- هل التنافس من كلا الطرفين ام من جهة امريكا فقط؟

- هل تخاف امريكا من الفشل ؟ 

مع مسيرة الصين الاقتصادية الواثقة، ومع اعتمادها خطط لاستراتيجية التنمية للجميع بعيدة المدى، ومحاولاتها خلق اجماع عالميا لأهدافها هذه من خلال تجربتها الفريدة في احياء مناطق دول المنبع لخط الحرير في اواسط اسيا،مرورا بدول المسير بتفرعاته المتعددة ، كان هناك بالمقابل امتعاض امريكي من نجاحها ومن تبني الصين لهذه القوة والقدرة الاقتصادية على المستوى العالمي ، واعتمادها نمطا استثماريا يحمل جزء من أعباء فقر الانظمة الاقتصادية للعديد من الدول ، ومحاولاتها السلسة في تبلور المقايضة في التبادل لبعض دول المسير كالنفط مقابل التنمية.

تبّني الصين لهذه الانماط في تعاملاتها التجارية واستخدامها لمصطلح الاحياء تنمويا ، يعني نوعا ما تطبيق لنظام المشاعية كمرحلة متقدمة من الفكر الشيوعي من جانب ، ومن جانب اخر يساعد الدول على التخلص من تداعيات العقائد المالية وضغط عامل الجيوبوليتيك للنظام الراسمالي ، من ناحية ثالثة تعمل الصين على مساعدة الدول وحل بعض المشاكل الاجتماعية التي يمر بها طريق الحرير ،كإنشاء المدن التجارية وفتح ملف البطالة في تلك المجتمعات ، لتكون الصين سباقة في حل ما لم يستطع الكيان الراسمالي من ايجاد حل له من استيعاب الايدي العاملة ، مما يخلق طبقات اجتماعية سياسية وعمالية واقتصادية ذات مواصفات دولية ، تغرد خارج سرب النظام الراسمالي واحتكاره الصناعي ، من ناحية اخرى الاضرار التي ستلحق بحركة الدولار من خلال التعاملات المالية للصين مع تلك الدول ، بكل العوامل الانفة الذكر ، تكون الدول امام مشروع تحرر من المفهوم الراسمالي في التحكم الاقتصادي . 

ُتُقصف غزة ، وتتعرض لابادة جماعية من دون ان ترمش لامريكا عين، تزامن ذلك الحديث عن صفقة القرن ، مع حملة الابادة على غزة اعادة مفردات التهجير والابادة والغزو ، من دون ان يتحرك المجتمع الدولي وموسساته الدولية ، يطرح تساؤلات عن الهدف الاصيل خلف هذه الابادة التي تمارسها دولة الكيان بحق غزة وبمساعدة امريكية ، واندفاع ومشاركة الميدان الصهيوني عسكريا ونقل اسلحتها وبوارجها وغواصاتها في البحر المتوسط الجهة المقابلة لغزة ، ولبنان وسوريا ، حوض البحر المتوسط يضم حقول ضخمة للغاز في كل المساحة التي يطل عليها كل من قبرص ، مصر ، سوريا ،لبنان، فلسطين ملحقا بها الكيان الصهيوني .

 سياسيا النظام المصري يمتلك معاهدة كامب ديفيد ، مصر دولة مطبعة مع الكيان الصهيوني وستجد صيغة للتعامل ، وقبرص ستكون منافسة بين تركيا واليونان ، والدولتان ضمن الناتو . وما يتبقى ضفاف سوريا ولبنان وفلسطين وهي دول طوق ودول مقاومة لاطماع الكيان الصهيوني فيها.

وكما طرحت الصين الحزام والطريق ، طرحت امريكا مشروع يعرف بالممر - طرحه نتيناهو مسبقا- تبنته امريكا كطريق منافس للطريق والحرير الصيني ، يمتد من الهند عبر الخليج مرورا بالامارات والسعودية مرورا بالصحراء الى منطقة تبوك ( التي تقع فيها منطقة نيوم ) ومن ثم الكيان الصهيوني عند مدينة حيفا ثم الى البحر المتوسط ثم اوروبا لتحرير امريكا اوروبا من الغاز الروسي . 

اشكالية : 

- ما هي العقبات التي تقف امام نجاح الممر الاقتصادي لامريكا ؟

- هل نحن امام اشكالية العقيدة الاستعمارية ضد حركات المقاومة في القرن الواحد والعشرين؟ 

اذا ما جمعنا انعكاسات التحركات الصهيوامبريالي بدءا من ( صفقة القرن الذي يهدف الى خلق اسرائيل قوة دينية واقتصادية، مرورا بمدينة نيوم التابعة لمنطقة تبوك -احد محطات خط الممر الامريكي - وهي مدينة متاخمة للكيان الصهيوني على البحر الاحمر ، ومسار هذا الخط الى مدينة رفح الفلسطينية ومن ثم البحر المتوسط حيث حقول الغاز المكتشفة )، سلسلة من حلقات تهدف الى انعاش حركة واقتصاد واندماج الكيان الصهيوني كاولوية لكل هذه المشاريع . 

 - كيف يتم خلق الاستقرار لخط الممر وتفرد إسرائيل باستثماره على حساب لبنان وسوريا والاهم على حساب فلسطين وغزة تحديدا على اعتبارها الحلقة الاضعف؟

واقعا تعتبر ما يعرف باسرائيل دولة غير مستقرة ، لانها ذات اهداف تطبيعية استعمارية تمس دول الطوق ، وبالتالي فهي محاطة بحركات المقاومة للتصدي لاطماعها التوسعية ومنها المقاومة الفلسطينية ، وبالتالي فان خط الممر الامريكي يحمل بين اثار اقدامه النزاع لا التنمية، الأرض المحروقة لا الأرض الخضراء. 

( هنا يفسر ،وفقا لرؤية الكيان المستقبلية في تحقيق النجاح وتمهيد الارض لهذا الهدف الكبير ولهذا الممر من جانبه ، يفسر تصاعد العنف ضد المواطنين الفلسطينيين قبل 7 أكتوبر ).

وهذا ما ينعكس سلبا ايضا على نجاح امريكا الناشئة في منافسة الصين من خلال الممر . 

وفق هذه التطلعات الصهيوامريكية الاحادية ، فان ما يحدث في غزة من قتل ودمار وتهجير من قبل الكيان كان سيحدث عاجلا ام اجلا ولكن وفق وقت تحدده امريكا وكيانها. 

لكن عنصر المفاجاة من جانب المقاومة الفلسطينية فاجاهم واربك الاجندة الاحادية وباغتتهم في الوقت الذي رأته فلسطين مناسبا لها .

اشكالية : ما بين الحرير والممر من هي الدول المحكومة عليها بمصير الافول.

 [ من الدول المتضررة ، والتي ستعاني من الافول على كلا الضفتين( الحرير والطريق ، والممر الامريكي )دويلات صغيرة كالبحرين والكويت] فالبحرين ابتلعها الكيان من خلال التطبيع واصبحت مملكة ملحقة بمملكة ، اما الكويت فما زالت تحاول اخراج نفسها من عنق الزجاجة وبمباركة امريكية بريطانية ايضا، وتوسيعها لميناء المبارك على حساب العراق ، وشراء ذمم بعض السياسيين العراقيين ، فتخنق العراق بحريا لكي تبقى موجودة والا فهي محكومة بسنن موت الدول بمعنى ان تكون هامشية. 

اذن هناك معوقات تحكم طريق الممر الامريكي وخاصة في فلسطين ، والعلاقة بين امريكا والكيان، والتلاعب بالامن القومي العربي والاقليمي لغرب اسيا ، واحتلال لاجزاء من دول الطوق للكيان ، والاعتداء على اخرى تصاعد فيها النفس القومي المقاوم في لبنان تحديدا ، ثم احتلال العراق ، وما فرضته مرحلة داعش من تداعيات على العراق وسوريا ، تشير الى التعاون بينهم وبين اجهزة مخابرات اميركية ودولية ، مما ادى الى خلق حسابات متناقضة لكل الاطراف ، واصبح هناك جيل من محور يقاوم الاستهتار والظلم والتعدي على سيادة الدول العربية والاسلامية. 

طموح امريكا في منافسة الصين وبقاءها قوة احادية يصطدم بهيكلية وبنية اجتماعية لدول عانت من ساديتها ،هذا يقف امام تحقيق حلم منافسة امريكا الناشئة للصين ، من خلال طريقها الممر الذي يمر بحيفا ثم الى البحر المتوسط ثم الى اوروبا. 

هذا الامر تم التدقيق به من قبل الادارات الامريكية ، ومثلما صعدت امريكا على اكتاف الحرب العراقية الايرانية ، سقوط دول اوربا الشرقية في احضان النظام الراسمالي ، وسقوط جدار برلين ، حرب دولية ضد العراق بعد انهيار برجي التجارة العالمي ، احتلال العراق عام 2003, كل هذه المراحل كانت امريكا وحدها في الميدان الدولي   

فانها تحاول اليوم ، وفق ظنها ، ومن خلال الحرب ايضا على حساب حياة أهلنا في غزة ، ان تبقى قطبا احاديا في العالم من خلال خلق احكام القبضة على كل من يعيق النجاح لممرها الاقتصادي ، لكن ما فاجأها التوقيت ومن غزة تحديدا.

خلق معادلة احكام القبضة على اهم قوة مقاومة تعتبرها عائق امام بروز احاديتها القطبية في مشروعها في المرحلة الراهنة ، والتفرغ لها منفردة ، لذلك طالب الامريكي والاسرائيلي في بداية الحرب ضد غزة ، عدم رغبتهم في الدخول بحرب مع حزب الله … 

لكل ساحة لها خصوصيتها من الانساق الصهيوامبريالية، على سبيل المثال تم تقطيع غزة اثناء الابادة ومحاصرتها داخليا واقليميا ، واسقاط النظام الاجتماعي بكل تفرعاته ، مما جعلها ساحة حرب ، ظنا منهم ان ذلك سيسهل عليهم للخطوات المقبلة سواء في توسيع الكيان او مع دول الطوق .

تناست إدارة بايدن ، وحكومة العدو الصهيوني ، ان من ابرز عوامل النصر في ظل التقدم التكنولوجي وسهولة خلق الفوضى في القتل والتدمير وابادة جيل كامل ، ليس باستعراض القوة العسكرية وهي ملطخة بدماء الابرياء ، وانما جزء كبير من النصر يتجانس مع القيم الاخلاقية، وما الابتعاد عن الاطار الاخلاقي في الحركة الا فشل تراكمي سيطال الاسس والقواعد التي يرتكز عليها النظام الراسمالي باكمله، واولها الكيان الصهيوني بعقيدته التوسعية الغير اخلاقية.

د.عامر الربيعي 

رئيس مركز الدراسات والبحوث الاستراتيجية العربية الأوربية في باريس