماعات. ..

ثامنا: تعميم الحكم على كل مؤيدي السيسي أنهم عملاء مأجورين ومرتشين، وكل مؤيدي طنطاوي أنهم إخوان إرهابيين هو (تعميم ساذج) لا يضع في الاعتبار فكرة الاستقطاب التي تعشها مصر منذ زمن طويل بإلغاء الحياة السياسية، فبعض مؤيدي طنطاوي هم بالأساس كانوا مؤيدين للسيسي وانقلبوا عليه بعد تعثر الاقتصاد وعدم تحقيق تقدم في جانب الحريات..

أما مؤيدي السيسي فهم شرائح، منها قومية وطنية داعمة لخيار الجيش، ومنها ليبرالية ويسارية ضد الجماعات، ومنها ثقافية نخبوية تشعر بالتهديد على مدنية الدولة، ومنهم رأسماليون نشطوا في الاقتصاد ولهم مشاريع ضخمة ومصالح مع الدولة، ومنهم فلاحين في القرى يختارون بناء على رغبات الطرق الصوفية الذين هم بالأساس ضد الإخوان..

لذلك في حديثي مع فنان مشهور اصطف مع الإخوان مؤخرا قلت له: أن تأييد السيسي ليس جريمة بل خيار سياسي مثله كخيار تأييد طنطاوي، ولا يجوز لك ولغيرك شتم وإهانة هؤلاء المؤيدين، وما يفعله هذا الفنان سقطة لا تُغتفر في تاريخه، وشرحت له فلسفيا أهمية أن تكون مثقفا ومعدودا من النخبة لا أن تمارس أسلوب البلطجية والشوارعية والمجرمين في التعبير عن آراءهم..

تاسعا: يهم الرئيس السيسي المشاركة الانتخابية الواسعة لأنها سوف تعبر عن رضا الشعب عن الدولة والحكومة معا، وتمثل تصويتا مباشرا لصالح إجراءاته وقراراته الماضية والمستقبلية، ولا يهمه فكرة الفوز والخسارة لأن فوز الرئيس مضمون للأسباب التي شرحتها عالية، ويصر قطاع كبير من الليبراليين وأنصار الجماعات على إنكارها والعيش في برج عاجي معزول..

فكرة مقاطعة الأغلبية للانتخابات هي ما تخيف السلطة وليس الشعور بقوة أحد المرشحين، لأن المقاطعة تعني رفض الشعب لشكل الدولة أساسا ونظام حكمها السائد وليس مجرد اعتراض على غلاء أسعار يجتهد كل المرشحين تقريبا في التبشير بنهاية ذلك الغلاء والسيطرة عليه..

عاشرا وأخيرا: لا توجد قوى سياسية جديدة في مصر يمكن اعتبارها مؤثرة في مستقبل العمل الحزبي أو منافسة السلطة، فالتيار الليبرالي الحر والحركة المدنية هي مجرد امتدادات لحركات وتجمعات منتهية ك 6 إبريل والاشتراكيين الثوريين وتمرد وجبهة الإنقاذ..إلخ..

القوى السياسية الجديدة التي يمكنها منافسة السلطة وتغيير شكل الدولة الراسخ منذ 70 عاما هي التي تعلن قطيعتها مع الإخوان وماضي الجماعات والحكم الديني بنفس حماسها وقوتها في رفضها للحكومة وسيطرة فصيل واحد على الحكم، لأن الدولة أساسا مستفيدة من بقاء الجماعات والإخوان كتهديد ويترسخ نفوذها أكثر وتمتد أذرعها كلما نشط الإسلاميون في التبشير بقدومهم..

وبالتالي سوف يكون تغيير شكل الدولة بمنافسة قوى النفوذ فيها على رفض الإخوان والحكم الديني قبل كل شئ، ومن ثم إضعاف تلك القوى لصالح بديل مدني في مرحلة لاحقة...ودمتم

المصدر: موقع إضاءات الإخباري