أكّد المحامي الاسرائيلي إيال روزوفسكي في مقالٍ نشره بصحيفة (معاريف) العبريّة أنّ “أهداف الحرب على غزّة لم تتحقق فحسب، بل إنّ وضع الاسرائيليين بات أسوأ بكثير ممّا كان عليه بأكتوبر، فقد فُتحت جبهات جديدة ضدهم من حزب الله في لبنان، والحوثيين في اليمن، ومنهما تنطلق صواريخ باليستية وصواريخ كروز وطائرات بدون طيار، ومع مرور الوقت أصبحت إسرائيل دولة مصابة بالجذم، فقدت صداقتها في العالم، وجيشها معرّض لخطر مذكرات الاعتقال الدولية، وباتت أهّم وأعظم صديق في العالم، الولايات المتحدة، تعيد النظر في مواقفها تجاهنا، وقد تجنّبت بالفعل استخدام حق النقض ضد قرارات ضدنا في مجلس الأمن في حالةٍ واحدةٍ، وتدرس تجنّب بيع الأسلحة والذخيرة للحكومة، إذا لم تتصرف بالتنسيق معها”، على حدّ تعبيره.
على صلةٍ بما سلف، قال المحلِّل للشؤون الاستخباراتيّة بصحيفة (هآرتس)، يوسي ميلمان، إنّ “دخول الجيش الإسرائيليّ إلى المنطقة الشرقية من رفح واحتلال معبرها الحدودي، ما هو سوى تذكير بالسلوك الذي اتّسم به عدد من الحروب الماضية، إذْ يتخذ الجيش والمستوى السياسيّ الإسرائيليان إجراءات مثيرة للجدل، هدفها تكتيكيّ، لكن إسقاطاتها إستراتيجيّة، وينتج منها تراكُم المصاعب أمام التوصل إلى إنهاء الحرب”. وتابع المُحلِّل، المُرتبط بأجهزة المخابرات في الكيان أنّه “في بعض الأحيان، يتم تنفيذ الأمر عن سبق إصرار، بهدف تشويش وإحباط أيّ نتائج لا ترغب فيها الحكومة، أوْ الجيش، وفي أحيان أُخرى، تمارَس هذه التكتيكات لا لشيء، إلّا بحكم العادة المتمثلة في الرد غير الملجوم، في المطلق تقريبًا”، مُضيفًا: “كلّ مرّةٍ تقترب فيها حرب، أوْ حملة عسكرية واسعة، من نهايتها، يتصرف هؤلاء بمنطق (دعونا نسدّد ضربة واحدة أخيرة)”. وشدّدّ في مقاله، الذي نقلته للعربيّة (مؤسسة الدراسات الفلسطينيّة)، على أنّه “بالحرب الدائرة بغزة، تنفّذ القيادات العسكريّة الإسرائيليّة، تحت إمرة رئيس الأركان وبناءً على توجيهات المستوى السياسيّ بقيادة نتنياهو ووزير الأمن غالانط، إجراءات ذات دوافع سياسيّة ضيقة، وغرور، وتصوُّر زائف للكرامة الوطنية، وهي تؤدي إلى خسائر فادحةٍ”. وأكّد: “في نهاية تشرين الثاني (نوفمبر) 2023، صدر قرار بشأن إنهاء وقف إطلاق النار وصفقة التبادل، واتهمت إسرائيل (حماس) بخرق شروط الصفقة، مدّعيةً أنّها أطلقت سراح ثمانية أسرى إسرائيليين، بدلاً من عشرة، ولم تزودنا بمعلومات عن شيري بيبس وطفليها كفير وأريئيل، بعكس التزامها”. وتابع: “تعترف أغلبية رؤساء المؤسسة الأمنية والجيش الآن، وبأثرٍ رجعيٍّ، بأنّ ما حدث كان سوء تفاهم أدى إلى بقاء الأسرى ليفنوا في أسر (حماس)، كما صرّح الوزير غادي أيزنكوت، الذي عارض القرار الحكوميّ، بأنّه كان يجب الاستمرار في الصفقة، ولو بدافع الالتزام بأنّ (مَن أنقذ روحًا فكأنما أَحيا الناس جميعًا)”. وأشار إلى أنّ “هذا الأسبوع أيضًا، اتّسم الرد الإسرائيليّ بالغوغائيّة، إذ صُعقت الحكومة جرّاء ردّ (حماس) الذي حظيَ بدعم واشنطن والقاهرة، ومفاده أنّ الحركة توافق على مخطط إطلاق سراح مخطوفين على مراحل، في مقابل وقف إطلاق نار يستمر بضعة أسابيع، ويتم خلالها بلورة صيغة لوقف القتال أيضًا”. ومضى قائلاً: “رفضت إسرائيل المقترح، مدّعيةً أنّ (حماس) تحاول الخداع وإظهار ما لم يتضمنه المقترح، بهدف تأجيل دخول إسرائيل إلى رفح. حتى لو كان هذا صحيحًا، فما الذي كانت ستخسره إسرائيل لو انتظرت؟”. “بناءً عليه”، أضاف، “يتضح أنّ قرار اقتحام رفح أدى إلى القضاء على فرصة التوصل إلى عمليةٍ سياسيّةٍ، فمنذ أشهر طويلة، يتحدث نتنياهو عن رفح كما لو كانت نقطة أرخميدس التي ستحسم الحرب، يتضح اليوم، أنّ مقولاته ليست سوى ديماغوجية تهدف إرضاء قاعدته الانتخابية. فهو ليس معنيًا، لاعتباراتٍ شخصيّةٍ، بالتوصل إلى تسوية تؤدي إلى إنهاء الحرب، وهو أمر قد يؤدي لإزاحته عن الحكم.” وأوضح: “تختلف اعتبارات غالانط وهليفي عن اعتبارات نتنياهو، وهما مقتنعان بأنّ احتلال رفح وضرب آلاف “المخربين” بمثابة خطوةٍ كاسرةٍ للتوازن، ستقضي على قدرة (حماس) على الصمود، وستؤدي إلى تحرير المخطوفين، هذا ليس سوى وهم”. ورأى أنّه “وفي تناقُض مع اللهجة التصعيدية، فإنّ دخول الجيش لرفح لن يكون سوى خطوة محدودة، ورمزيّة لأقصى حدٍّ، بهدف الاستهلاك الداخليّ والعلاقات العامّة، وتمّ رفع العلم الإسرائيليّ على معبر رفح، كما لو كان الجنود الإسرائيليون يخوضون الحرب العالمية الثانية”. وأكّد: “لن يوفر الاستيلاء على رفح (صورة انتصار)، فهذه الخطوة تدل على اليأس، وتشهد على فقدان القدرة والرغبة في الحسم الاستراتيجيّ بشأن إنهاء الحرب، وإطلاق سراح جميع المخطوفين الذين ظلوا على قيد الحياة، واستلام الجثامين”. واختتم: “فضلاً عن أنّ التوصل إلى إنهاء القتال في غزة سيؤدي أيضًا لاندلاع سلسلةٍ من ردود الفعل التي تؤدي إلى وقف القتال على الحدود اللبنانيّة، وعودة المهجرين إلى منازلهم في بلدات الجنوب والشمال”، على حدّ قول المُحلل الإسرائيليّ. وفي النهاية وَجَبَ التأكيد: إسرائيل تقِف اليوم على مفترق طرقٍ إستراتيجيٍّ خارجيًا وداخليًا، وتكفي الإشارة في هذه العُجالة إلى الشتائم التي أسمعها المُشاركون أمس فيما يُسّمى بـ (يوم ذكرى قتلى حروب إسرائيل) للوزراء ولرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الذي أكّدوا له وبالصوت العالي: “أيُّها القمامة (الزبالة) اذهب من هنا، أنتَ قتلتَ أولادنا”.