كتب الأستاذ حليم الشيخ:
يخرج مراسل الميادين في غزة يروي قصص فصل الرجال عن النساء، ثم اعدام الرجال أمام أعين العائلات...
يروي الدكتور محمد أبو حصيرة كيف اخرج الجنود أباه الدكتور اكرم وأمه من البيت ثم قاما بتنفيذ الإعدام أمام البيت...
نحن لم نعد في سنة ١٩٤٨...
لم يعد هناك عصابات الهاجانه أو شتيرن...
لكن الصهاينة هم أنفسهم...
لا يختلف نتنياهو أو بن غفير أو سموتريتش عن بن غوريون أو مناحيم بيغين أو اسحاق شامير...
الفرق الوحيد...
هو أن العالم بات يعرف...
والناس ترى وتسمع...
في السابق كان البريطاني والفرنسي والأميركي يتظاهرون بعدم المعرفة وعدم تصديق الروايات العربية...
دير ياسين، كفر قاسم، حولا...
اليوم البريطاني تظاهر بالتراجع... الفرنسي أيضاً...
حتى الجاهلة الألمانية الخضراء بيربوك، ابتلعت لسانها...
لكن رغم كل شيء... خرجت الحكومة السويسرية تصنف حماس حركة إرهابية ضد الحمل الاسرائيلي الوديع...
تخرج صورة الوفود في مجلس الأمن...
الروس، الصينيون، ممثل السلطة، وغيرهم...
الكل يستجدي موقفاً أميركياً رفض حتى ابسط كلمات الاستعطاء...
قرار لا يسمن، ولا يغني من جوع... رغم هذا ترفض اميركا...
يجب إدانة الضحية...
كان المفروض أن يستمر الفلسطيني بالموت دون مقاومة...
اليس هذا ما ردده بيرني ساندرز؟
حماس عطلت مسيرة "السلام"...
في هكذا عالم...
بين هكذا وحوش...
يطلب منا السيد نصرالله الصبر لأن الانتصار على ما يبدو سوف يكون بالنقاط...
إثر النكسة سنة ٦٧، خرج الرئيس جمال عبد الناصر يتحدث عن الدعم الغربي الذي رجح كفة إسرائيل...
إثر انزلاق حرب تشرين ٧٣، خرج علينا محمد انور السادات ينحني، ويسلم كل شيء لأميركا...
أميركا تملك ٩٩٪ من الأوراق، قال السادات... ثم استسلم وذهب يقدم فروض الطاعة لقادة اسرائيل في عقر "دارهم!"، في "القدس!"... رغم أن ايام هرب الطوافات الأميركية من على سطح السفارة الأميركية في عاصمة فيتنام الجنوبية سايغون، لم يكن مر عليها وقت طويل... (بالمناسبة، تحولت سايغون إلى مدينة "هو شي منه"، بطل حرب التحرير)...
يخرج على سبوت شوت الإعلامي المصري محمود سعد، يتألم بسبب ما يحدث في غزة، لكنه يخبرنا بلغة الاستسلام للأمر الواقع... إن ليس في الأمر حيلة...
علينا القبول بقدر العجز والهزيمة...
لقد نجح السادات ومن بعده مبارك ومرسي واليوم عبد الفتاح السيسي في تحويل مصر العظيمة إلى حائط مبكى عربي...
أهل غزة ينتصرون في ملاحم عسكرية عظيمة رغم كل المجازر وجرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية...
ثم يخرج من يقص علينا رثائيات تنتمي إلى عصر الهزائم...
ربما خطر لأي منا انتقاد حماس أو الفصائل، وكاتب هذه الأسطر لم يكن استثناء...
ربما نعرف الآن أن بعض الأمور كان يجب أن تتخذ منحى آخر...
لكن الحقيقة هي أننا نعرف اليوم أن غزة تعيد كتابة تاريخ العرب...
كل العرب... بما في ذلك، عرب الانتصارات...
في احد اجتماعات الفصائل، اعترف الدكتور جورج حبش بأن الانتصار على إسرائيل اصعب بكثير من حروب التحرير الأخرى...
الغرب مستعد لقبول الهزيمة والانسحاب من الكثير من المناطق في العالم...
لكن اسرائيل شيء آخر...
اسرائيل هي كلب الاستعمار الأغلى ثمناً على الكوكب...
هزيمة إسرائيل يجب أن تمر عبر هزيمة الغرب...
في السابع من أكتوبر، سقطت إسرائيل...
في الثامن من أكتوبر، كانت جحافل الغرب تزحف من كل صوب كما الجرذان المدربة التي تتدافع لحماية أحد أكثر هذه الجرذان تمثيلاً لمبادئ الغرب ومثله العليا التي عرفناها في القارة الأميركية واستراليا ونيوزيلندا وأفريقيا الجنوبية...
أنها الديمقراطية الزائفة كما هو حياد سويسرا...
ديمقراطية الرجل الأبيض الذي حمل الموت والدمار اينما حل...
المحللون جميعا في حيرة...
منهم من يتحدث عن حرب سوف تستمر أشهراً، وربما سنوات...
ومنهم من يقول إن هدنة سوف تحل قريباً...
"إذا أردت السلم، استعد الحرب"،
هذا ما يعرفه الجميع نظريا، وهذا ما يجهل به الجميع فعلياً...
محور المقاومة يريد وقفا لاطلاق النار...
محور الشر الأميركي يريد استمرار الحرب حتى قتل الحلم الفلسطيني الذي استفاق في السابع من أكتوبر...
كلما ضاق نطاق الحرب، ونجح الأميركي في منع انتشارها، وتركز القتل الجماعي اساسا فقط في الشعب الفلسطيني...
زادت المجازر، وأقصى ما يمكن أن يحصل هو هدنة قد يستفيد منها الفلسطينيون رطلا، لكن العدو يستفيد منها اطنانا...
اتساع نطاق الحرب في البحر الأحمر سوف يضرب الحرص الأميركي على خنق الفلسطينيين دون تدخل من أحد...
أما جنوب لبنان، فهناك الخوف الكبير...
هناك الحرص الأميركي الأكبر على منع حزب الله من توسيع المشاركة في هذه الحرب...
هل نجح الأميركي؟
مع وجود سمير جعجع وسامي الجميل وأشرف ريفي وأمثالهم...
أجل نجح الأميركي...
وصل نجاحه إلى الوزير وئام وهاب الذي لم تعد اميركا و(صباطه سوا)...
حتى الاعلامي رفيق نصر الله كرر أكثر من مرة رفضه فتح جبهة لبنان...
الكل يريد الحرية لفلسطين...
الكل يريد الانتصار...
لكن بعض هذا الكل لا يريد دفع الثمن...
يا جماعة، لا حرية دون دم، ولا انتصار دون دمار...
هذا قانون طبيعي...
نحن في لبنان نعاني من حصار...
نعاني من حرب اقتصادية...
ممنوع علينا التطور...
سنة ٧٥، بالصدفة جرى إطلاق نار أثناء تدشين بيار الجميل كنيسة في عين الرمانة في نفس الوقت الذي يجري فيه احتفال فلسطيني وتمر "بوسطة" تحمل مجموعة من الفدائيين الفلسطينيين...
في صيدا يتم اغتيال المناضل معروف سعد، دون معرفة القاتل...
بعد خمسين سنة... تخرج وثائق تثبت ان الحرب الأهلية في لبنان كانت بالفعل فيلم أميركي طويل... مع اخراج من البنتاغون وال CIA...
يتم تدمير مرفأ بيروت، ثم يعين قضاة محسوبون على اميركا لإضاعة الحقيقة بعد أن عبث بالمرفأ رجال المارينز الأمريكيين ورجال المخابرات الفرنسية تحت غطاء الجيش اللبناني الذي يتلقى رواتبه من قطر وأميركا...
أدخل لبنان في الشراكة المتوسطية على يد رجل السعودية في المنطقة، فتم تدمير ما تبقى من صناعة وزراعة وتم إغراق البلد بالديون حتى يقال لنا ما قيل لمصر منذ أيام...
اقبلوا تهجير الفلسطينيين اليكم وقوموا بالتوطين مقابل إلغاء الديون...
في الستينيات منع الاميركيون والفرنسيون طلاب جامعة هايغازيان من تطوير صواريخ ارز واحد واثنين وثلاثة... بينما تتحفنا هوليوود بأفلام عن طلاب أميركيين تتبناهم الجامعات لدراسة صناعة الصواريخ...
في التسعينيات، جاء رفيق الحريري يحمل مشروع لبنان كازينو المنطقة وملهاها الليلي...
تم جر البلد للتخلي عن المياه الاقتصادية مقابل "وعد" بالسماح في التنقيب، ثم تقرر أن الله الذي زرع الغاز والنفط في كل البحر المتوسط، نسي أن يزرع بعضه على شاطئ لبنان...
تم زرع اكبر نصاب على رأس حاكمية مصرف لبنان؛ فتم على يده سرقة أكثر من مئة سبعين مليار دولار من مدخرات اللبنانيين وبذلك تم القضاء على القطاع المصرفي لأن المطلوب أن تكون تل أبيب هي المركز المالي في الشرق الأوسط...
حتى خط الحرير الصيني الذي كان يجب أن يمر في سوريا ولبنان تم ضربه عبر ضرب كل البلاد التي يمر فيها لصالح خط هندي إسرائيلي...
حتى الأمس، كان عدد الطائرات العملاقة التي تحمل الذخائر والقنابل التي تفتك بأهل غزة والضفة؛ كان وصل إلى ٢٠٧ طائرات...
محور الشر الأميركي يملك كل الحق في المشاركة الفعالة في الحرب مع البريطانيين والفرنسيين وغيرهم...
تتحدث الصحف الفرنسية عن أكثر من أربعة آلاف فرنسي يقاتلون ضد غزة...
تذهب الأساطيل إلى البحر الأحمر للدفاع عن إسرائيل...
تشارك سفن أكثر من عشر دول غربية، ومنصات اعتراض الصواريخ في السعودية ومصر والأردن في الدفاع عن إسرائيل...
ثم تقول اميركا أنها لا تريد توسيع نطاق الحرب...
حسنا...
تريدون هزيمة اميركا بالنقاط؟
فليكن...
لكن من يريد النصر بالنقاط عليه توجيه اللكمات أيضاً...
هل يتصرف محور المقاومة جبهة واحدة متراصة؟
يجب أن يكون هناك محاور واحد فقط...
كما فيتنام، يجب الحوار مع السيد الأميركي وحده وليس مع العبيد، حتى لو كانوا من العرب...
سنة ٨٢، رفض ابو عمار وزعماء الحركة الوطنية تحويل بيروت إلى ستالينغراد العرب بناء على طلب الدكتور جورج حبش، بحجة أن بيروت ليست أرض فلسطينية...
اليوم غزة والضفة فلسطينيتان...
بعد فك الحصار عن ستالينغراد تبين أن السوفيات خسروا خلال حوالي خمسة أشهر حوالي مليون ومئتي ألف رجل وامرأة، وأن نسبة الدمار في المدينة تجاوزت ال ٩٩٪...
لكن معركة ستالينغراد تعتبر نقطة التحول الرئيسية في الحرب العالمية الثانية...
بعدها لم يتوقف الجيش الأحمر حتى وصل إلى برلين ورفع العلم على مبنى الرايخ...
من يريد وقف النار، عليه ضرب الأميركيين بقوة أكبر بكثير...
قد يكون حزب الله أصيب ببعض الخسارة عند الدروز والمسيحيين كما ردد أحد المحللين...
لكن كل الدلائل تشير إلى أنه كسب، ويكسب كثيرا في البيئة السنية، حتى تحول معظم نواب السنة المعادين لهذا الحزب إلى مجرد صبيان لعبة "الكلة"...
الأكيد أن الحرب هي عنصر التوحيد الأكيد...
أكيد أن الرد على الحرب الغربية الشاملة لا يمكن أن يكون سوى بحرب شاملة على كل الصعد ضد هذه الدول...
كما اكيد أن من لا يقف بشكل كامل مع فلسطين اليوم، سوف تكون نهايته في مزبلة التاريخ...