كتب الأستاذ حليم الشيخ:
بين ورقة فرنسية في لبنان، وورقة أميركية في غزة، ينتشر البلان وسط الحقول...
لا يمكن لأي كان أن يقفز من فوقك، إلا إذا أنت انحنيت...
كلما انحنيت أكثر، زاد القفز من فوقك...
كلمة القفز هنا بالتأكيد مجازية...
أنها لغة الآداب في عالم "قلة الأدب"...
لا يريد أحد وصف الوضعية كما يجب...
"القاعة فيها بنات، طب وفلسطين ما فيهاش بنات بردو.."
أهمية وجود قيادات من نوعية يحي السنوار أو السيد عبد الملك الحوثي أن هناك من لا يريد الاكتفاء بتخريب الديكور، وهو قادر على تخريب كل النظام العالمي...
لقد أثبت الإثنان أنهما فعلا لا قولاً، ليسا أضعف من فيتنام أمام نفس الجبروت الأميركي...
ليس في الأمر ملامة توجه إلى اي كان...
كل يحسبها كما يريد...
منهم من يتحدث بالواقعية، ومنهم من لا يريد نسف النظام العالمي الذي نعيش فيه من الأساس...
ربما يعتقد هذا البعض أن الأميركيين سوف يرضون إعطاء مكان تحت الشمس لمن يفكر بواقعية "أميركية"...
لكن "كيف ما برمتها، يصل المرء الى نفس النتيجة":
هذا العالم المجنون يستحق النسف من أساسه...
مرة أخرى يجد المرء نفسه حائرا بين منطق الثورة ومنطق الدولة...
لكن كلما أمعن المرء في النظر إلى الواقع وتحقق من الوقائع، تزيد درجة غليان الدم...
منذ أن حول القس الألماني مارتن لوثر طلب الإصلاح في الكنيسة إلى نظرية التدخل في عمل الرب، خرّب العالم القديم الفاسد ولم يبن عالما جديدا صحيحاً...
كل ما فعله ذلك القسيس السيء الذكر أنه أنتج لنا اخر ابداعات الشيطان المتمثلة بالمسيحية الصهيونية...
لن يصلح هذا العالم إلا بعد تنظيفه من لوثة الجهل والفساد...
عودة إلى البدء...
أهمية السنوار والحوثي تنطلق من رفضهم الخضوع لواقعية هذا النظام العالمي الظالم...
لا أميركا تعني لهم شيئا، ولا فرنسا ولا الغرب ولا الصين ولا روسيا، بل ولا حتى تركيا أو إيران...
حزب الله مثلا يحسبها كثيرا...
هو بارع في الحسابات...
الدليل أنه يصعد إلى درجة التفجير... لكنه لا يفجرها...
هل ينتظر حزب الله الوقت المناسب..؟
لا يريد المرء ظلم حزب الله...
لكن مرة أخرى يجد هذا الحزب نفسه في موقع مقدرة الكبار، فيقف في موقع الحائر...
قد نشكره في المستقبل لأنه رغم قدرته على تفجير العالم لا يقدم على هذا، رغم أن الكفر يكاد يدفعنا إلى طلب تفجير العالم وليقع الهيكل على رؤوس الجميع...
المضحك المبكي أن أحدهم طلب من محمد بن سلمان على فودكاست الميادين بتوحيد العرب...
ليست هي المرة الأولى التي تقع فيها الانتلجنتسيا العربية في امل طلب "الدبس من طيز النمس"...
سبقه إلى ذلك الكاتب الصحفي اللبناني جوني منير الذي وضع محمد بن سلمان في موقع افضل من جمال عبد الناصر في القومية العربية!!!
رغم عدم نجاح جمال عبد الناصر فيما صبا اليه، إلا أن الرجل كان يحمل ضميرا لا يحمله معظم من يسمون أنفسهم قادة هذا العالم العربي السيء الحظ...
السلطة الفلسطينية تغتال المناضلين تحت (ضغط!) سلطة الإحتلال الاستيطاني...
فعلت هذا قبل طوفان الأقصى، وتفعل هذا كل يوم في الضفة...
الحمد لله الذي حصل الخلاف بين فتح وحماس وتم طرد السلطة من غزة والا كنا الان نحارب السلطة العميلة بدل محاربة سلطة الاحتلال والاستيطان...
في لبنان عندنا من هذا الصنف الكثير...
عندنا تكفيريون إسلاميون، كما عندنا تكفيريون مسيحيون...
هؤلاء التكفيريون لا هم عندهم سوى محاربة الرافضة عند الأولين، ومحاربة الشيعة عند الآخرين...
هذا ما تبجح به سمير جعجع أمام الشاشات...
مورد هؤلاء واحد...
أنه الشيطان الأميركي الذي يتعامل معه حزب الله بتقنية حياكة السجاد أيضاً...
هل هي شطارة أن لا تضرب عدوك اللدود الذي تعرف أنه يتحين الفرص لضربك...
ربما...
حزب الله يعرف أن اميركا تستطيع جعل حياة اللبنانيين جحيما وقد فعلت ذلك أكثر من مرة...
أوصلت البلد إلى أبواب جهنم، ثم جلست تفاوض عن بعد من أجل مكتسبات نعرف جميعا أنها ضد مصلحة الأمة...
من يقرأ الورقة الفرنسية المقدمة إلى حزب الله لا يضحك كثيراً...
ليس لأن الورقة تنتمي إلى عالم الاحلام الصهيونية في إعادة لبنان الى زمن قوة لبنان في ضعفه التي جعلت منا دابة للركوب لمن يريد...
بل لأن الأميركيين يطلبون من لبنان أقل مما تطلبه الورقة الفرنسية...
طبعاً، ما يفعله الاميركيون ليس حبا بلبنان بل معرفة أن ضغط حزب الله يستطيع تفجير الشرق الأوسط وهذا ليس من مصلحتهم طالما أن اسرائيل يمكن أن تسود هذا الشرق من وجهة نظرهم...
هم لم يتوقفوا عن الحديث مع محمد بن سلمان في هذا الأمر، والرجل لم يرفض لهم مطالب كثيرة قبلا، والأرجح أن لا يرفض لهم هذه الطلبات الجديدة...
كل ما في الأمر أن الرجل أقل انحناء ربما من غيره من النظام الرسمي العربي...
إذا قيست الأمور كما يجب فمن الصعب القول أي من قادة العرب هو الأسوأ...
الكل فيه من السوء ما يجعله جديرا بلقب خيانة الأمانة التي يحمل... بدءا بمحمد بن سلمان وصولا الى محمود عباس مرورا بكل ما أنتجته البشرية من طفيليات واعشاب ضارة وسط السنابل حتى طغى البلان على كل شيء...
والبلان له على الأقل إفادة، لكن حين تولع فيه النيران...
تقول بعض أوساط حماس أن الورقة الأميركية الأخيرة غير سابقاتها...
ربما...
وصلت النيران إلى أميركا...
فلسطين قد تتسبب بسقوط الإمبراطورية الأميركية...
وحدهم الإنجيليون الجدد في أميركا من بقي ينظر لقتل الهراطقة من العرب والمسلمين...
وحدهم أحفاد ذلك القس الانجيلي الألماني وأتباعه من لا تعجبهم تعاليم المسيح الذي أتى ويريدون مجيء مسيح آخر من فصيلة مصاصي الدماء والقتلة...
اليس هؤلاء من أباد مئات الملايين من البشر في اميركا واستراليا..؟
اليس هؤلاء من ارتكب المجازر في آسيا وأفريقيا باسم حضارة الرجل الأبيض...
اليس هؤلاء من أفنى ثلث سكان أوروبا في حروب دينية أكثر فظاعة من كل ما ارتكبته داعش والنصرة ومن لف لفهما..؟
الضغط الذي يمارس على حماس بالتهديد بمزيد من الدماء الفلسطينية يجب أن لا يحجب عن الأنظار أن دماء أكثر سوف تسيل إذا خضعنا للابتزاز...
لقد تجرأ السنوار ومحمد الضيف وربما الشهيد مروان عيسى وضربوا وكر الأفاعي...
هذه الأفاعي كانت تنمو وسط الفلسطينيين وكانت سوف تلتهم الاطفال عاجلا ام آجلا...
كان لا بد من ضربها...
نفس التهديد يصل الى حزب الله الذي ينظر من حوله فيجد مجتمعا لا ينتمي بما يكفي إلى أدوار البطولة...
يجد خونة وعملاء لا يقلون جبنا ونذالة عن السلطة الفلسطينية في الضفة...
يجد كميات من أحفاد الجاهل بن تيمية أو سعيد عقل (الاسرائيلياني)...
لكن قدرة اولاد الكلب هؤلاء على الحركة سوف تزيد كلما تأخرنا عن ضرب رأس الأفعى...
ورأس الأفعى هي اميركا...
كيف يجب أن تجري الأمور؟
على الأقل، بالبدء بوضع كل هؤلاء في موقعهم الصحيح، موقع أعداء الأمة والتاريخ...
لذلك يتقدم علينا الحوثي خطوة في سباق يجب أن نظل فيه بين الاوائل...
حليم الشيخ