كتب الدكتور علي حجازي:
النتن-نمرود العصر الذي يفاخر بإبادة الأطفال والنساء والعجائز، يجرجر أذيال ثوبه الأسود الذي ارتداه حزناً، بعد تلك الصفعة المؤلمة التي تلقّاها من أبطال ذلك الطوفان في ذلك "السبت الأسود"، ويتبعه مجموعة من مصاصي الدماء أعداء الحياة، وهم يُهرَعون خلْف "عرباتِ الرَّب"(الميركافا)، المسحوبةِ، بعدما أحرقتها قذائف الياسين وغيرها،مع ناقلات الجند (النمر) المصفّحة، والتي ظنّوها حاميةً لأولئك الضبّاط والجنود عشّاقِ القتلِ والسحل ِ والتدمير والإبادة.
المشهد القاسي مؤلم للنتن وأوزاره، الذين راعهم رؤيةُ هذا المصير الأسود الذي حصدوه، بعد ثمانيةٍ وتسعينَ يوماً من سفك الدم المُراق ،ِ ظُلماً، من الأطفال والنساء والعجائز وغيرهم.
هذا المشهدُ الذي أرَّق أولئك الذين ينتظرون استعادةَ أبنائهم الجنود الذين وقعوا أسرى، صباحَ ذلك الطوفان المجيد، فخرجوا متظاهرين يشتمون ويلعنون النتنَ وأصحابه ، ويصبّون جامَ غضبِهم على رؤوس ذلك المجلس الحربيِّ(الحامية) تلكَ التي طغت عليها الأنا العليا، إلى درجةٍ باتوا معها يَعُدّون الفلسطينيّينَ أصحابَ الأرض الأصليّينَ حيواناتٍ يجب اجتثاثهم وإبادتهم ،والقضاء على كلّ رمق حياة على أرض غزّة.
وزيرُ دفاع الكيان اللَّقيط الذي أُسْقِطَ في يده، بعد وسائل الإبادة الجماعية للبشر والشجر والحجر التي استخدمها، قصفاً من طائراتٍ لا تَنِي تشنُّ الغاراتِ ومن دباباتٍ ومدافعَ وصواريخَ ومسيّرات ، ومن أسطول ٍبحريٍّ لا ينفكُّ يُمْطِرُ القطاعَ الصغيرَ بحجمه، بأطنان ِ البارودِ والفوسفورِ الحارق.
حكّ رأسه كثيراً، بعد ذلك العراك الشديد مع وزراءَ لم تُشْبِع ِ المجازرُ المهولةُ والعديدةُ المرتكبةُ، على مدارِ الثواني والدقائقِ والساعات، شهوتَهم إلى إراقةِ الدَّمِ البريء، فشرعوا يتّهمونَهُ بالتقصير، فراحَ يُتَمْتِمُ بصوتٍ مسموع :
" ما الذي لم أَستخدِمْهُ من وسائلِ الإبادةِ بعد؟"
ضَحِكَ وزيرٌ أخرجَ الفوشارَ عندَ بَدْءِ ذلك النِّقاشِ الحامي، بين ذلك الوزير الخائبِ وأمثالهِ المتعطّشينَ لِصورةِ نصرٍ واحدة، وإلى صورِ ضحايا جديدة، ثُمّ قال:
- لم يعد أمامي سوى الاستعانةِ بالكلاب.
- ماذا الكلاب؟ وما الذي تستطيعُ فعلَهُ هذه الحيواناتُ، بعد فشل ِ الوسائل جميعِها؟(قالَ وزيرٌ كان قد اقترحَ إلقاءَ قنبلةٍ نوويّةٍعلى هذاالقطاعِ الصغيرِ الحُرِّ المبدع في طُرُق الدفاع والمقاومة.)
- لم يبق سوى كتيبة الكلاب البوليسيّة، لعلّها تساعدُنا في العثورِ على الأنفاقِ وأماكنِ تحصُّن ِ "المخرّّبين" (المقاومين).
سرعان ما وقفَ أمامَ كتيبةِ الكلاب، وشرع يكيل لها ولِمُدَرِّبيها المديح.
لم يَمْضِ وقتٌ قصير، حتى شَرَعَتْ عدساتُ المقاومينَ تَبُثُّ صُوَرَ تِلكَ الكلابِ، وهي نافقةٌ معَ مُشَغِّليها ومُدَرِّبِيها، في فِناءِ ذلك النفقِ الكبيرِالذي كانوا، قبل اقتحامه، قدِ استعانوا بالمُسَيَّراتِ والكاميرات.
صُوَرُ الكلابِ النافقةِ هذه، دَفَعَتْ بشامِتَةٍ بذلك الوزير وبخيباته العديدة، مع أتباعِه من أولئك الوزراءِ الرافضينَ وَقْفَ إطلاق ِالنارِ قبلَ الإبادةِ الجماعيَّةِ لأهلِ ذلكَ القطاع ِجميعاً، فصرخت:
-أين جمعيّةُ الرِّفْقِ بالحيوان من هؤلاءِ الذينَ يدفعونَ هذِهِ الحيواناتِ إلى الموتِ في هذه الحربِ الطاحنة؟
أجابَ مسؤولٌ من جنوبِ أفريقيا راقَبَ مشاهدَ القَتْلِ كُلَّها، ورفَعَ دعوى ضِدَّ هؤلاءِ العُتاة:
- بلْ أينَ جمعيّاتُ حمايةِ حقوقِ الطفولة؟ وأينَ جمعيّاتُ حِمايةِ حقوقِ الإنسانِ التي أُخْرِسَتْ أصواتُها عن كلّ ما جرى ويجري؟
قال ذلك، وتابع بصوت مسموع:
- إذا استطاعَ هؤلاءِ المجرمونَ الإِفْلاتَ مِنْ عدالةِ الأرض، فَلَنْ يُفْلِتُوا مِنْ عدالةِ السماء.
إنّ اللهَ يرى، إنّ اللهَ يسمعُ ويرى، ونِعْمَ باللهِ عادلا.
بيروت في اليوم الثامن والتسعين من بدء الإبادة الجماعيّة لأهل قطاع غزّة .