كتب الأستاذ حليم الشيخ: الهدنة، كأس سم. من سوف يتجرعه؟
مقالات
كتب الأستاذ حليم الشيخ: الهدنة، كأس سم. من سوف يتجرعه؟
حليم الشيخ
11 آذار 2024 , 19:11 م

كتب الأستاذ حليم الشيخ: 

طارت هدنة رمضان...

لكن رمضان لا يزال يخبئ ما ليس في الحسبان...

من أطار الهدنة؟

اسرائيل لا تريدها لحسابات خارج مصلحة اسرائيل نفسها...

على الأقل، هذا ما باح به المسؤول الاسرائيلي إيالون على الجزيرة الإنكليزية...

إيالون، ومعه فريق من الصهيونية العلمانية يقولون إن الحرب وسيلة للوصول إلى هدف...

بالنسبة إليه، لا أحد يخوض حرباً بلا نهاية... ومصلحة اسرائيل اليوم تقوم على إنهاء هذه الحرب والانتقال إلى حل الدولتين كما أرادها رابين، وكما تريدها أميركا:

دولة أكبر من حكم ذاتي، ولكن بعيدة جدا من أن تكون دولة كاملة السيادة...

لهذا ربما خرج فيلم ال CNN عن مروان البرغوثي الذي قبل أوسلو مع ياسر عرفات...

يخرج في الفيلم الوثائقي يوسي بيلين يطالب بالإفراج الفوري عن مروان البرغوثي لأنه القائد الوحيد الذي يستطيع توحيد الشعب الفلسطيني من أجل "السلام"...

كأن هناك من يحضّر مروان البرغوثي لدور شبيه لنيلسون مانديلا...

قبل مانديلا بدولة ديمقراطية في السياسة، لكنه ترك الاقتصاد في أيدي الأقلية البيضاء بانتظار التطور التاريخي الذي سوف يصحح الأمور على المدى الطويل جداً...

يبدو أن الدولة الأميركية العميقة ترسم لشيء مشابه في فلسطين خوفا من تطور الأحداث وخسارة كل شيء أمام الصين وروسيا...

معسكر الصهيونية العلمانية الذي اضمحل دوره إلى درجة خروج حزب العمل من الحياة السياسية في الكيان يعرف أن مصلحة إسرائيل هي في ايقاف هذه الحرب فوراً، وقبل أن تزداد الخسائر السياسية...

كلما طال أمد الحرب، زادت الأثمان السياسية الواجب دفعها...

اسرائيل تقتل؛ ترتكب المجازر...

لكن الذي ينتصر هو فلسطين...

كما انتصر المسيح بدمه وعذاباته؛ وكما انتصر الحسين بالشهادة...

كذلك اطفال فلسطين...

كلما ارتقى شهيد، زادت قوة الروح الفلسطينية...

أنها معادلة بسيطة جداً...

عرفناها في لبنان...

عرفها المجاهدون وليس العملاء طبعا...

إنه انتصار الدم على السيف ومقاومة العين للمخرز...

تجربة مسيحية حقة، لا يعرفها عملاء مسيحيون...

وتجربة إسلامية حقة أيضاً تنكر لها عملاء مسلمون...

لكنها ثابت غير قابل للنقض لو مهما صاح العملاء من كل الأديان...

لقد خسرت اسرائيل أهم سلاح كانت تملكه: البروباغاندا...

لم يعد الكثيرون في الغرب يقبضون الهولوكوست على محمل الجد...

سقطت صورة اليهودي المظلوم الذي تعرض للإبادة من النازيين أمام بروز صورة اليهودي قاتل الأطفال والنساء والشيوخ في غزة...

لكن اسرائيل اليوم في يد الصهيونية الدينية التي لا تختلف عن داعش الإسلامية إلا بالهوية الدينية فقط...

مجموعات من القتلة والمجرمين...

لا يكترثون بما يقوله العالم...

في الكيان، كل هم الصهيونية الدينية هو إبادة الشعب الفلسطيني الذي لم تعد تستطيع أي قوة على الأرض إبادته...

هذا ما فعله السابع من أكتوبر...

الصهيونية العلمانية تحاول عبر غانتز وأيزنكوت تجرع كأس السم هذا قبل فوات الأوان.

مرة أخرى. لو كان عند الصهاينة ذرة من العقل، لقبلوا ضربة ٧ أكتوبر وقاموا باحتوائها عبر عملية تبادل سجناء دون أية تنازلات سياسية...

كان العالم كله يمشي كالأعمى خلف البروباغاندا التي انطلقت في السابع من أكتوبر في تصوير حماس كما داعش...

لكن نتنياهو وبن غافير وسموتريتش كانت لهم رؤية أخرى تقوم على اقاصيص توراتية من زمن الخرافات الدينية؛ كل واحد فيهم ينظر إلى ما حدث وما تلى من وجهة نظر مصلحته الشخصية كما عند نتنياهو، أو وفق الخرافة الدينية التي تريد استمرار الحرب بأي ثمن اعتقاداً منهم أن هذه الحرب تفتح الآفاق لابتلاع غزة والضفة وتحقيق الدولة اليهودية بانتظار مسيح ما...

إذا لم يمش بايدن، فإن ترامب سوف يمشي بنظرهم...

الصهيونية الدينية سوف توافق على الهدنة في حالة واحدة... في حالة واحدة فقط...

ليس عندما تعتقد أنها هزمت...

بل عندما تهزم فعلا في الميدان...

لكن القرار خرج منذ زمن بعيد من يد الصهيونية العلمانية...

حتى غانتز لم يعد قادرا على تحدي الصهيونية الدينية والسير بالمؤامرة على الطريقة الأميركية، وكما يريد بايدن...

الصهيونية العلمانية قد تكون على الكثير من القوة في الدولة العميقة في أميركا والغرب...

لكن الصهيونية الدينية قوية جدا في الكيان، إضافة إلى قوة تستند إلى المسيحية الصهيونية المتمثلة بالمحافظين الجدد...

هؤلاء هم من يدعم وصول ترامب إلى الرئاسة...

لذلك لن يقبل هؤلاء هدنة إلا في حالة الهزيمة الكاملة في الميدان بانتظار وصول ترامب للعودة إلى شن حرب بلا هوادة على الشعب الفلسطيني...

في الجانب الآخر...

يضغط الوضع الشعبي بقوة على الفصائل الفلسطينية...

لذلك برز جناح في المقاومة الفلسطينية قبل بتقديم تنازلات تحت ضغط التجويع والإبادة وتأمل أن تكون مصر وقطر على شيء ولو ضئيل جدا من الشعور الإنساني والوطني والقومي...

لكن هؤلاء لم يتعلموا من أوسلو شيئا على الإطلاق...كلما تنازلوا هم خطوة، طالبتهم اميركا بخطوتين أخريين...

حتى صار ظهرهم الى الحائط...

لكن فريقا آخر في المقاومة المجاهدة الاستشهادية انتفض أخيراً وضرب على الطاولة...

هذا الفريق الذي قام بالتخطيط للسابع من أكتوبر بنى أيضاً على أسوأ الاحتمالات...

في أسوأ الأحوال سوف تستشهد تلك القيادة...

لكن هذه الشهادة بحد ذاتها سوف تكون نصرا عظيما للشعب الفلسطيني...

سوف يتحول يحي السنوار ومحمد الضيف ومروان عيسى إلى أيقونات ليس فقط للشعب الفلسطيني، بل للعالم كله...

طرح السؤال الآتي:

هل يقبل حزب الله بسقوط المقاومة الفلسطينية؟

هل يقبل أنصار الله؟

لقد فعلتها الفصائل العراقية يوم خانت العهد كما حصل مع الحسين قبل الف وأربعة مائة عام...

الخاسر الأكبر لم تكن فلسطين؛ بل الفصائل العراقية نفسها التي أدخلتها الجماهير إلى حافة مزبلة التاريخ إلى أن استفاقت على الخطيئة الكبرى وها هي تعترف بأن فلسطين هي كربلاء العصر الحديث وان الوقوف مع فلسطين لا بد منه...

أنصار الله أثبتوا أنهم ليس من يبيع ويشتري في قضية حق ساطع...

بل إن أنصار الله غضبوا عن حق من مناورات بعض الإنهزاميين الذين قدموا تنازلات ما كان يجب تقديمها للمفاوضين المصري والقطري...

أنصار الله هم أكثر من يعرف أن "بعض العربان أشد كفرا"...

لذلك تعهدوا لمجاهدي فلسطين أن سلاحهم لن يسكت ما دام في غزة نبض يقاوم...

حزب الله الذي راعى كثيرا بطرك الموارنة ومجموعة من مطارنة هرتزل في لبنان خلص إلى أن واجب المقاومة في الميدان لا تحدده عمالة سامي الجميل أو شطحات جبران باسيل الساعي إلى استعادة وزن ما عند الاميركيين...

سمع حزب الله ما تلفظ به سعد الحريري من خزعبلات العصر السعودي الغابر...

لكن الحزب يعرف أن قلوب أهل السنة في لبنان هي مع غزة...

حتى الدويري على الجزيرة لم يعد يتفوه بالخرافات الخزعبلاتية التي سيطرت على عقله ايام الخيانة العربية العامة لسوريا...

العملاء في لبنان كثر...

منهم السعودي الهوى، ومنهم الإماراتي التمويل...

ومنهم من يكره حزب الله حتى لو زكاه رب العالمين كما بعض جهابذة الكويت الذين سقطوا يوم حاولوا إسقاط سوريا...

لكن حزب الله حسبها جيداً...

لن يكون أضعف من (ماو تسي تونج) أمام عملاء أميركا...

كما انتصر ماو على العملاء، يستطيع هو الإطاحة بعملاء لبنان...

في النهاية، حزب الله يعي جيدا أن العمالة ليست وجهة نظر...

هؤلاء عملاء بالفعل والموقف...

لكن الحزب يعرف أنه لا يستطيع التنكر لمعركة الأمة من أجل بطرك أو مطران أو شيخ خرف لم يعودوا يعرفون المصلحة الوطنية...

ما قاله محمد رعد لميشال عون بعد تخريفة عدم وجود اتفاقية دفاع مشترك مع غزة ربما أعادت بعض الرشد إلى رأس الجنرال العجوز...

الأرجح أن هناك من أفهم الجنرال أن هناك من يقوده إلى مزبلة التاريخ وان الحزب حريص على تفادي هكذا نهاية له...

هل سيقبل حزب الله هزيمة المقاومة الفلسطينية خاصة إذا ما اتخذت هذه المقاومة قرارا لا رجعة فيه بالقتال حتى النصر أو الشهادة...

في هذه الحالة من شبه المؤكد أن لا يتوانى حزب الله عن دخول الحرب...

غزة اليوم في قلب الحرب المفتوحة...

ما يفعله الغزاويون هو تماما ما فعلته المقاومة الفلسطينية ايام قرر شارون الخروج من غزة...

كان الإسرائيلي يسيطر على غزة في النهار ويخسرها في المساء لصالح المقاومة...

لقد حول غيفارا غزة تلك الأحياء إلى احجية حرب الشعب طويلة الأمد...

هذا ما يدور اليوم في غزة...

ربما لا تستطيع المقاومة قصف تل أبيب بعد اليوم...

ربما لن تستطيع قصف غلاف غزة غداً...

لكنها سوف تقاتل في كل مكان...

سوف يخرج مقاتل من خلف حبوب ركل الصحراء ليضرب جندياً احدودب من ثقل المعدات...

غزة دخلت الحرب الشعبية طويلة الأمد...

كيف سوف تتطور بقية الجبهات؟

كل من يتخلى عن غزة سوف يدفن في قبر مزبلة التاريخ...

ربما آن الأوان لكي تبني إيران قنبلتها النووية...

لكن الاكيد أن أية هدنة لن تطول...

أنها حرب طويلة سوف نفقد فيها الآلاف يومياً...

لكنها حرب نهاية إسرائيل...

على الأقل،

هي حرب دولة واحدة لكل من لم يرتكب جرائم حرب...

دولة المساواة الكاملة...

إذا كان شعار المؤتمر الوطني الإفريقي في جنوب إفريقيا قبل التحرير هو:

One-man, One vote...

فإن شعارنا في فلسطين يجب أن يكون المساواة في الحقوق والواجبات لكل من يسكن أرض فلسطين التاريخية، وحق العودة لكل فلسطيني الشتات...

فلسطين ربحت نفسها وربحت العالم، رغم انف البطرك وأنف الياس عودة وأشرف ريفي وجماعات التكفير...

لقد بدأت حرب التحرير ولن تنتهي قريبا مهما بلغت الأثمان ومهما جرى من جرائم...

لقد انتصر الدم الفلسطيني على سيف الإمبريالية الأميركية، تماما كما انتصر دم السيد المسيح على ظلمات تجار الهيكل وأسيادهم الرومان...