كتب الأستاذ حليم الشيخ محمد: نحن أبطال، نحن غزة، حماك الله يا غزة...
مقالات
كتب الأستاذ حليم الشيخ محمد: نحن أبطال، نحن غزة، حماك الله يا غزة...
3 آذار 2024 , 03:57 ص


كتب الأستاذ حليم الشيخ محمد: 

لعل أهم ما في يوم السابع من أكتوبر هو أنه أتى من الطرف الوحيد الذي يمكن أن يشكل خطراً وجوديا للكيان الصهيوني...

ما كان في نظر جمهور المقاومة منظراً يثير الاشمئزاز حين تدافع زعماء سلطات الغرب الاستعماري للوقوف إلى جانب الوحش الصهيوني ضد الضحية الفلسطينية، هو في الحقيقة شعور هذا الغرب فعلاً بأن الكيان يتعرض لخطر وجودي...

سخر البروفيسور مارشايمر من مقولة بيرس مورغان عن تعرض الكيان لخطر وجودي في السابع من أكتوبر...

من وجهة نظر مارشايمر...

يحتاج إنهاء وجود هذا الكيان إلى قوات ضخمة تتفوق على كل ما يملكه هذا الكيان من قوات، سواء بالنسبة للسلاح التقليدي أو حتى أسلحة دمار شامل، ناهيك عن قوة اسرائيل التكنولوجية والاقتصادية ووقوف دول عظمى خلفها لحمايتها في حال توافر ظروف الخطر الوجودي...

بالنسبة للبروفيسور مارشايمر، حتى قوة حزب الله التي تزيد أضعافاً مضاعفة عن قوة الفصائل الفلسطينية ليست كافية لتكون خطراً وجوديا ضد الكيان...

حتى الجمهورية الإسلامية لا تشكل خطراً على وجود الكيان انطلاقاً من نفس هذا التقييم...

أصر البروفيسور مارشايمر على موقفه القائل بأن اسرائيل لا تواجه أي خطر وجودي حتى اليوم وان الحديث عن الخطر الوجودي ليس أكثر من غطاء يستر جرائم التطهير العرقي والعمل على المزيد من مصادرة الأراضي وإقامة المزيد من المستوطنات...

لكن البروفيسور مارشايمر أغفل أمرا غاية في الأهمية...

صاحب الأرض حتى لو كان أضعف بأضعاف المرات من المستعمر يستطيع أن يكون خطراً وجوديا بمجرد أن لا يقبل بالأمر الواقع وأن ينتفض...

هذا ما حدث فعلاً في السابع من أكتوبر...

لذلك شكل السابع من أكتوبر خطراً وجوديا على الكيان...

من جهة أخرى، يبدو أن محور المقاومة يؤمن بنظرية البروفسور مارشايمر إلى حد ما...

كما يبدو أن هذا المحور يعي فعلا أنه وحتى اليوم لم يستطع أن يشكل أي خطر وجودي على الكيان، ولذلك ربما تحدث السيد نصرالله عن الفوز بالنقاط وليس بالضربة القاضية...

نظرة فاحصة إلى كل هذا الكلام تظهر بشكل واضح وصريح أن لا هذه الحرب، ولا الحروب التي سبقتها شكلت أو كان يمكن أن تشكل خطراً وجوديا على الكيان، خاصة إذا ما أخذنا في الإعتبار نظرية أن الإستيطان هو أعلى مراحل الإمبريالية ولذلك ورغم فذلكة الكلام، لا يقوم الغرب ولن يقوم بأي شيء لمنع استمرار قضم الأراضي وزيادة وتيرة هذا الاستيطان...

لقد تبين فعلاً أن أكثر ما يمكن لحزب الله عمله هو الدفاع عن لبنان قدر المستطاع وربما النجاح في تحرير النقاط ال ١٣ بما في ذلك ال B1، بالإضافة إلى مساندة غزة...

حتى مزارع شبعا وتلال كفرشوبا قد لا يدخلان في المفاوضات، وهذا في المناسبة ليس أمرا سلبياً... لأن هذا ما سوف يساعد حزب الله على اتخاذ دور جبهة إسناد لغزة في أي حرب قادمة...

ضعف موقف حزب الله ناتج طبعا عن التركيبة الداخلية الطائفية والمذهبية في لبنان وفي بلاد الشام كلها...

حزب الله يمشي على البيض في هذه المنطقة، وربما هو على بعض الحق في هذا الحذر...

لقد ثبت أن مواجهة العدو الصهيوني بالمباشر أسهل بكثير من مواجهة التخلف الطائفي والمذهبي الذي يسيطر على الكثير من مكونات المنطقة...

الخطر لا يأتي فقط من سمير جعجع أو سامي الجميل أو أشرف ريفي أو فؤاد مخزومي أو غيرهم من عبدة الشيطان المذهبي وخونة القضية المركزية للأمة...

مع هؤلاء، خلفهم ومعهم، تقف البطريركية المارونية التي لم تضع على رأسها على مدى كل تاريخها رجلاً وطنياً أو قومياً واحداً...

أما عند الأرثوذكس، ورغم ظهور رجالات وطنية وقومية علمانية كثيرة في هذه الطائفة، إلا أن مطران بيروت الياس عودة استطاع في السنيين الأخيرة تلطيخ الثوب الوطني الأرثوذكسي بالكثير من صبغات خيانة أهل المنطقة وتاريخها...

ما ينطبق على رجال الدين المسيحيين، ينطبق أيضاً على الكثير الكثير من رجال الدين السنة والشيعة والدروز، وآخر أمثلة العمالة هذه ظهرت في السويداء في سوريا...

على ما يبدو لن يستطيع، وحتى لو استطاع، لن يريد حزب الله أن يفرض الوطنية على هذا الكم الهائل من الخونة والعملاء...

لهذا، نراه في كل مرة يستطيع توجيه ضربة إلى هؤلاء، سرعان ما ينسحب إلى خطوط خلفية ويسلم زمام الأمور إلى سلطة البلد الحكومية أو الأمنية، كما حصل مع فريق الكوماندوس الهولندي الذي تم كشفه في الضاحية، أو الديبلوماسي الاسباني الذي كان يقوم بتصوير أماكن حساسة هناك أيضاً أو دورية اليونيفيل التي "ضلّت" الطريق من الجنوب إلى بيروت فدخلت إلى الضاحية...

كل هؤلاء كشفهم جهاز الأمن في حزب الله واكتفى بتسليمهم إلى السلطة التي قامت بدورها بتسليمهم إلى بلدانهم استجابة إلى ضغوط تخضع لها سلطات العهر التي حولت البلد إلى خمارة دعارة لما يريده الغرب...

حتى الآن يبدو أن حزب الله بكل ما يملك من مقدرات؛ وإيران التي تتطور إلى الأمام بخطوات جبارة كل يوم لا يستطيعان تهديد وجود الكيان...

وحده الشعب الفلسطيني يشكل هذا التهديد بمجرد أن يبقى ولا يقبل التهجير...

لهذا تم الحديث عن خطر وجودي في السابع من أكتوبر...

صحيح أن الكيان يستغل أي ظرف غطاء لعمليات ترانسفير، وقضم مزيد من الأراضي من أجل مزيد من المستوطنات...

لكنه يقوم بهذا العمل في كل الأحوال، وفي كل الظروف...

لقد استطاع بعد أوسلو زيادة عدد المستوطنين من مئة ألف إلى حوالي ثمانمائة ألف مستوطن في الضفة...

لذلك أثار استيقاظ أهل الأرض الذعر في الغرب حين وجهوا تلك الضربة التي أتت من حيث لا يحتسبون...

كان الجميع ينام على حرير موت الشعب الفلسطيني فإذا بهذا المارد يقوم من تحت الركام وينسف كل خطط التطبيع والخط الهندي وحفر قناة بن غوريون...

لا بل إن الفصائل الفلسطينية تغدت بالاحتلال قبل أن يتعشى هو بها وفقا لما ذكره النائب الأسبق نجاح واكيم حول هجوم كانت سوف تقوم به اسرائيل بتمويل ومساندة من دول عربية تريد التخلص من الفلسطينيين وتطمح أن تكون جزءًا من الخط الهندي الأوروبي هي نفسها...

لو كان الذي نفذ هذه العملية أي تنظيم آخر من غير الفلسطينيين، لما شكل هذا الأمر أي خطر وجودي...

لكن أن تكون الفصائل الفلسطينية هي وراء هذا العمل، وان تستطيع الصمود كل هذا الوقت ولا تتوقف عن القتال أو تستسلم كما فعلت منظمة التحرير في بيروت سنة ٨٢؛ هذا الأمر وحده هو ما يشكل خطراً وجوديا على الكيان...

ما يزيد من هذا الخطر الوجودي على هذا الكيان هو أن صمود الفلسطينيين يجري بموازاة خيانة عربية وإسلامية شاملة من كل النظام الرسمي العربي والإسلامي، ودخول كل الشعوب العربية والإسلامية في حالة موت سريري إلى درجة أن هناك شكوك مشروعة حول مدى حيوية هذه الشعوب أو ما إذا كان هناك دم يجري فعلا في شرايين الأمتين العربية والإسلامية...

صحيح أن الأمر لا يمكن أن يخلو من وجود عميل صغير هنا او خائن هناك على طول وعرض قطاع غزة، إلا أن اهل غزة بالإجمال أثبتوا أنهم رجال في أمة توقفت منذ مدة عن ولادة الرجال فيها...

لقد فهم الفلسطيني حقيقة الصراع...

لم يعد مستعدا لترك الأرض والهرب إلى بلاد العرب الأخرى...

عرف الفلسطيني أن حياته لا يمكن، ولا يجب أن تكون خارج تلك الأرض...

لذلك خرج ذلك الطفل المارد من خلف الدمار يتحدى كل العالم...

يتحدى خصوصاً العرب الذين يريدون بيع القضية...

عرف الطفل ما يعرفه اليوم كل رجال ونساء غزة، كل شبابها وبناتها...

هؤلاء وحدهم هم من سوف يحمل الراية حتى يتم تثبيتها على كل قمم هذا الوطن...

"نحن أبطال، نحن غزة اليوم... غدا، سوف يخرج أهل الضفة...

وبعدها، يخرج كل فلسطيني...

لقد بدأت حرب التحرير ولن تتوقف إلا بعد طرد المستعمر وكل كلاب الرجل الأبيض...

حليم الشيخ محمد

المصدر: موقع إضاءات الإخباري