السياسة الأمريكية.. الغاية تبرر الوسيلة
مقالات
السياسة الأمريكية.. الغاية تبرر الوسيلة
نضال بركات
23 أيار 2024 , 17:57 م


كتب الأستاذ نضال بركات:

إن الولايات المتحدة تستخدم في سياستها أبشع الأساليب القذرة لتحقيق مصالحها على مبدأ الغاية تبرر الوسيلة الذي تحدث عنه الفيلسوف الإيطالي ميكافيلي في كتابه ( الأمير) لذلك قيل ( لا أخلاق في السياسة ) وهذا المبدأ قد يختلف بين فترة وأخرى تبعا للمصالح التي تريد واشنطن تحقيقها سواء كان ذلك عبر فوضى تدعمها واشنطن للتخلص من أنظمة لا تريدها وتقف عثرة أمام تحقيق مصالحها من خلال شعارات زائفة كالديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان أو كان عبر الإرهاب المنتشر في المنطقة والعالم من خلال تنظيمات مختلفة تدار بغرف سوداء خدمة لمصالح الغرب و”إسرائيل” بإسلوب يتقنه مفكرون يتفنون في استخدام الشعارات لتمرير الباطل عبر مفكرين كبار يتفننون في استخدام الحقائق لتمرير الباطل، وهذا ما تشرف عليه المخابرات الأمريكية ( CIA ) من خلال التنظيمات الإرهابية التي شكلتها في أمريكا اللاتينية، والمنظمات الإرهابية (الجهادية) في أفغانستان في النصف الثاني من القرن العشرين إلى التنظيمات الإرهابية كداعش وجبهة النصرة في سورية و العراق.

إن الولايات المتحدة أكبر مخرب للقواعد الدولية والنظام الدولي، لقد قوضت الهيمنة وسياسة القوة اللتان تنتهجهما واشنطن، النظام العالمي، وهددتا السلام البشري، وتسببتا في عواقب وخيمة على العالم، وبالتالي أصبحت تلك الهيمنة والسياسة التحدي الأكبر لتقدم المجتمع البشري والحضارة، وكذلك التنمية السلمية, وهذا ما أكده الكاتب الأمريكي ويليام بلوم في كتابه “الديمقراطية أشد الصادرات الأمريكية فتكاً” إنه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، سعت الولايات المتحدة للإطاحة بأكثر من 50 حكومة أجنبية، معظمها منتخبة ديمقراطياً، وتدخلت بشكل صارخ في انتخابات ديمقراطية لـ30 دولة على الأقل، وحاولت اغتيال أكثر من 50 من القادة الأجانب.

هذه هي السياسة الأمريكية , وصحيفة نيويورك تايمز نشرت مقالاً في اكتوبر عام 2020 يشير إلى ذلك من أنه “في أوائل القرن الـ21، إذا كانت هناك أي قوة سعت للهيمنة على العالم وانتهاك القواعد، فهي الولايات المتحدة”. وبالتالي فإن السياسة التي تتبعها واشنطن بعيدة كل البعد عن الشعارات الرنانة التي تطلقها لغاياتها السياسية فهم يريدون ديمقراطية على المزاج الأمريكي ويتسللون إلى الدول التي يريدون إسقاطها من خلال تلك الشعارات الكاذبة , فالرئيس بايدن يريد من العالم ترسيخ الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان على المزاج الأمريكي بينما الدول التي تريد الحفاظ على ثقافتها يعتبرونها متخلفة , هذه هي سياسة واشنطن التي تسعى للتدخل في الشؤون الخاصة للدول لأمركتها والسير في السياسة الموالية لها وللغرب عموماً , ومن خلال هذه السياسة أيضاً كانت واشنطن تحاول إلصاق تهمة الإرهاب بالإسلام والدول التي لا تدور في فلكها ليتبين أن أسباباً سياسية وراء هذه التنظيمات التي لها علاقة بمصالح الغرب و”إسرائيل” وغيرها من الحكومات الراعية للإرهاب، ووظفت ( CIA ) الإسلام ونصوصه لغسل عقول الشباب وتجنيدهم للتنظيمات الإرهابية, ولهذا فإن الديمقراطية الأمريكية تهدف إلى إثارة الحروب والانقسامات في الدول العربية والإسلامية.

إن الأخطر ما يجري حالياً هو الإبادة الجماعية للفلسطينيين في قطاع غزة على يد الاحتلال الإسرائيلي وبدعم كامل من الغرب خاصة الولايات المتحدة, وهذا ما أشار إليه الكاتب الفرنسي “آلان غريش” من أنّ “المجتمع الدولي وخاصّة العالم الغربي لا يفعل شيئاً لوقف هذه المأساة التي تجري في غزة” منتقداً “العالم الغربي الّذي يدّعي الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان وتقرير المصير، لكنه يُثبت الآن أنّه عالَم منافق يُقدِّم سلسلة من الأكاذيب, وهذه الأكاذيب حاولت الولايات المتحدة تسويقها لتغطية إسرائيل من الملاحقة القانونية ودعمها سياسياً وعسكرياً ومدها بالأسلحة بل إن قوى الغرب خاصة الولايات المتحدة حاولوا ترديد الأكاذيب لإقناع الرأي العام العالمي بأن المقاومة الفلسطينية قطعت رؤوس الأطفال لينكشف ذلك للرأي العام وتنطلق طوفان التظاهرات في العالم بأسره دعماً للقضية الفلسطينية التي تحاول واشنطن مساعدة تل أبيب لتصفيتها وفق ما أكد الفيلسوف النمساوي هانس كوكلر: “لا يمكن أن تمر الإبادة الجماعية الممنهجة في فلسطين بصمت القوى الاستعمارية برئاسة أمريكا تحاول دعم الصهاينة لتصفية القضية الفلسطينية.

وهذا ما أكده أيضاً المفكر الأمريكي المعروف نعوم تشومسكي بأن الولايات المتحدة تتحمل المسؤولية الكبرى في العدوان الإسرائيلي على غزة، وتسهم بشكل مباشر في المذابح المرتكبة في حق الفلسطينيين، عبر الدعم العسكري، والسياسي، والدبلوماسي، والأيديولوجي، الذي تقدمه لـ “إسرائيل”.

وهنا تكمن المشكلة فيما يتعلق بتفعيل القانون الدولي الذي لا يفعّل حين يحتاجه المحتاجون , وأثبتت الحرب على غزّة أن الحضارة الغربية كاذبة في كل ما يتعلق بها، وبشكل خاص ما يسمى “المضمون الإنساني”، وأن جميع الشعارات التي رفعتها من ديمقراطية وحرية وإنسانية، ليست سوى أدوات في حربها على الشعوب, بينما يسمح للدول القوية أن تعمل بازدواجية في المعايير، فتناصر بكل قوة حلفاءها وتشيطن كل من اعتبرته عدواً لها وهذه هي سياسة واشنطن حالياً تجاه القضية الفلسطينية التي تغيرت النظرة إليها بعد طوفان الأقصى , حيث أعاد الأمل للقضية الفلسطينية في استعادة الحقوق بعد أن كانت في أدراج النسيان لعقود , رغم أن واشنطن في سياستها تحاول مخالفة القوانين الدولية حتى تلك التي شاركت في وضعها كميثاق الأمم المتحدة عام 1945 يمكن أن تخالف هذا الميثاق لمجرد أنه بات يتعارض مع مصالحها وحتى أنها عارضت قرارات محكمة العدل الدولية ضد “إسرائيل”, ولكن صوتها لم يعد كما كان.

أين نحن العرب مما يجري؟ وما هو المطلوب لإنهاء مأساة تشتتنا؟ للأسف إن الواقع العربي سيء للغاية في ظل أنظمة بعيدة كل البعد عن رأي مواطنيها خاصة دعم القضية الفلسطينية التي انتفض لها الرأي العام العالمي بينما الأنظمة العربية تقيم علاقات قوية مع الولايات المتحدة المساند الرئيس للإجرام الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني بينما المطبعين العرب استمروا في علاقاتهم مع الاحتلال الإسرائيلي رغم مجازره بحق الشعب الفلسطيني, فلماذا لا تتخذ الدول العربية موقفاً موحداً وقوياً للضغط على الولايات المتحدة وربيبتها “إسرائيل”؟ للأسف هذا لن يحصل لأن معظم تلك الحكومات صناعة أمريكية وتحظى بدعمها، حتى قرارات القمة العربية الأخيرة في المنامة لن تجد طريقها للتنفيذ وستبقى حبيسة الأدراج كأي قمة من القمم السابقة، وهذا الموقف العربي لن يتغير وسيبقى على وضعه ولن تستطيع الحكومات المدعومة أمريكياً اتخاذ أي موقف يعارض توجهات واشنطن التي تستطيع إيجاد المبررات للتخلص من أي نظام تدعمه , وهنا المشكلة الكبرى لدى العرب الذين هم بعيدون كل البعد عن التوحد للوقوف في وجه الغطرسة الأمريكية والإسرائيلية وهم يعلمون أن الغرب يمكن أن يتخلى عنهم عند أي مفترق طريق كما تخلوا عن شاه إيران لدى قيام الثورة الإسلامية عام 1979 حيث كان في ذلك الوقت شرطي الخليج.

إن المشكلة التي يعرفها العرب جيداً من أن الغرب يريدهم أن يبقوا متباعدون عن بعضهم وعن قضاياهم , وهذا ما يذكرنا بما جرى بمؤتمر كامبل بنيرمان في لندن عام 1905 واستمرت جلساته حتى 1907، بدعوة سرية من حزب المحافظين البريطانيين بهدف إيجاد آلية تحافظ على تفوق ومكاسب الدول الاستعمارية إلى أطول أمد ممكن.

وقدم فكرة المشروع لحزب الأحرار البريطاني الحاكم في ذلك الوقت، وضم الدول الاستعمارية في ذاك الوقت وهي: بريطانيا، فرنسا، هولندا، بلجيكا، إسبانيا، إيطاليا، وفي نهاية المؤتمر خرجوا بوثيقة سرية سموها «وثيقة كامبل» نسبة إلى رئيس الوزراء البريطاني آنذاك هنري كامبل بانرمان، وهو أخطر مؤتمر حصل لتدمير الأمة العربية التي تسيطر على أهم المضائق العالمية وثروات باطنية كبيرة لهذا كان الهدف من المؤتمر إسقاط النهضة وعدم استقرار المنطقة , وما يجري الآن يؤكد ذلك ليبقى العرب على تشتتهم عبر العملاء الذين زرعتهم أمريكا ، لتتحكم عن طريقهم ، بقرارات الأوطان والشعوب.

وأمام حالة اليأس هذه هل ستبقى هذه الصورة للولايات المتحدة على أنها هي المسيطرة على العالم رغم إجرامها وخرقها للقوانين الدولية , وهل تستطيع الاستمرار عبر شعاراتها الزائفة التحكم بالعالم؟، بالتأكيد لم تعد كذلك رغم أسلوبها الإجرامي ودعمها اللامحدود للمجازر الإسرائيلية بحق الفلسطينيين خاصة بعد أن اتضح الوجه الحقيقي الإجرامي للولايات المتحدة و”إسرائيل” وهذا ما أشار إليه العالم السياسي البلغاري إيفان كراستيف وقال في مقال رأي نُشر في صحيفة “نيويورك تايمز”: “فقدت الديمقراطيات الليبرالية في العالم احتكارها لتحديد ماهية الديمقراطية”، ونقلاً عن استطلاع أجراه مركز (بيو) للأبحاث ، قال كراستيف: “إن الغالبية العظمى من الأمريكيين يشعرون بخيبة أمل شديدة من نظامهم السياسي”، وإن “البعض غير مقتنعين بأنهم لا يزالون يعيشون في ديمقراطية”.. وبذلك لم تعد أميركا الدولة النموذج التي تقوم على مبادئ إنسانية، فانهارت الصورة الذهنية التي نجحت في بنائها.

وفي كتابه “من يحكم العالم” يقول نعوم تشومسكي: “إن الولايات المتحدة باتت في حالة أفول وتراجع، وذلك ينذر باحتمال زوالها نهائيا في يوم من الأيام وبالتالي فإن القوة الأميركية في العالم في حال تراجع مستمر,وباتت عاجزة عن فرض إرادتها”.

فهل ستتغير المعادلة في العالم ؟ وهل ستنتهي الأحادية القطبية إلى عالم متعدد الأقطاب؟ وهل يمكن أن تستسلم الولايات المتحدة أمام التغييرات في المشهد العالمي وصعود الصين وروسيا؟

إن مقتضيات المصلحة لابد من لنا كعرب السير وفق سياسة تقاطع المصالح مع الشرق الصاعد روسيا والصين ، ضمن حدود المصلحة الإستراتيجية , لأننا جربنا الغرب على مدى عقود، وكنا دائمًا ضحاياه.

المصدر: موقع إضاءات الإخباري