عدنان علامه / عضو الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين
كان يوم أمس يومًا ماروتونيًا بإمتياز في أروقة مجلس الأمن وما خلف الكواليس؛ وللأسف كانت المؤامرة على الشعب الفلسطيني والقرار الإنساني الدولي بصياغة المندوبة الإماراتية لانا نسيبة بناءً على الأوامر الأمريكية؛ وقد حازت نسيبة على تنويه مندوبة أمريكا على متانة الصياغة بعد سحب بند وقف الأعمال القتالية بشكل فوري؛ وقالت المندوبة الأميركية الأممية ليندا توماس غرينفيلد إن بلادها يمكنها دعم مشروع قرار مجلس الأمن المعدل بشأن المساعدات الإنسانية إلى غزة، إذا طرح للتصويت بصيغته الحالية.
وقد أفشلت الولايات المتحدة باستخدامها حق النقض "الفيتو" تعديلًا يدعو لوقف إطلاق النار في غزة اقترحته روسيا، على قرار مجلس الأمن الدولي الداعي لتوسيع تسليم المساعدات في غزة.
وقال المندوب الروسي لدى المجلس فاسيلي نيبنزيا: "شهد مجلس الامن تصرفًا غير مسؤول وقاسيا من جانب واشنطن التي لجأت إلى أدوات تخريبية مختلفة لمنع إصدار قرار بشأن غزة، والعالم يتساءل لماذا أجَّلنا الموافقة على قرار الإمارات العربية المتحدة.. هذا كان بسبب الضغط والابتزاز الأمريكيين، فإما أن يعتمد المجلس قرارا يرضي واشنطن أو لا يُعتمد أي من القرارات التي تطرح".
وتابع: "الولايات المتحدة استحوذت على المناقشات والمفاوضات بشأن قرار الإمارات العربية المتحدة وراء الكواليس وأفرغت القرار من جوهره، لا سيما الفقرة المتعلقة بتخفيف المعاناة وايصال المساعدات، وجهود وفد الولايات المتحدة سمحت بإدراج عنصر خطير على غزة، فبدلا من وقف فوري لإطلاق النار، جرت المناقشة لخلق ظروف مواتية للعمليات القتالية، وهذا قمة القسوة والمجون".
وبحسب تصريح مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة، الولايات المتحدة بحاجة "في ضوء العبارة الماكرة حول 'تهيئة الظروف للوقف المستدام للأعمال القتالية'، إلى منح إسرائيل الحرية للقيام بمزيد من القصف العشوائي غير المحدود وغير المقيد للبنية التحتية المدنية، وللسكان المدنيين في غزة".
وأشار إلى أنه بهذه الصيغة "سيتوفر للقوات المسلحة الإسرائيلية هامش التحرك بشكل كامل لتطهير القطاع، كما تفعل تماما"، وأضاف "من سيصوت على القرار سيكون متواطئا ومسؤولا عن تدمير غزة".
وبالتزامن مع التطورات الميدانية وبعد تأجيل التصويت 7 مرات، اعتمد مجلس الأمن مشروع قرار وصف بالمخفف، يوسّع دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة عقب استخدام واشنطن حق النقض (الفيتو) الذي منع تعديلات روسية تدعو لوقف الأعمال القتالية.
ومن أبرز ردود الفعل على القرار كان رد قائد الثورة والجمهورية الإسلامية في إيران السيد علي خامنئي تعليقاً على استخدام واشنطن الفيتو في مجلس الأمن ضد وقف إطلاق النار في غزة: "سقطت الأقنعة عن وجه الحضارة الغربية".
وأما على الصعيد الفلسطيني؛ قالت حركة حماس في بيان إن القرار "خطوة غير كافية، ولا تلبّي متطلبات الحالة الكارثية التي صنعتها آلة الإرهاب العسكري الصهيونية في قطاع غزة".
وأضافت الحركة في بيانها "عملت الإدارة الأميركية خلال الخمسة أيام الماضية جاهدة على تفريغ هذا القرار من جوهره... متحدّية إرادة المجتمع الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة بوقف هذا العدوان على شعبنا الفلسطيني الأعزل".
وأعلنت الجهاد الإسلامي: أن "القرار الذي صدر عن مجلس الأمن يسجل فشلاً مدوياً له في وضع حد لحرب الإبادة الأميركية بأياد صهيونية؛ وهذا القرار البائس لمجلس الأمن يمنح الكيان فرصة للتحكم باحتياجات غزة ضارباً بعرض الحائط القوانين والأعراف الدولية.
وخالف الأمين العام للأمم المتحدة القرار بلهجة ديبلوماسية؛ فقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، إن أكبر عائق أمام إيصال المساعدات الإنسانية إلى أهالي غزة هو "طريقة الهجوم الإسرائيلي"، مؤكدا أنه "لا مكان آمن في القطاع".
وأوضح غوتيريش في مؤتمر صحفي، أمس الجمعة، أن الحرب على غزة لم تشهد أي تغيير يستحق الذكر في الآونة الأخيرة، مع عدم توفير الحماية اللازمة للمدنيين وسط استمرار الهجمات الإسرائيلية المكثفة.
وأشار إلى مقتل أكثر من 20 ألفا من أهالي غزة، أغلبهم نساء وأطفال، وتهجير 1.9 مليون شخص من ديارهم.
ولفت إلى تدمير قطاع الصحة في غزة، وأن مستشفيات جنوبي القطاع تضم الآن 3 أضعاف طاقتها الاستيعابية، بينما نظيراتها في الشمال عاجزة عن تقديم أي خدمات.
وأكد أن استمرار القصف الإسرائيلي الكثيف والاشتباكات في المناطق المكتظة بالسكان يعرض للخطر حياة كل من المدنيين وموظفي إيصال المساعدات الغذائية.
وبيّن غوتيريش أن "136 من زملائنا قُتلوا في غزة خلال 75 يوما، وهذا أمر لم نشاهده من قبل في تاريخ الأمم المتحدة، ولا مكان آمن في غزة".
وشدد على أن حل الدولتين هو السبيل الوحيد للسلام المستدام بالمنطقة في إطار قرارات الأمم المتحدة والقانون الدولي والاتفاقيات الدولية.
كما أكد أن وقف إطلاق النار لأسباب إنسانية ضروري لإيصال المساعدات بشكل فاعل إلى غزة.
وأشار غوتيريش إلى ضرورة النظر لنصف الكأس الممتلئ فيما يتعلق بقرار مجلس الأمن الجمعة بشأن غزة.
وزاد: "هناك قرار، لكننا ندرك أن وقف إطلاق النار الإنساني ضروري حقا إذا أردنا إيصال المساعدات الإنسانية (إلى غزة) بشكل فاعل".
واعتمد مجلس الأمن الدولي، الجمعة، قرارا يدعو إلى اتخاذ خطوات عاجلة للسماح فورا بإيصال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، وتهيئة الظروف لوقف إطلاق النار بين إسرائيل والمقاتلين الفلسطينيين.
وقالت منظمة الأمم المتحدة عبر موقعها الإلكتروني: "بتأييد 13 عضوا، وامتناع الولايات المتحدة وروسيا عن التصويت، اعتمد مجلس الأمن الدولي القرار رقم 2720 حول غزة وإسرائيل".
وأكد الأمين العام دعم الأمم المتحدة لكل ما يؤدي إلى تحسين إيصال المساعدات إلى غزة.
وقال إن الأمم المتحدة تعتقد أن السلطة الفلسطينية هي الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني، وأنه ينبغي تهيئة الظروف التي تسمح لها بتحمل المسؤولية في غزة، وأن هذا سيمكّن من تحقيق حل الدولتين.
وقد كثفت إسرائيل أمس عمليات الإيادة الجماعية والتدمير الممنهج للمباني فقد إرتقى ٱمس أكثر من 350 شهيدًا وأكثر من 950 جريحًا وتدمير ما تبقى من كافة المباني الشاهقة المقابلة لمغتصبات غلاف غزة.
ولا بد من الإشارة وإنه بعد مرور 78 يوم على عمليات الإبادة الجماعية التي يشنها الجيش الإسرائيلي بدعم أمريكي عسكري وسياسي غير محدود؛ فإن الجيش الإسرائيلي هو من يعلن عن الإصابات المرتفعة في صفوفه كل 24 ساعة؛ ومنذ يومين إعترف بسقوط عدة صواريخ في تل أبيب، وقد تصدى مقلاع داوود لأحد الصواريخ. وهذا يدل على فشل القبة الحديدية في إعتراضه وأن صاروخ مقلاع داوود إعترض الصاروخ قبل إكمال وجهته النهائية إلى ساحل فلسطين المحتلة.
ويبدو أن نتنياهو وغالانت وغانتس يريدون تسطيح غزة بعد فشل أهدافهم في القضاء على حماس وتحرير الأسرى بعد مرور 78 يومًا على بدء عمليات الإبادة الجامعية والتطهير العرقي؛ وقد أمنت أمريكا لإسرائيل الوقت المفتوح لإستكمال عمليات الإبادة الجماعية التطهير العرقي وتآمر دولي وعربي لكل ما يمت للحياة بصلة في قطاع غزة.
فقد قضت آلة الحرب الصهيونية وأسلحة التدمير الإمريكية على كافة مؤسسات القطاع الصحي في شمال غزة بالإضافة إلى تدمير مدارس الأونروا على رؤوس النازحين إليها، ولم تسلم المساجد والكنائس من الحقد الصهيوني الدفين فدمروها ودمروا البنى التحتية. فالصهاينة يتحركون والموت والتدمير يتحرك أمامهم؛ ولكن لم يتعلموا من المواجهات البطولية التي يشنها مجاهدو المقاومة الفلسطينية الذين عطلوا فعالية الكتيبة 13 من لواء النخبة غولاني وأضطروا إلى سحبها بعد 60 يوما من بدء الهجوم البري على قطاع غزة.
فمهما تآمرت أمريكا لتضغط على المقاومة الفلسطينية سياسيًا وعسكريًا لتحصيل تنازلات سياسية؛ فعليها أن تراقب الميدان جيدًا؛ لأن إسرائيل قد غرقت في وحول غزة وستستجدي وقف إطلاق النار وإجراء عملية تبادل للأسرى وفق شروط المقاومة؛ لأن المعركة تحولت إلى معركة وجود والكلمة فقط للميدان.
وإن غدًا لناظره قريب
23 كانون الأول/ديسمبر 2023