كتب الأستاذ حليم الشيخ: نظرة أولية إلى تظاهرات أوروبا الفلسطينية
مقالات
كتب الأستاذ حليم الشيخ: نظرة أولية إلى تظاهرات أوروبا الفلسطينية
حليم الشيخ
17 آذار 2024 , 21:04 م

كتب الأستاذ حليم الشيخ: 

يتفاوت اهتمام الشاشات العربية بالتحركات الشعبية التي تحصل في مدن أوروبا وأميركا...

شاشات التطبيع وما يسمى زوراً اعتدال عربي، تحاول تقزيم تلك التحركات أو في احسن الأحوال عدم التركيز عليها وما تحمله من انعكاسات وتأثيرات...

شاشات ال "ما بين بين"، تكون حماسية أحياناً، ولا مبالية أحياناً أخرى دون محاولة دراسة هذه التحركات ورسم آفاقها وما قد يحيط بها من خطر استخباراتي، أو ما يجب أن تكون عليه في شعاراتها...

شاشات محور المقاومة تهلل كما العادة، وقد تصل بها المبالغة إلى تصوير الأمر وكأن الشارع الأوروبي أو الأميركي بات في جيب تأييد حقوق الفلسطينيين بالمطلق...

هذه الشاشات تنقل هذه التحركات بحماسة تنذر بوجود احمد سعيد آخر في هذه المرحلة يشبه احمد سعيد الجبهة سنة ٦٧...

هنا يجري الحديث حصراً عن قناتي المنار والميادين مع وجود فارق كبير لناحية التناول العلمي للأمور أو البعد الديني لها في هاتين القناتين...

وحدها الجزيرة ربما تقف في الوسط بين شاشات ال ما بين بين وشاشات محور المقاومة...

يعود هذا على الأرجح إلى ضياع تيار الإخوان المسلمين بين الأجنحة المتعددة داخل هذا التيار، حيث يتراوح الفرق بين هذه التيارات من أقصى اليمين التكفيري الداعشي إلى أقصى اليمين الديني الذي يرى في فلسطين مسألة دينية قبل أن تكون مسألة وطنية أو قومية...

أولا، وقبل اي شيء آخر، يتوجب تحذير المشاركين في تلك التحركات من المناضلين السابقين أو اللاحقين من وجود مخابرات عربية وغربية وصهيونية داخل هذه التحركات تحاول اختراق من يرفع شعارات معينة قد تخص هذه الدولة أو تلك...

في احدى المظاهرات مثلاً، لاحظت اهتمام بعض المشاركين برجل حمل لافتة تقول إن ما دفعته أوروبا وأميركا لاسرائيل خلال ٧٥ سنة يزيد على خمس مائة مليار دولار، وكان مع الرجل بيان اقتصادي تفصيلي يريه لكل من يشكك في هذه الأرقام...

لاحظت، ربما بسبب ماضي النضال في لبنان، أن ثلاثة أشخاص فرادى أو مع رفيق، قاموا بتصوير هذا الرجل بحجة تصوير اللافتة التي يحمل...

على الارجح، كان هؤلاء المصورين من المخابرات...

قلت هذا للرجل دون إثارة الذعر لديه لكنه أظهر بعض القلق خوفا من اللوبي الصهيوني عندهم...

في مظاهرة أخرى، لاحظت نفس الأمر يحصل لرجل آخر مع فتاة من المرجح أن تكون ابنته وهما يحملان لافتتين، واحدة تتحدث عن موقف اليهود التقدميين الرافض لفكرة اسرائيل الكولونيالية، وأخرى تربط القضية الفلسطينية بقضايا التمييز العنصري بشكل ذكي لا يستفز الشارع الحيادي من حيث الدعوة إلى دولة علمانية واحدة من النهر الى البحر مع مساواة كاملة لكل سكان تلك الدولة...

في مرة ثالثة، لاحظت اقتراب أناس أوروبيون يتكلمون العربية بلهجة فلسطينية ركيكة للتعرف على من يجدون عنده حماسة ( زائدة )...

يجري أحياناً تبرير ذلك بزواج مختلط اوروبي فلسطيني حيث لا يعرف الكثيرون أن جماعة محمد دحلان أو السلطة الفلسطينية أو النظام الأردني يستطيعون تقديم فلسطينيين أو فلسطينيات للعب ادوار مخابراتية في التجسس على الجاليات العربية عموماً، والفلسطينية خصوصاً...

لكن أهم الملاحظات على الإطلاق، هو أن قيادة بعض الفرق في هذه المظاهرات تحوي أناس يرددون شعارات قد تستفز المحيط الشعبي الأوروبي الذي يتعاطف مع الفلسطينيين، ولكنه يرى وجوب وضع النضال الأوروبي ضد العنصرية واليمين المتطرف في المرتبة الأولى من الإهتمام دون إهمال قضية فلسطين...

الأوروبي يحمل هموما تخصه هو وحده ويرى أحياناً أن الفلسطينيين يخترقون نضاله بالصراخ فلا يعود يستطيع اكتساب مؤيدين آخرين لقضاياه الأوروبية...

إذا كان حزب الله يراعي ميشال عون وجبران باسيل والبطرك الراعي أو مطران بيروت الياس عودة في لبنان، وهم من هم في ميزان القضايا الوطنية والقومية رغم بعض الاختلافات بينهم؛ فمن الأجدر بنا نحن هنا في أوروبا أو اميركا أن نكون اذكياء في الشعارات بحيث يستطيع من يقرأ هذه الشعارات أن يقوم هو نفسه بربط أي شعار بما يحدث في فلسطين...

فبدلا من اختراق مظاهرة ضد العنصرية تقوم بها أحزاب قياداتها خاضعة الى اللوبي الصهيوني ولكن جمهورها بشكل عام يتعاطف مع القضية الفلسطينية بشعارات فلسطينية صافية، يمكن رفع شعار أن تأييد الحروب أو رفض وقف إطلاق النار هو موقف عنصري بامتياز...

وبدلاً من إدانة كل الأحزاب الألمانية بشكل فظ قد يكون مستفزا، ربما من الأفضل رفع شعار وجوب رفض ابتزاز ألمانيا بسبب ماض نازي لا يتحمل وزره كل الشعب الألماني...

كان لافتا لي مثلاً أن الكثيرين من جماعة الخضر أو اليسار المتعدد الوجوه في أوروبا يبدون لي تأييدهم للقضية الفلسطينية وكأنهم يريدون رؤية موقف فلسطيني غير معادي لليهود من موقع الدين أو الهوية..

الغريب أن معظم هؤلاء أتى يتحدث الي بسبب شعار ذكي رفعته، بينما لم يذهب أي منهم للحديث إلى قادة التحرك الفلسطيني ضمن المظاهرة المعادية للعنصرية...

في محاضرة له في المانيا ذهبت خصيصاً بالقطار مئات الكيلومترات لسماعها، تحدث البروفيسور التقدمي المؤيد بقوة للحقوق الفلسطينية وإبن أم وأب نجيا من المحرقة، الدكتور نورمان فينكلشتاين، حيث قال إن مشكلة القيادة الفلسطينية هي عدم إتقانها رفع شعار يؤدي إلى تجميع كل شعوب الأرض حولها...

قارن البروفيسور بين شعار المؤتمر الوطني الإفريقي،

One man, one voice

وشعار من النهر الى البحر الفلسطيني...

شعار الأفارقة يقول شيئا محددا...

هو يريد مساواة كاملة في الحقوق والواجبات لدولة واحدة...

بينما لا يقول الشعار الفلسطيني أي دولة يريد، وكيف سوف يتعامل مع الآخر داخل هذه الدولة، سواءً كان حل الدولة الواحدة أو حل الدولتين...

لذلك، ورغم أن معظم حركات المقاومة الفلسطينية الفعالة هي ذات جذور إسلامية راديكالية مختلفة اختلاف حماس عن الجهاد، ربما يجب إضافة الدعوة إلى دولة فلسطينية علمانية يتساوى فيها كل المواطنين بغض النظر عن الدين أو العرق...

ربما يجب على قادة التحركات الفلسطينية في أوروبا وأميركا الدخول في نقاشات مع القوى الفعالة في المجتمع للخروج بقوائم وشعارات مشتركة لا تنفي حق العودة وحق المواطنة للفلسطينيين بدلا من الاصطدام دوما، ساعة مع الخضر، وساعة أخرى مع اليسار ( الجديد )...

قد يكون انتصار غالاوي في بريطانيا أفرحنا كثيراً، لكن يجب الحرص على عدم استفزاز معارضي غالاوي من غير الصهاينة...

إذا كانت قيادات حزب العمال البريطاني بشكل عام صهيونية، فإن هذا الحزب أعطانا أكثر من مثل عن وجود جمهور عمالي يساري انساني، ضد الإستعمار...

جيريمي كوربين هو أقرب مثال...

لكن قبل كوربين، كان هناك أيضا قائد الجناح اليساري في حزب العمال طوني بن... بالإضافة إلى غالاوي نفسه...

ما ظهر في بريطانيا، موجود أيضاً في فرنسا وألمانيا وبلجيكا وهولندا وغيرها من دول غرب أوروبا...

أما الكتلة السابقة من دول حلف وارسو المنحل وبقايا الاتحاد السوفياتي، فينطبق عليهم قول أحد الفلاسفة الألمان في كتابه

le petit homme

الرجل الصغير...

من أن العبيد أو أشباه العبيد في الأنظمة التوتاليتارية لا يمكن أن تفرز إلا عبيدا صغاراً آخرين عند التحرر...

هذه الدول تحتاج إلى وقت طويل قبل أن تصل إلى مرحلة النضج في الإنسانية...


المصدر: موقع إضاءات الإخباري