كتب الأستاذ حليم الشيخ:
رغم التشابه الظاهر، تختلف ظروف صواريخ صدام حسين عن ظروف الرد الإيراني على إسرائيل... كما تختلف النوايا...
يحاول الكثير من المراقبين التشبيه سواء في المنطلق أو في النتائج رغم علم الجميع أن اسرائيل اعترفت بعد ثلاثين عاماً على سكود صدام بأن عدد القتلى بلغ يومها حوالي الأربعة عشر قتيلاً مع عشرات من الجرحى وتدمير بعض المنشآت...
يومها طلب جورج بوش الأب من اسرائيل عدم الرد لكي يتم بناء تحالف عربي يخرج من تحت الطاولة يقوم بتدمير العراق خدمة لأمن إسرائيل...
اليوم يطلب بايدن من إسرائيل عدم الرد لكي يساعد الكيان الصهيوني على استعادة دور الضحية مما يساعد على تنفيذ حرب الإبادة ضد الفلسطينيين بمشاركة النظام الرسمي العربي الذي لم يعد يخفي عورته حتى بورقة توت...
الحقيقة هي أن إيران كانت في مأزق يشبه مأزق حزب الله ومحور المقاومة منذ السابع من أكتوبر...
الكل يريد محاربة اسرائيل؛ لكن الكل لا يريد انتزاع ورقة النصر من الهوية الفلسطينية...
الكل يريد تدمير اسرائيل، لكن بأداة فلسطينية تقبض الثمن...
يجب أن تكون الفصائل الفلسطينية على كامل غلاف قصة تلك الحرب...
يجب استمرار مد غزة بوسائل الصمود رغم الحصار الذي يشارك فيه هذا النظام الرسمي العربي...
إذا كان حزب الله استطاع التريث والاكتفاء بدور المساندة بسبب الوضع الداخلي حيث يعارض أكثر من نصف اللبنانيين الدخول في هذه الحرب كل لأسباب تخصه، فإن إيران كانت قد وصلت إلى مفترق طرق، صار فيها عدم الرد على ضرب القنصلية في دمشق يحمل من المعاني الكثير مما يؤذي محور المقاومة وحركات التحرر والتحرير...
لذلك قرر الإيرانيون أن تكون الضربة، وان تكون هذه الضربة محدودة...
من جهة يستطيعون كشف مدى ترابط الجبهة المساندة للكيان، كما يمكن كشف مدى قوة هذه الجبهة...
ومن جهة أخرى، يستطيعون العودة إلى وضعية القوة الفلسطينية الناتجة عن السابع من أكتوبر وما كسبته هذه القوة من دعم ومساندة في الرأي العام العالمي...
وفقا لنظرية ماو تسي تونج حول تحويل الحدث السيء إلى استغلال جيد، طلب بايدن من اسرائيل عدم الرد...
أراد استغلال الرد الإيراني (السيء) على إسرائيل من أجل الاستمرار في إبادة الشعب الفلسطينى ولعب دور الضحية من جديد بسبب الرد الإيراني...
ما فعلته مجموعة السبع والاتحاد الأوروبي هو بالضبط وضع إسرائيل في موقع الضحية...؟
دور الضحية عند اسرائيل قد يساعد مؤسسات الدولة العميقة في الغرب على إعادة السيطرة على سردية الشرق الأوسط وإعادة الشعوب الأوروبية إلى حظائر الطاعة بعدما عمت التظاهرات، وجرى كسر كل الخطوط الحمر من قبل الشارع الأوروبي في تناول القضية الفلسطينية...
ثم إن عدم الرد سوف يعفي النظام الرسمي العربي الذي وقف سدا منيعا في الدفاع عن اسرائيل من الدخول مباشرة في حرب ضد إيران...
لن يكون ثمن الحرب ضد ايران وفلسطين فقط في التدمير، بل ربما حتى بقيام حركات انقلابية وعودة البرجوازية الصغيرة الوطنية أو القومية إلى الحكم من جديد بعد عزل الملوك والأمراء والرؤساء الخونة...
هل تخاف إيران من الحرب الشاملة في حال قامت اسرائيل بالرد على الرد ما سوف يستوجب ردا بدوره يؤدي في المحصلة النهائية إلى انفجار الأوضاع...؟
أجل...
إيران تعرف بعد عملية الرد أن الجهة المقابلة لها سوف تتكون من تحالف غربي كبير من أميركا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وغيرها إضافة إلى دول عربية لم تعد تخجل من التحالف العلني الظاهر مع اسرائيل ضد الفلسطينيين...
من المؤكد أن هذه الحرب الشاملة لن تكون نزهة...
سوف يلحق تدمير كبير واسع بإيران ولن تستطيع إيران أكثر من تدمير القواعد الأميركية والغربية والسفن في البحرين العربي والأحمر وربما تدمير البلدان العربية المتحالفة مع إسرائيل وتدمير اسرائيل نفسها...
هذا وارد جداً...
لكن ماذا عن التدمير الذي سوف يلحق بإيران...؟
في الضربة الأخيرة استندت إيران على مسيرات وصواريخ مجنحة مربوطة مباشرة بالقواعد الإيرانية لتعرف بالضبط أين هي نقاط القوة عند التحالف الإسرائيلي العربي الغربي...
كانت مهمة هذه المسيرات تشتيت دفاعات الخصم وكشف خرائط انتشاره في نفس الوقت...
مهمة الصواريخ المجنحة كانت في التعامل مع ما قد يستجد من مفاجآت...
أما الصواريخ الباليستية ذات القدرات التدميرية الكبيرة فقد تم توجيهها إلى بضعة أهداف محددة استطاع ما نفذ من هذه الصواريخ ضربها فعلاً...
لكن إيران ليست بغباء النظام الرسمي العربي...
الرد كان عملية فعلية تجاوزت المناورة، لكنه كان أيضاً عملية تحذير وجس نبض في الوقت عينه...
ارسلت إيران أنواعا معينة من المسيرات والصواريخ تعود إلى الأجيال القديمة والمتوسطة...
لكن من المؤكد أن المرة القادمة إذا حصلت، سوف تحمل إضافة إلى عناصر المفاجأة في الزمان والمكان عناصر جديدة في نوعية السلاح أيضاً...
أميركا أيضاً ليست غبية...
لذلك طلبت من اسرائيل عدم الرد...
صحيح أن التحالف المعادي لإيران قوي جداً...
لكن الصحيح أيضاً أن تطور الحرب لن يكون بالضرورة كما هي صورة الشعوب العربية المخدرة اليوم...
هل يبقى النظام العربي كما هو أم تقوم انقلابات وثورات؟
هل يبقى الصراع مع إيران حربا نظامية أم تتحول الى حرب شعبية يتحول فيها الشعب الإيراني إلى جماعات مقاومة تفوق ما هرب منه الاميركيون في فيتنام وافغانستان والعراق ولبنان...
القيادة الإيرانية، وقيادة محور المقاومة لا تملك اليقين في ما سوف تؤول إليه الأمور على الأرض... إضافة إلى وجود قوى التكفير والرجعية العربية واليمين وحركات الانفصال...
كل معسكر يعمل على دراسة الموجود وما يمكن أن يصير...
لكن أمرا جيدا على الأقل قد حصل...
خرجت إيران من قيود حسابات الربح والخسارة منذ قررت الانتقال من الصبر الاستراتيجي إلى الفعل الحاضر...
حكام إيران يختلفون عن النظام الرسمي العربي من حيث جذورهم الشعبية وإيمانهم بالله ورسوله وحتمية انتصار الحق إذا كان وراءه من يطالب...
قد لا يريد الكثيرون أن تتجرأ اسرائيل على الرد على الرد...
لكن المؤكد أن الشعب الفلسطيني، والشعوب المقاومة في المحور تتمنى أن يخطئ الكيان في الحساب ويقوم فعلاً برد يسير بالمنطقة نحو الثورة الشاملة...
منذ بضعة سنين، اضطرب الوضع في مضيق هرمز، فارتفع برميل النفط من ٧٠ إلى ١٤٠ دولارا...
ماذا سوف يحصل إذا نشبت الحرب الشاملة وتم اقفال باب المندب ومضيق هرمز واشتعل البحر المتوسط حتى مضيق جبل طارق...
لن تنهار صناعتنا غير الموجودة اصلا...
الناس سوف تعود إلى الأرض للزراعة...
الكماليات سوف تنهار، وكذلك اقتصاد الغرب القائم على الاستهلاك المفرط في هذه الكماليات...
هل تعود روسيا إلى اجتياح كل الأقاليم ذات الأقليات الروسية، في البلطيق ورومانيا وغيرها...؟
الا يمكن أن تضحي الصين ببضعة تريليونات مقابل استعادة تايوان وفرض السيطرة على بحر الصين...؟
الآن نخضع إلى نظام رسمي يتسبب في انهيار الهوية العربية...
لولا القرآن، لكانت الحضارة العربية قد اختفت بسبب البهائم التي تحكم العالم العربي....
إذا أردنا أن يكون لنا وجود، يجب استعادة فلسطين لنعود الضلع الثالث في مثلث الشرق الأوسط بدل أن نكون البغل الذي يركب على ظهره الباقون...