كتب الأستاذ حليم الشيخ:
سألتني أول أمس الموظفة ذات الملامح العربية عن البلد الذي آتي منه...
انتقَدَت الدول العربية التي لا تفعل شيئا لغزة... ثم أخبرتني أن أردوغان أمر بإرسال عشرين شاحنة مساعدات إلى القطاع...
قلت لها إن عشرين شاحنة هي أقل من خمسة في المئة من حاجات أهل غزة يومياً؛ ثم أضفت أن مجموع هذه المساعدة لا يزيد على ٤٠٠ طن، بينما يصل الى الكيان حوالي ٤٥٠٠ طن على الأقل من الغذاء والخضار كل أسبوع...
هذا عدا السلاح والذخيرة التي يتم شحنها لمساعدة اسرائيل في حربها ضد أطفال غزة على طائرات تقلع من قاعدة انجيرليك في تركيا يومياً...
حاوَلَت تبرير الأمر بأن هذه القاعدة أميركية وان تركيا لا تستطيع شيئا...
ذكّرتها أن بولنت أجويت حجز كل القاعدة سنة ١٩٧٤ عندما وقفت اميركا ضد غزو تركيا لشمال قبرص حتى عادت اميركا وابتلعت الموقف التركي...
لكن المواقف تحتاج إلى رجال، وليس إلى أشباه رجال...
من الدول الإسلامية، هناك دولتان فقط وقفتا، وتقفان إلى جانب الفلسطينيين بالسلاح والعتاد والمال، إيران وسوريا...
لم يعجبها الحديث، لكني أضفت أن موقف فينزويلا وكولومبيا الكاثوليكية افضل ألف مرة من كل مجموعة الدول الإسلامية التي تسير كما تريد أميركا...
في الخليج، في مصر والأردن والمغرب، هناك كذبة كبيرة تريد تغطية ما فعلته، وما تفعله مخابرات هذه البلدان، والحكومات...
هؤلاء ليسوا أشباه رجال فقط...
هؤلاء كما قطيع الغنم الذي ينتظر سكين الجزار مع المعاء الذي لا يتوقف...
مصر ترى بأم العين كيف يتم حشر الفلسطينيين على الحدود المصرية الفلسطينية، وكيف يتم ضربهم بقنابل أميركية ضخمة تحمل رسالة واحدة... التهجير باتجاه سيناء...
السيسي يعيش في عالم آخر...
السيسي، كما السادات قبله، يؤمن بالقدر الأميركي الذي لا يُرد...
يتحدث بعض العربان عن السلام الآتي مع حكومة إسرائيلية معتدلة بعد أن تنجح!!! اميركا في وضع حد لحياة نتنياهو السياسية، فيجيب ليبيد جازما أن حل الدولتين يمكن تطبيقه على المريخ فقط...
وكان نفتالي بينيت تحدث قبل سنوات عن ثلاث دول: اسرائيل مع دولتين فلسطينيتين، واحدة في القطاع، والثانية شرق النهر، أي الأردن...
يسمع عبدالله الثاني، وتسمع حكومة الأردن ذلك... ما تقوله حكومتا مصر والأردن لا يرقى إلى مستوى الدول...
الكل عاجز...
الكل منحني أمام الغطرسة المغطاة أميركيا...
لا يوجد بين هذه الكيانات من يجرؤ على الضرب على الطاولة حتى حين تصل السكين إلى رقابهم...
الامارات العربية تعرض على السفن الاسرائيلية ممر عبر موانئ دبي لتجنب باب المندب...
الإمارات تتقاسم مع الاسرائيلي قواعد محتلة في جنوب اليمن من أجل ضرب الحوثيين...
هناك حرب عالمية يقودها الاميركيون ومعهم اذناب بريطانية وألمانية وفرنسية وإيطالية بالإضافة إلى الكيان...
سنة ٥٦، واجهت مصر عدوانا ثلاثيا ولم تجد بجانبها إلا الاتحاد السوفياتي...
اليوم تواجه غزة عدوانا سداسيا والروس مشغولون بعقد صفقات تجارية مع السعودية والإمارات؛ بينما كل ما تتفتق عنه العبقرية الصينية هو مسرحيات في مجلس الأمن لا تصل إلى شيء...
حتى الآن، يبدو محور المقاومة في سياسة اللاقرار...
صحيح ان المقاومة في غزة لا تزال تتحكم بالمبادرة؛ لكن الصحيح أيضاً هو أن العمل جار بخطى حثيثة نحو التهجير... كما أن زخم الهجوم الغربي لا يزال على نفس وتيرة المجازر...
صحيح أن المجازر التي يرتكبها الإحتلال سوف تساهم في دفع ديناميكية المقاومة أشواطا كبيرة إلى الأمام...
سوف يقف الطفل الفلسطيني غدا أمام حل من إثنين:
إما الانتماء إلى المقاومة والقتال، وإما الموت الرخيص تحت الأنقاض...
سوف يتساءل الشباب الذين أوقفتهم إسرائيل أمام الكاميرات في حالة عراء كاملة بتهمة الانتماء إلى المقاومة عن جدوى الصمت والوقوف في موقف السلبية والحياد أمام هذا الذل...
سوف تسأل حماس نفسها عن قلة نسبة المقاومين في الفصائل نسبة إلى مجموع السكان...
حتى حزب الله الذي تحدث امينه العام سابقاً عن مئة ألف مقاتل، سوف يجد أن العدد يجب أن يصل على الأقل إلى ٢٠ بالمئة من جمهور المقاومة...
أما إيران، فسوف تسأل نفسها عن مدى وجوب التقيد باجتهاد منع امتلاك أسلحة الدمار الشامل والصواريخ العابرة للقارات...
كل هذا سوف يحدث حتى لو انتصرت غزة بالصمود...
لكن الصمود يجب أن لا يكون في المستقبل على حساب دم الأطفال...
يسأل المرء نفسه:
ماذا لو أن المقاومة أطلقت إلى غلاف غزة في السابع من أكتوبر عشرة آلاف مقاتل استشهادي بدل ١٤٠٠...
ماذا لو اجتاح أهل المخيمات في غزة الحدود، وعادوا إلى قراهم في الغلاف، وحملوا السلاح للقتال من أجل البقاء على أراضيهم، وفي قراهم المهدمة؟
اليوم نعرف أن كل الحان وحدة الساحات، واسرائيل أوهن من بيت العنكبوت لم تكن في الوعي المادي وألا وجب شن الهجوم من الأساس بزخم اكبر وعزائم تليق بما يجب أن تختزنه مقاومة مهددة بالإبادة كل يوم، وكل ساعة...
هل سوف تسمح اميركا وإسرائيل بتصحيح الأمور في المرة القادمة ام أن عنصر الاندفاع قد سقط؟
كل شيء مرهون بما سوف يحدث في الأسابيع القليلة القادمة...
الأكيد أن مقاومة غزة أثبتت وتثبت كل يوم أن فلسطين موطن الرجال...
لكن حذار من اي طبخة قد تخرج على ألسنة عربية هي أضعف من أن تكون على مستوى ما تحقق حتى اليوم...
افضل المواقف العربية لا يرقى إلى مستوى الرجولة...
المهم أن لا ينسى المحور أنه أمام استحقاقات لا تخضع لحسابات ضيقة، وكذلك إيران...
الغزو الأميركي الغربي لا يترك مجالاً للشك أن الحرب الكبرى على الأبواب، وأنه آن أوان إقفال البحر الاحمر والخليج وقلب الطاولة على كل المجتمع الدولي حتى يترنح الإقتصاد العالمي وتسقط دول تساهم كل يوم في قتل المزيد من الأطفال والنساء والشيوخ...
إلى متى الانتظار؟