كتب الدكتور علي حجازي:
ثقافة
كتب الدكتور علي حجازي: "خبر عاجل", قصّة قصيرة جداً, "مشاهد عصيّة على النسيان"
د. علي حجازي
5 تشرين الثاني 2023 , 21:35 م

كتب الدكتور علي حجازي: 

المشاهدُ المأسَوِيّةُ المتصدّرةُ شاشاتِ التلفزةِ المُتّشِحَةِ بلون ِ الدَّمِ ، دمِ الأطفالِ والنساءِ والعجائزِ المقصوفةِ أَعمارُهُم، من دون ِ ذَنْب، تلكَ المشاهِدُ تُدْمِي القلوبَ الملتهبةَ جمراً.

صرخ ابو عبدالله :

- أللهُ أكبرُ اللهُ أكبر .ما ذَنْبُ هؤلاءِ الأبرياء، وراح يسترجِعُ كلامَ الإمامِ أبِي الشهداءِ وهُوَ يَصِيحُ في عراءِ كربلاء:

أنا الَّذي أُقاتِلُكُم، لا هؤلاءِ الأطفال، وأنت يا شمرَ بْنَ ذي الجَوْشَن، يا مَنْ تَقْتَحِمُ معَ جلاوِزَتِكَ خِيامَ النِّساءِ والأطفال، لِتُحرِقوها، كُفُّوا عن هذا الجُرْمِ، إنْ كُنتُم عَرَباً كما تدّعون.

يا ألله، هؤلاءِ المُتَوَحِّشونَ أشباهُ ابن ِ ذي الجوشن، يُحرِقونَ البيوتَ على رؤوسِ الأبرياءِ الذينَ يتَضَوَّرونَ جوعاً وعطشاً في غزّةَ الأبيّة.

لُطفَكَ يا رب؛ لطفك يا رحمٰنُ يا رحيم.

اِلْتَفَتَ إليَّ فرأى الدُّموعَ مُتَحَفِّزَةً في حَدَقَتَي ّ،وسأل:

- من يوقفُ هذا الوحشَ الكاسرَ الفالِتَ مِنْ عِقالِ الإنسانيّة، من؟

رفعت له سبّحة وسجدة صلاة من تراب .

- إلام تشير أفهمني، فذهني مشتّت ، في هذا الزمن الكسير؟

◦ - مُنْذُ ألْفٍ وأربعِمِئةٍ وخمسةٍ وأربعينَ عاماً ، على شطِّ الفُراتِ وأرضِ الطَّفّ، اِسْتُشْهِدَ لنا طِفْلٌ رضيع، أجَلْ ، اِستُشْهِدَ عبدُ الله ِبنُ الحسين، علَيْهِما السلام، عطشاناً معَ والِدِهِ وأُخْوَتِهِ، وأبناءِ عُمُومَتِهِ، والرٍّجال ِ الرِّجال ِ منَ الأصحاب، فشربَ الترابُ دماءَهم، معَ بعضِ دَمِهِ الذي ألقاهُ والِدُهُ الإمامُ الحسينِ إلى السماءِ، قُبَيْلَ استِشهادِه، فتناولَ العُشّاقُ، عشاّقُ الحَقِّ والإصلاح ِوالحقيقةِ التُّرْبَةَ المقدّسةَ ، وحوّلوها سجداتٍ ترفعُ الجِباهَ الطاهرةَ عن أرضٍ داسَها الغُزاةُ القتلةُودنّسوها، ولا يزالون، ولا نزالُ نُسَبِّحُ اللهَ الرحمٰنَ الرحيمَ بِحَبَّاتٍ منسوجةٍ من دماءٍ طاهرةٍ ودموع ٍ غزيرة، وذراتِ غُبارٍ جُمِعَتْ بِعنايةٍ من ثيابِ المُحاربين، ومِنْ عَرَقِهِم النازفِ خَلَلَ الِانْتِصارِ لِلْحَقِّ وللحقيقةِ، قُبَيْلَ اِرْتِقائهم إلى الذي لا تأخذُهُ سِنَةٌ ولا نَوْم.

- وبعد، إلامَ ترمي قلْ لي؟

- إذا كنّا نبكي ، منذ ذلك اليوم إلى هذه اللحظةِ طفلاً اِرْتقى إلى اللهِ عطشاناً، فما بالُكَ بهذِهِ الأطفال ِ الرُّضّعِ الممزّقةِ أجسامُهُم، على أرضِ غزةَ الأبيّة، بأسلحةٍ لا يتصوّرُها عاقل. كم سنة تلزمُ لِإقامةِ مجالسِ العزاءِتكريماًلهم؟ كم سنة؟

كم مَصْنَع ٍ يلزمُ لِصِناعةِ السُّبْحاتِ والسجداتِ التي تمنحُ الساجدينَ للهِ عليها شهادةً في العزّةِ والإباءِ والصمودِ الأسطورِيّ، وحبِّ البقاء، كم مصنعاً ؟كم كم ؟ كم؟

بيروتُ في اليومِ الثلاثِينَ على الحربِ الإجرامِيَّةِ على غزة. في اليوم الثلاثينَ على طوفان ِ الأقصى المُبارك؛

بل في اليومِ الثلاثينَ الذي لا يزالُ الغُزاةُ يمنعونَ الماءَ والغِذاءَ، عن ِالأطفالِ الأبرِياءِ والنساء.

الفقيرُ إلى الله ِتعالى ، المألومِ في هذا الزمنِ المجنون،

علي حجازي.

المصدر: موقع إضاءات اإخباري