كتب الدكتور علي حجازي:
قصّة قصيرة
"صورة النصر الفريدة"
"...انتظروا ، بعد قليل ننشر صورة مهمّة للغاية " هذا ما ظهر على شاشة التلفاز الذي كنّا،انا وجماعة نتابع مُجريات الحربِ الكبيرةِ الدائرةِ على أرض غزّة - فلسطين وجنوب لبنان.
تسمّرنا ، حبسنا الأنفاس، وشرع كلُّ واحد منّا يفكّر في تلك الصورة التي انشغلت وسائلُ إعلامُ العدوِّ بتحضيرها للنشر، وعن الهدف الكبير الذي حقّقه الدراكولا الجديد النتن ياهو، بعد ثلاثة أشهر من الإيغال في الدم والقتل والتشريد.
اغمضتُ عينيَّ ورحتُ استعيدُ المشاهدَ المأسويّةَ النازفةَ دماً لأطفال ٍ خُدّج ٍ وغيرِ خدّج! ولنساءٍ وعجائزَ أُبيدوا جرّاء لهيبٍ حارق ٍ نَفَثَهُ "مصاصُ الدمِ النتن ياهو"،من البحرِ والبرِّ والجوّ ، ولم يُبْق ِ ولمْ يَذَرْ، غير أنّهُ وقفَ عاجزاً أمام رجال ٍ آمنوا بربهم، فزادهمُ الله ُ هُدىً، ولا يزالون يكتبون، بالبطولات والكلماتِ والدمِ، ملحمةً أُسطورِيَّةً فائقةَ التصوّرِ في هذا الكون.
لحظاتُ انتظارٍ صعبةٍ مرّتْ ، ظهر بعدها النتنُ بثوبِهِ الأَسْوَدِ المُلَطَّخ ِ بالدَّمِ، والنيرانُ تشتعلُ فيه ، وبانيابِهِ الحادَّةِ التي تَهَشَّمَ أكثرُها، وسقطَ على الأرضِ العزيزة.
كانَ يُقَهْقِهُ بشكلٍ هستيريٍّ كمجنون ِأصابَتْهُ نَوْبةُ جنونٍ حادّةٍ يزيدُها الصُّداعُ، حتى فَقَدَ الوعيَ وهو يحملُ فَرْدَتَيْ حذاءٍ قديم،رفعَهُما بيديهِ اللَّتَيْنِ تقطُرانِ حِقْداً ودماً؛ وصرخ بصوتٍ عالٍ صرخ:
-هذا هو
- ما هذا يا ربيّ؟ إنّه خُفٌّ قديم ، وما الذي يعنيه هذا في هذاالصراعِ الدامي،غيرِ المُتكافيءِ المُسْتَعِرِ منذُ التِّسعِينَ يوماً؟
قَهْقَهَ الدّْراكولا الجديد وقال:
هذهِ صورةُ النصرِ التي اِنْتَظرْناها طويلاً.
نعم، إنّهُ"حِذاءُ السِّنْوار"،
"...لقدْ داهمْنا بيتَهُ ودمّرناه، وحظِينا بهِ عندَ مدخل ِنفق ٍتمَّ تدميرُه.
قال ذلكَ، وتَأَبَّطَ الخُفَّيْنِ " الحذاء" وشَرَعَ يَعْدو هارباً من أرضٍ أضرمتِ النارَ، في ثوبِهِ الأسودِ، و في أثوابِ مصّاصِي الدماءِ من جيشه الذين كانوا يغذّونَ السيرَ ، وهم يحملونَ القتلى والجرحى، و"عرباتِ الرَّبِّ" "الميركافا" التي ظنُّوا أنّها حاميتُهم، قبلَ أنْ تَلْتَهِمَها نيرانُ"الياسين"و"الشواظ".
كلُّ واحدٍ من الحاضرين راحَ ينظرُفي عيونِ الآخَرينَ، فير ى الدهشةَ ذاتَها التي كانت تَغطّي حدَقَتَيْه، غيرَ مُصدِّق ٍما يرى ويسمع.
قال صديقي:
- أَيُعْقَلُ أنْ تكونَ هذِهِ هيَ صورةُ النَّصرِ المشتهاةُالتي دفعَ لِأجْل ِتحصيلِها العديدَ من جُنُودِهِ النافقينَ برصاصِ المقاومين الأبطال، والعديدَ من دبّاباتِهم المُدّمّرةِ بقذائفِ الياسين، وبما تيسّر؟!
بعد إعلان هذا "الإنجازِ الكبير"،عَلَتْ أصواتُ المحتلين وهم يصرخون:
- أين الوعودُ التي أطلقْتَها يا نَتِنْ؟
أينَ أبناؤنا الأسرى؟
وأين واين واين؟
نظرتُ إلى وجوهِ الحاضرين، الغارقينَ في الضَّحِكِ على هذا الحاقِدِ النَّتِن ِعدوالحياةوالطفولة، ورحتُ أقصُّ عليهم ما جرى لذلك التاجرِ الذي عادَ بِ"خُفَّيّ حُنَيْن"، ثُمَّ عقّبْتُ :
إذا كانَ هذا ما يبحثُ عنهُ النَّتِنُ ووزراؤه وقادةُجيشِه
لإطالة عُمرِ كِيان غاصبٍ أضحى مُتهالِكاً، بعد كُلِّ الفشلِ الذي تحقّقَ، بفعل ِ ذلكَ الطُّوفان ِ المجيدِ الذي هشّم صُوَرَهُم، فليأخذوا لهم صوراًعديدةً، مع خُفَّيِ السِّنْوارِوغيرِهِ منَ الأبطال ِ الذينَ كتَبوا، في السابع ِمن تشرينَ، تاريخاً جديداًلنْ تَستطيعَ تَشوِيهَهُ كلُّ الصُّوَرِ الهوليوديةِ المُزيّفةِ، فليأخذوا صوراً عديدةً، قبل رحيلهم المحتَّمِ، إنْ شاء الله.
د.علي حجازي