حضرتك الدليل دا قصة كبيرة ولا يسأل عنه سوى مجتهد أو مفكر مثله، إنما شخص عادي لا يسأل عن الدليل لجهله بمراتبه وأنواعه وصنوفه وما يقبل ولا يقبل، وجهله بأهم شئ هو اختلاف المجتهدين أصلا..
الحنابلة مثلا يؤمنون بحجية مرسل الصحابي بينما هذا دليل غير معتمد عند الحنفية، والعكس، يؤمن الأحناف بحجية القياس الخفي بينما الحنابلة يرون هذا الدليل مبتدعا..
أيضا فالدليل ينقسم باعتبار مُنتجه إلى حكم تكليفي وآخر وضعي، التكليفي هو المفهوم من النص كالوجوب والندب والكراهة...إلخ. بينما الوضعي هو الذي يبحث في تطبيق النص/ الدليل بالواقع..
فقد يكون النص واجبا ودليله الوجوب بالتكليف، لكن لا يصلح للتطبيق كحكم وضعي كوجود موانع من تطبيقه، والعكس، قد يكون الحكم التكليفي به كراهة لكن توجد رخص وعزائم تسمح بتطبيقه...
كذلك فالففهاء اختلفوا في أدلة كثيرة جدا معتمدة عند البعض وغير معتمدة عند الآخرين، كالمصالح المرسلة والاستصحاب وسد الذرائع وقول الصحابي والعرف..إلخ..
من أدراك بالدليل الذي يصلح من وجهة نظرك وأنت لا تعلم هذه الأشياء؟!!
سامح الله التيار السلفي الذي نشر فكرة مزيفة للغاية وهي أنه طالما الحديث صحيح فيصلح إذن كدليل، وهذا كذب وتدليس على العلماء لأنه:
أولا: اختلف العلماء في معايير تصحيح الروايات اختلافا شديدا، وآلاف من الروايات صحيحة عند علماء وغير صحيحة عند آخرين..
ثانيا: اختلف العلماء في معايير قبول الصحيح فقال الحنابلة بقبول الحديث متى صح لديهم، بينما الأحناف قالوا برد الحديث الصحيح إذا عمل راويه بخلاف منطوقه..
ثالثا: اختلف العلماء في تسمية الحديث المتواتر اختلافا كبيرا، منهم من قال هم 300 حديث متواتر ومنهم من قال 50 ومنهم من قال حديث واحد فقط ومنهم من قال لا يوجد متواتر أصلا..
رابعا: اختلف العلماء في قبول الحديث الصحيح المروي بخبر الواحد، فالحنابلة قالوا باعتماده في العقائد والدماء، بينما قال الجمهور بعدم اعتماده سوى بفضائل الأعمال..
خامسا: اختلف العلماء في قبول خبر الواحد الصحيح إذا عارض قرآنا، فقال الحنابلة ينسخ الحديث القرآن حين التعارض ( فيديو محمد حسان الشهير) بينما قال الجمهور لا ينسخ الحديث القرآن، وحين تعارض خبر الواحد مع القرآن فلا ناسخ ومنسوخ بل يقدم المشروح على الشارح، يعني تقديم القرآن على الحديث..
ونماذج كثيرة جدا حول اختلاف الفقهاء قديما وحديثا، فالطبيعي أن الشخص العادي لا يسأل عن الأدلة لجهله بها، ولكن له أن يأخذ باستحسان قلبه وعقله في الصغائر، وإذا اشتبه عليه في الكبائر شيئا فليتقي الشبهات بما يناسبه،
وإذا استعصى عليه أمرا في الأخير فله أن يسأل شخوص متعددة بآراء مختلفة ومذاهب مختلفة دون تقديس لفرد، والإيمان بأن الفتوى والرأي في الأخير هي اجتهادات شخصية للفقيه وهو غير ملزم بها، وأنه سيلقى الله يوم القيامة مسؤول فقط عن نفسه ولا يُسأل عنه من أفتاه وإن أضلّه وأعماه...