استبقت فصائل المقاومة الفلسطينية، التوغّل الذي قام به جيش العدو شرق مدينة رفح، جنوب قطاع غزة، بسلسلة من الاستهدافات الدقيقة التي طاولت نقاط تمركزه، سواء عند معبر «كرم أبو سالم» الذي انطلق التوغّل من جهته، أو على «محور نتساريم» في وسط القطاع، والذي احتفظ فيه جيش الاحتلال بتواجد يفصل شمال غزة عن جنوبها، بعد انسحابه من معظم مناطق القطاع.وفي خلال الأيام الماضية التي سبقت التوغّل البرّي في رفح، اعترف جيش العدو بمقتل جنديين وإصابة آخرين، في عمليات قصف تكتيكية نفّذتها كل من «كتائب القسام» و«سرايا القدس». وإلى جانب قذائف الهاون، عادت منظومة الصواريخ القصيرة المدى «رجوم» إلى المشهد. ووفقاً للمعلومات، فإن المنظومة هي نسخة تحاكي صواريخ «107» النظامية، غير أن مهندسي «كتائب القسام» أضافوا إليها تعديلات لتصبح من عيار 114. وهي مصنوعة من ذات المعادن والمواد الخام التي تُصنع منها قذائف «الهاوترز» الإسرائيلية، وأضيفت إليها تقنية التوجيه الإلكتروني للإحداثيات المخزّنة سلفاً. وبتلك المنظومة، تمكّن مقاومو «كتائب القسام» من تنفيذ عملية إغارة دقيقة استهدفت غرف القيادة والتخييم في موقع «كرم أبو سالم» شرق رفح، إذ أطلقوا، السبت الماضي، رشقة صاروخية تسبّبت بمقتل وإصابة 15 جندياً، قال العدو إنهم كانوا يقومون بمهمة حراسة المعدّات المقرّر أن تستخدمها القوات في اجتياح رفح.
ومساء الأحد، وفي الوقت الذي شهد فيه الموقف السياسي تطوّراً لافتاً بإعلان حركة «حماس» موافقتها على صيغة وقف إطلاق النار التي قدّمها الوسطاء القطريون والمصريون، دخلت الدبابات الإسرائيلية الأحياء الشرقية لمدينة رفح، بعد قصف جوي ومدفعي استمر طوال يومين. ووفقاً لشهادات ميدانية، توغّلت دبابات العدو مبكراً صباح أمس، في الجانب الفلسطيني من معبر رفح البري، ووصلت إلى «محور فيلادلفيا» على الحدود المصرية، فيما لم تتقدّم الدبابات بعد إلى أي من الأحياء والحواضر العمرانية، لكنّ القصف الجوي يتركّز في الأحياء الشرقية من المدينة، وهي قشطة والجنينة والعودة والشوكة والسلام. وتسبّب هذا القصف المركّز الذي طاول الأبنية المأهولة، باستشهاد العشرات من المواطنين. وفي مقابل ذلك، ردّت الأذرع العسكرية لفصائل المقاومة، بقصف القوات المتوغّلة بالعشرات من قذائف الهاون، فيما زعم جيش الاحتلال أنه تمكّن من تدمير سيارة مفخّخة كانت في طريقها للانفجار بالقوات المتوغّلة شرق المدينة.
الهجوم قد يوفّر لنتنياهو صورة مرضية تمكّنه من القبول بوقف النار من دون أن تسقط حكومته
حتى اللحظة، لا يمكن التكهّن بالمدى الذي ستتوسّع إليه العملية البرية في رفح، لكن الرأي الراجح في هذا السياق هو أن اقتحام الجانب الفلسطيني من معبر رفح و«محور فيلادلفيا»، والذي واكبه جيش الاحتلال منذ صباح أمس بنشر العشرات من المقاطع المصوّرة، يوفّر لرئيس حكومة العدو، بنيامين نتنياهو، صورة مرضية يمكن عقبها القبول بوقف إطلاق النار، من دون أن يتسبّب ذلك، بسقوط الحكومة، على اعتبار أن الجيش مضى في المسارين السياسي والعسكري في اللحظة نفسها. أما التقدير الآخر، الذي لا تستبعده المقاومة، فهو أن نتنياهو سيتدرّج في توسيع العملية في رفح، إلى الحد الذي ستستغرق فيه أشهراً.
وأمام ذلك، لا يبدو أن المقاومة في وراد تخفيف «الريتم» التصاعدي لعملها الميداني، إذ أثبتت هذه الحرب، أن كل تقادم زمني في مدّتها، يضاعف الخبرة الميدانية للمقاومين، ويزيد من مساحة دقة الضربات وتأثيرها البشري، وهو بكل تأكيد، المعنى العملاني لحرب الاستنزاف التي تخشاها إسرائيل. وواصلت الأذرع العسكرية طقوسها اليومية بدكّ مراكز القيادة وتحشّدات الآليات والحفارات، بالعشرات من قذائف الهاون والصواريخ القصيرة المدى ولا سيما عند «محور نتساريم». وبدا، هنا، قدر التأثير الذي بوسع قذائف الهاون النظامية الثقيلة أن تحقّقه في معادلة القتال.