صديق يسأل عن سر شعبية المتطرفين رغم أنهم على المستوى العقلي محدودين؟

قلت: المتطرف يعيش دور المظلوم كأساس لبناء الهوية ولإقناع الغير بوجوده ورسالته كحد أدنى، ثم تتحول هذه المظلومية في مرحلة تالية لعملية انتقامية ضد من يراه ظالما..

إسرائيل مثلا بنت شعبيتها في العالمين الغربي والشرقي على أنها مظلومة ومُضطهدة في وقت كانت تقتل فيه المصريين والفلسطينيين ويحصلون على دعم هائل من السلاح والمال لقاء ذلك، الدواعش والجماعات أيضا بنوا خطابهم للحصول على حواضن شعبية على أنهم مظلومين مُضطهدين، في وقت كانوا يقتلون فيه الجميع دون تمييز..

سر أساسي لشعبية المتطرف أنه يعيش دور الضحية..

وهذا الدور ينزع عنه مسؤولية الفشل ويلقيها بمهارة على الآخرين، باختصار لست أنا المسؤول بل الأشرار، وأنا الذي يمثل الخير ويدافع عن العالم ويُعيد إليه مجده..

سمة أساسية لخطاب التطرف أنه يتوهم زعامته للعالم وقدرته على التغيير بمفرده، ولأنه يطرح هذا الوهم في سياق زعمه بالمظلومية حتى يتصرف كالمجرمين حرفيا، فيسرق ويقتل وهو مقتنع بأن ما يفعله صائب من ناحية النفس والدين..

أما الناس فهي تتعاطف مع كل مظلوم ويقدم نفسه على أنه ضحية..هذه غريزة بشرية تُعد هي السبب في زيادة شعبية المتطرفين على الأرض والسوشيال ميديا، لذلك عندما أرى شخصا ما أو مجموعة تقدم نفسها كضحية فورا (أتحسس مسدسي) لأن ما أراه هو مقدمة لفعل الشر من تلك المجموعة أو هذا الشخص بدعوى الانتقام والتعويض..

هذا ليس إنكارا لمعاناة البعض..يوجد ضحايا بالفعل ، فالخير والشر موجود، والظلم والعدل من سنن الحياة ، لكن المظلوم الطبيعي الذي تخلو دعواه من الغَرَض والربحية لا يسعى للاستفادة من مظلوميته (جماعيا) بل يقاوم هذا الظلم في إطاره أولا ، مع إقدامه على مراجعة نفسه من الصدمة ،

وهذا سر من أسرار (حكمة البعض) وعيشه في ملابس المتواضعين، فقد ذاق الظلم ومن شدة بأسه عليه وفي ظل تمتعه بالمصداقية وعدم التربح، أقدم على تحويل هذه الطاقة (لعمل خير) فوهب نفسه لحياة ومنفعة الناس وحرص على عدم تكرار هذا الظلم مرة أخرى أو يعيشه فرد آخر نفس المعاناة التي ذاقها في السابق..