مهمة أردوغان الجديدة لتصفية القضية الفلسطينية
مقالات
مهمة أردوغان الجديدة لتصفية القضية الفلسطينية
نضال بركات
23 نيسان 2024 , 20:08 م


كتب الأستاذ نضال بركات:

بعد فشل ضغوطهم على المقاومة لإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين لديها إلا وفق شروطها، أوكلت المهمة إلى أردوغان الإخواني للضغط على المقاومة عبر خطة في مقدمتها نزع سلاح المقاومة، وهنا يكمن الفخ الأكبر لتصفية القضية الفلسطينية.

التحول الجديد لأردوغان لرعاية هذا الاتفاق خطير جداً رغم ما رافق اللقاء مع قادة المقاومة في استنبول من شعور بالاطمئنان والحديث عن وقف دائم لإطلاق النار وإطلاق سراح الأسرى وإدخال المساعدات الإنسانية، وتأكيد أردوغان أن تركيا ستواصل مساعيها الدبلوماسية للفت أنظار المجتمع الدولي إلى الظلم الذي يتعرّض له الفلسطينيون، إضافة إلى أهمية وحدة الصف الفلسطيني في التحرّك خلال هذه المرحلة، وتأكيده أن إقامة دولة فلسطينية مستقلة هو “مفتاح السلام الإقليمي وتحقيق سلام دائم في المنطقة”، هذه هي العناوين الأساسية التي تحدثت عنها وسائل الإعلام، لكن الخطورة الأساسية ما كان صرَّح به حقان فيدان وزير الخارجية التركي بعد اللقاء مؤخراً في قطر مع قيادة المقاومة عن الخطة التركية وأكد أنهم يقبلون بها والمقاومة لم تعلق عليها، وتتركز حول ضرورة قيام دولة فلسطينية ضمن حدود 1967 والاعتراف بـ “إسرائيل” والتخلي عن الكفاح المسلح والتحول إلى حزب سياسي.

هذا التحول الجديد ليكون أردوغان عرَّاباً للاتفاق بدلاً من مصر وقطر اللتين كانتا تقودان المفاوضات هو لإعادة الدور الإردوغاني إلى سابق عهده كزعيم إخواني قاد المنطقة إلى الخراب لإيصال الإخوان إلى الحكم، وهو ما فشل به بعد صمود سورية، ولكن الولايات المتحدة التي تدعم “إسرائيل” بالسلاح وفي المحافل الدولية للتغطية على مجازرها في قطاع غزة لا مشكلة لديها من استلام أردوغان هذا الملف من أجل إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين الذين هم بقبضة المقاومة، وذلك عبر خطة تركية ليست بعيدة عنها في إطار مفاوضات لن توصلهم إلى شيء مثلما كانت تمارسه تل أبيب على السلطة الفلسطينية بعد اتفاق أوسلو عام 1993.

إن المرحلة المقبلة ليست بالسهلة فهي معقدة وأردوغان لم يكن في كل استعراضاته وأحاديثه عن دعم الفلسطينيين إلا لكسب تأييد مناصرين له، أما الحقيقة فهي كانت تواصله الدائم مع قادة الاحتلال، وتزويد “إسرائيل” بكل احتياجاتها اليومية خاصة الغذائية منذ السابع من أكتوبر الماضي في الوقت الذي تواصل “إسرائيل” مجازرها في قطاع غزة وتمنع دخول المساعدات الغذائية إلى سكانه فكيف يمكن الوثوق به؟

بالتأكيد لا يمكن الوثوق به لأنه يحاول تعويض خسارة حزبه في الانتخابات البلدية مؤخراً عبر تصريحاته الرنانة الداعمة للفلسطينيين، فهل تعرف حركة حماس إلى أين سيصل بها أردوغان؟ وهل نسقت خطوتها مع التنظيمات الفلسطينية المقاومة الأخرى في القطاع كالجهاد الإسلامي وأيضا مع محور المقاومة؟

يبدو أننا في مرحلة جديدة مختلفة، ونتمنى أن لا تقع المقاومة في الفخ وتتخلى عن سلاحها في إطار خطة لا يمكن الوثوق بها لأن العدو يعرف كيف يدير اللعبة للوصول إلى هدفه وتصفية القضية الفلسطينية التي كانت قد عادت بقوة المقاومة إلى المربع الأول من أدراج النسيان، وما تسعى إليه “إسرائيل” بعد التخلص من سلاح المقاومة هو لعبة التفاوض الطويلة بشأن مطالب الفلسطينيين، والفيتو الأمريكي في مجلس الأمن يؤكد هذه الحقيقة، والاعتراف بالدولة الفلسطينية يكون فقط عبر مفاوضات مباشرة بين “إسرائيل” والفلسطينيين وبالرعاية الأمريكية  وهذا يعني استحالة قيام هذه الدولة التي منذ اتفاق أوسلو عام 1993 لم تر النور ولن تراه مهما كانت المفاوضات طويلة.

إن جميع الوقائع تؤكد أن تحرك أردوغان جاء عبر إيعاز مباشر من واشنطن وتل أبيب ليكون العراب لهذا الاتفاق نتيجة للعلاقات القوية التي تربطه مع الحركة وجذور الجانبين التي تعود للإخوان المسلمين، وبالتالي فإن الأخيرة إذا لم تنسق مع بقية الفصائل الفلسطينية سينعكس ذلك في الميدان على جميع فصائل المقاومة ويجعلهم في موقع الضعيف الرافض لهذا التنازل، ويجعل وحدة فصائل المقاومة عرضة للانقسام ويدفعها للتنازل وهذا هو الأخطر على وحدة الصف الفلسطيني.

لا نريد أن نستبق الأمور وما نتمناه هو عدم الوقوع في الفخ لأن خطة  أردوغان  أبعد وأعمق من كل ما رشح عنها، فهل يريد أردوغان العودة إلى قيادته للمشروع الإخواني في المنطقة؟.. وهل تسلم الحركة ذات الجذور الإخوانية مفاتيح قوتها لأردوغان؟.. أسئلة خطيرة يمكن أن تنعكس خراباً ليس على القضية الفلسطينية وإنما على جميع الدول التي لاتدور في الفلك الأمريكي، والواضح هو أن المرحلة المقبلة ستكون حبلى بالمفاجآت.

نضال بركات

المصدر: موقع إضاءات الإخباري