“إسرائيل” من وهم “النصر المطلق” إلى الهزيمة المطلقة
مقالات
“إسرائيل” من وهم “النصر المطلق” إلى الهزيمة المطلقة
نضال بركات
1 حزيران 2024 , 22:10 م


كتب الأستاذ نضال بركات:

بعد ستة وسبعين عاماً على قيام الكيان الصهيوني المصطنع لم يعد جيشه ذاك الجيش الذي لا يقهر وفق ما كان يروج له قادته, ووهم النصر المطلق انقلب إلى هزيمة مطلقة , وطوفان الأقصى منذ السابع من أكتوبر أكد هذه الحقيقة , وكشف حقيقة هذا الكيان الذي لم يستطع تحقيق الهدف الذي وضعه منذ السابع من أكتوبر لإلحاق الهزيمة بالمقاومة والإفراج عن الأسرى الإسرائيليين بل على العكس فقد غرق في وحول قطاع غزة لتتفاقم خسائره ويرتكب أبشع المجازر بحق الفلسطينيين بدعم من الولايات المتحدة.

ورغم هذا الدعم لم يعد يستطيع تغيير المعادلة التي فرضتها المقاومة سواء في قطاع غزة او حتى في شمال فلسطين المحتلة مع المقاومة اللبنانية, فباتت ضربات المقاومة من الجبهتين تزيد من قلق الصهاينة, مع تمسك نتنياهو بكرسيه على أمل تحقيق “نصر” وفق ما يدعي بأن جيشه على بعد خطوة من تحقيق “النصر” ولكن الإسرائيليين يعرفون بأن نتنياهو يروج للأوهام , وهذا ما أكده الكاتب في صحيفة معارف إيمانويل روزين وقال: يبيعون الجمهور المصاب بالحزن والصدمة منذ أكتوبر الماضي وعودا رخيصة في ضوء حقيقة أنه ليس هناك “نصر” وما يسمى “النصر الشامل” ليس أكثر من هراء شعبوي ضحل.

وما يزيد من قلق الإسرائيليين هو الحالة التي وصل إليها جيشهم وحالة القلق من هجمات المقاومة عليهم التي تختلف عن المرات السابقة لدرجة أن الشعور بالفشل يطارد الضباط والجنود ورفضهم الخدمة وفق ما أشارت إليه صحيفة يديعوت أحرونوت نقلا عن ضابط رفيع في جيش الاحتلال الإسرائيلي: الشعور بالفشل يطارد الضباط ولا يريدون الخدمة في جهاز فاشل حتى إن تقريرا نشره موقع “زمن إسرائيل” أشار إلى أن رفض الخدمة في الجيش ، سجّلت ارتفاعا كبيرا , وعزا التقرير أسباب الارتفاع في عدد رافضي الخدمة، إلى تعقيدات الحرب، وجرائم الحرب التي يرتكبها جيش الاحتلال، والاحتجاجات المتصاعدة ضد أداء الحكومة، وتراجع معنويات الجنود الإسرائيليين بسبب إطالة الحرب، والضائقة النفسية والجسدية التي يشعر بها الجنود, حتى إن اللواء احتياط في “الجيش” غرشون هكوهين قال للقناة “الـ14”: ليست لدى “الجيش” اليوم القوات الكافية التي تتيح له القدرة على هزيمة حزب الله أو حماس , وهذا ما يؤكد ان “إسرائيل” على وشك هزيمة تاريخية وفق ما أكد الوزير السابق حاييم رامون في صحيفة “معاريف”. فهذه الهزيمة باتت أمرا واقعا لأنه لم يحقق الأهداف التي رسمها بعد السابع من أكتوبر واجتياحه البري للقطاع ولم يستطع هزيمة المقاومة التي لازالت على قوتها ، حتى إن الأسرى الإسرائيليين في قبضتها ولم تستطع “إسرائيل” عبر المفاوضات فرض شروطها على المقاومة , وهذا ما تحدث عنه يوسي فيرتر في صحيفة “هآرتس” ، وقال إن قضية الأسرى باتت عناوين ثانوية للأخبار في “إسرائيل”، في ضوء السياسة الداخلية التي تنتهجها حكومة نتنياهو، وبعد مذكرات الاعتقال التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية ضده وضد وزير الحرب يؤآف غالانت، واعتراف دول أوروبية بالدولة الفلسطينية وأصبح نتنياهو يكرس وقته لهذه القضايا وأصبح “سيد النصر المطلق” يقود “إسرائيل” في منحدر خطير وباتت مخاوفه من اتهامه كمجرم حرب، وإغلاق أبواب أوروبا في وجهه ، يحرمانه النوم، أكثر بكثير من مصير 128 أسيرا إسرائيليا في غزة، وعقله يعمل على مسارين فقط: كيفية صد المدعي العام للجنائية الدولية، كريم خان، والإبقاء على سموتريتش وبن غفير إلى جانبه في الحكومة ، وهذا ما يؤكد أن نتنياهو يدفع “إسرائيل” إلى الهاوية الأمنية والدبلوماسية والاقتصادية.

إن هذا التخبط يشير إلى حالة الضعف التي وصلت إليها “إسرائيل” بعد القوة التي كانت تتشدق بها واحتلالها للاراضي العربية عبر حروبها , لكن الوضع تغير بعد قوة المقاومة التي فرضتها في الميدان سواء كان ذلك عبر المقاومة اللبنانية في جنوب لبنان أو فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة مع تراجع التأييد الذي كانت تحظى به “إسرائيل” عالميا لتتدهور سمعتها بسبب مجازرها البشعة بحق الفلسطينيين ، وكشف حقيقتها الإجرامية مع طوفان التظاهرات في العالم ضدها وتأييدا لحقوق الفلسطينيين , وما زاد من قلقهم قرار محكمة العدل الدولية بشأن رفح الذي جاء بعد أيام فقط من إعلان النرويج وإسبانيا وأيرلندا أنها ستعترف بدولة فلسطينية مستقلة، وهو ما عكس الإحباط الدولي العميق من الإجرام الإسرائيلي بحق الفلسطينيين في قطاع غزة.

إن حالة الضعف التي وصل إليها الكيان تشير إلى الهزيمة , والقوة التي كان يتبجح بها لن تفيده

بعد الآن وهذا هو المؤشر الكبير على ضعف الكيان وأن “إسرائيل” تواجه هزيمة استراتيجية رغم الدعم اللامحدود من الغرب ومحاولة قادة العدو رفع معنويات الإسرائيليين بأوهام على أن العملية العسكرية محدودة وستنتهي , إلا أن ما يجري على الأرض هو العكس تماما ودخل جيشهم في عملية استنزاف طويلة لم تحقق شيئا , وهذا ما يؤكد الفشل في تحقيق أي انجاز وهو المستنقع الكبير الذي استطاعت فيه المقاومة كسر هيبة هذا الجيش, حتى إن الصحف العبرية التي تحدثت عن هذا الوضع أكدت أن وزارة الحرب والأركان العامة فشلت فشلاً ذريعاً في تحقيق أهداف الحرب، وبات الوضع على شفا هزيمة استراتيجية, فيما جيش الاحتلال الإسرائيلي يواصل استراتيجيته الفاشلة المتمثلة في الهجوم ثم الانسحاب ولا يحاول السيطرة على الأراضي. ومع ذلك، فإن وسائل الإعلام، وخاصة المعلقين على شؤون الجيش والمراسلين العسكريين، يواصلون إخفاء الحقيقة عن الإسرائيليين عن فشل جيشهم , وبالتالي السؤال الهام بعد هذا الفشل هل يمكن لإسرائيل إعادة القوة التي كانت تتبجح بها ؟

بالتأكيد لن تعود لأن أهم ما حققه “طوفان الأقصى” فضح وتدمير الأسطورة التي كان يُروَّج لها عن “الجيش الذي لا يُقهر”، بكشف فشله وتخبطه الأمني والاستخباراتي والعسكري, إضافة إلى إنجاز هام وهو إعادة القضية الفلسطينية ومأساة حصار غزة إلى الصدارة، ليكتشف الرأي العام العالمي حقيقة بشاعة ووحشية “إسرائيل”.

من الواضح أن الهزيمة الكبرى تسيطر على الإسرائيليين ومؤسسات كيانهم وعنصر القوة لديهم هو دعم الولايات المتحدة وتحديدا اللوبي الصهيوني هناك وهذا لن يستمر,لأن عناصر القوة التي كانت تتمتع بها لم تعد تجدي نفعا مع الضغط الكبير للرأي العام العالمي الذي كشف حقيقة إسرائيل الإجرامية , وبالتالي فإن هذا الكيان لن يستمر وباتت نهايته قريبة مثلما انتهت فيما قبل الدولة العبرية الاولى ، قرابة السبعين عاما (1000-930ق.م) واستمرت إمارة بيت المقدس الفرنجية 88عاما (1099-1187م) ، لم تسعفها القوة والجرائم في المرة الاولى ولم تسعفها القوة و شريان الدعم في المرة الثانية , وكل ما تقوم به “إسرائيل” الآن لن يسعفها لا القوة ولا مجازرها ولا الدعم الغربي وباتت نهايتها قريبة , ربما هذا ما تنبأت به صحيفة “هآرتس” حين سألت في إحدى افتتاحياتها قبل أسبوعين : هل ستتاح لنا فرصة الاحتفال بمئوية إقامة “إسرائيل”؟ 

المصدر: موقع إضاءات الإخباري