الصهيونية المسيحية وحل الدولتين
مقالات
الصهيونية المسيحية وحل الدولتين
م. زياد أبو الرجا
6 حزيران 2024 , 21:01 م


           مقدمة

*الصهيونية: مجمع من المعتقدات الهادفة الى تعزيز وتحقيق أمة ودولة يهودية وفقا لبرنامج مؤتمر بال في سويسرا في آب /أغسطس ١٨٩٧م.

*الصهيوني: هو بكل بساطة اي واحد يعزز ويشجع الاهداف الصهيونية بشكل واع ومنظم.

*اللوبي الاسرائيلي: صار مصطلحا مختصرا للتحالف الفضفاض بين الأشخاص والمنظمات المؤيدين لإسرائيل. في الولايات المتحدة الأمريكية يوجد عدة مجموعات ذات مصالح من الذين عززوا بشكل فعال الاهداف الصهيونية بشكل سري او علني. من اجل التحليل السياسي يعتبر ايرل هف ( Earl Huff ) عالم العلوم السياسية الأمريكي الصهيونية الأمريكية انها كيان متجانس وان الصهاينة الامريكيين مجموعة متماسكة بشكل عالي.

*المسألة الشرقية والاستعمار: ان اي تفحص لفهم سياسة الولايات المتحدة الخارجية يجب اعتبارها في سياق مشروعين امبرياليين أساسيين لاستغلال المسألة الشرقيه.  والسؤال المحير والمزعج. ما العمل مع الإمبراطورية العثمانية المشتتة؟ قام الزعماء الفرنسيون والبريطانيون بمخاطبة كل من اليهود والمسيحيين بدعوات مبنية على الكتاب المقدس وطالبوهم بالالتفاف حولهم وتأييد سياساتهم الهادفة الى اعادة اليهود الى فلسطين واعادة فلسطين لليهود. الجهود الفرنسية التي بذلت عام ١٧٩٨م بقيادة نابليون ثم تبنيها بمشروع مطابق بعد ثلاثة عقود بقيادة هنري جون ثمبل و الفسكونت الثالث بالمرستون وزير الخارجية البريطاني الهائل. صارت فكرة الصهيونية المسيحية في العصر الحالي أداة للسياسة الاستعمارية.

اثر الاستعمار الأوروبي في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر  بشكل قوي على الاقليم الواسع الممتد من شمال أفريقيا وعبر الشرق الأوسط وصولا الى الهند. بعد الحرب العالمية الثانية شعرت مؤسسة السياسة الخارجية الأمريكية انها ملزمة بمواصلة الدور الاستعماري للامبراطورية البريطانية. ونتيجة لذلك آلت القضية الفلسطينية الى واشنطن. وكما كان المجهود البريطاني لاعادة اليهود الى الارض المقدسة فإن بعض الدوائر الأمريكية المتنفذة ايدت هذا المجهود منذ نهاية القرن التاسع عشر.

خلال قرون طورت كنائس مسيحية في الشرق علاقات خاصة بفرنسا وروسيا. الفرنسية لها علاقات تعود إلى القرن الثاني عشر بالطائفة المارونية. ومن جانبها كانت روسيا معنية بتلك الكنائس المرتبطة بالعالم الاورثودكسي. كان التحدي البريطاني في وجه النفوذ الفرنسي والروسي في الأراضي المقدسة بين عام ١٨٣٩م و ١٨٤١م هو كيف يمكن خلق طرق داخلية باستخدام الدين كاداة وإيجاد حلفاء اخرين في الاراضي المقدسة.  قام بالمرستون بمساعدة كوبر ودائرته بحل هذه المشكلة بما يرضيه.  حيث طبق وزير الخارجية سياسة منطقية لرعاية الطائفة اليهودية والدرزية. وحصل على التأييد الشعبي البريطاني لهذه السياسة وتعبئة النخب والجمهور من خلال الصحافة والمنظمات الخيرية الفاعلة. واصبحت قضية عودة فلسطين لليهود مسألة ذات أهمية بالغة وتحتل مساحة واسعة في الصحف الدورية.

*الصهيونية المسيحية بناء ايديولوجي: الصهيونية المسيحية ايديولوجيا تم بناؤها في بريطانيا في القرن التاسع عشر وكانت أداة للاستعمار البريطاني في الشرق الأوسط وبقيت حتى اليوم بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية. استخدمها اللورد بالمرستون لأهداف امبريالية عندما استغل بحرفية عالية ميزة الصهيونية المسيحية لدعم وتأييد اعادة اليهود الى الارض المقدسة.

توضح باربارا توكمان ( Barbara Tuchman ) ذلك بان وزير الخارجية باعطاءه اليهود مصالح مادية في أرضهم المقدسة سيشكل دعامة رئيسية في قلب الإمبراطورية العثمانية المترامية الاطراف والآيلة للسقوط والانهيار. وبالطبع قام زوج ابنته اشلي كوبر (Ashley Cooper ) الذي نظر ودافع عن عودة اليهود على أسس الكتاب المقدس الإنجيل.

بالنسبة له كان اليهود بكل بساطة أداة يمكن بواسطتها تحقيق النبوءة الانجيلية.

في هذا الوقت يثير كيفين فيلبس (Kevin Philips) الجدل بان الولايات المتحدة الأمريكية أصبحت الدولة الرائدة في العالم في قراءة الاناجيل كدولة صليبية غارقة في التوراة ذات الأنبياء الصارمين القساة. وساحات المعارك الدامية في الشرق الأوسط.

ويؤكد ان السياسة الخارجية الأمريكية لها استنتاجها الخاص لنهاية الزمان والعالم.

واولوية الحق لأمة الكتاب المقدس، ونصير تكنولوجيا راقية لدولة عظمى تنشر الإنجيل.

هل قام الصهاينة المسيحيون الامريكيون من خلال نفوذهم في البيت الأبيض والخارجية الأمريكية برسم السياسة الخارجية؟ . الرئيس كارتر يقول " بصراحة ان بعض القادة المسيحيين الكبار كانوا في مقدمة الداعين الى شن الحرب على العراق، وقاموا بعدة زيارات لإسرائيل لدعمها بالتمويل، واللوبي في واشنطن من اجل الاستيطان في الأراضي الفلسطينية. وأشار كذلك الى الضغط القوي من اليمين الديني الذي كان عاملا رئيسيا في القبول الأمريكي الهادئ للبناء المكثف للمستوطنات والطرق الرئيسية الرابطة على الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية.

الكنائس والطوائف المسيحية في امريكا

دعمت الحركة الصهيونية المسيحية الصهيونية السياسية ودولة اسرائيل واثرت بسياسة الولايات المتحدة الأمريكية الخارجية فيما يتعلق بروسيا والصين ( تايوان ) وسورية والعراق وايران. ان هوسها المتجذر عميقا في رؤيتهم لنهاية الزمان والقيامة والرؤيا التشاؤمية وحتمية وقوع معركة ( ارماجيدون ). بدأت كعقيدة في القرن التاسع عشر خارج العقائد التقليدية للبروستانت والرومان الكاثوليك والارثودكس. ليس لها وجود في عشيرة مجموع العقائد المسيحية القديمة في الشرق الأوسط مثل الكنيسة القبطية الاورثودكسية، والكنيسة السورية الاورثودكسية وكنيسة الكاثوليكوسيت الارمينية. ورغم ذلك الصهيونية المسيحية تم رفضها من هذه الكنائس ذات النفوذ القوي.

الصهيونية المسيحية هي ايديولوجية تحفز وتشكل وجهة نظر وموقف اليمين المسيحي.

القوة السياسية المتنامية في الولايات المتحدة الأمريكية.  والتي تسعى الى الهيمنة على التشريع والسياسة الخارجية الحركة الانجيلية في الولايات المتحدة الأمريكية التي تتكون من الإنجيليين الليبراليين والمحافظين على حد سواء. المحافظون البروتسنانتيون يشكلون ربع السكان في امريكا. ان التشاؤم المتجذر بعمق في الصهيونية المسيحية يقف عاريا وبشكل صارخ في تناقض مع الخط الرئيس للانجيليين البروتستانت في الولايات المتحدة الأمريكية، الذين الذين يعتنقون تقليديا " بالالفية " السلفيون او ما بعد الألفية والبعث والحساب لديهم نظرة تفاؤلية للحياة "الالفي" يرى ان مملكة الله موجودة في هذا العالم ويحكمها المسيح من خلال كنيسته وروحه. وتحت هذه النظرة للقدوم الثاني لن يكون هناك مملكة بالمعنى الحرفي او مملكة مجسدة على الارض.

النبوءة الانجيلية مثل الموجودة في الوحي مفسرة مجازيا وليس حرفيا، يرى السلفيون ان الاحداث النبوية انتهت بدمار القدس في عام ٧٠م او مع سقوط الإمبراطورية الرومانية في القرن الخامس. ما بعد الألفية ترى ان هناك فترة من السلام والازدهار على الارض ستسود قبل القدوم الثاني للمسيح. من وجهة النظر هذه النبوءة الانجيلية كما هي موجوده في الوحي مفسرة على انها رمزية وليست مادية.

ان هذا التفاؤل التقليدي مع الإيمان لتطور وتقدم الانسان راسخ عميقا في النفسية الأمريكية. الاعتقاد الديني المتفائل حافظ على الامريكيين خلال عصر الاستيطان ودعم الثورة الأمريكية وحرب الاستقلال وشهدوا البلاد خلال الثورة الصناعية، وعصر التقدم وحربين عالميتين. لكن النظرة التشاؤمية المتجذرة في الصهيونية المسيحية القائمة على تفسير جديد وتمييزي للنبوءة التي اكتسحت قسما من الأمة للاعتقاد بسيناريو نهاية الزمان المروعة. يعتقد الباحثون من خلال تحقيقاتهم ان طائفة الإنجيليين المحافظة ربما تشكل ٣٠-٤٥ مليون ملتزم اي ١٠% الى ١٥% من مجموع السكان. من اجل التبسيط سنستخدم مصطلح الاصوليين. استنتج كثير من الباحثين ان الصهيونية المسيحية المؤمنة بالبعث والحساب داخل الطائفة الانجيلية المحافظة في الولايات المتحدة الأمريكية.  التيار المهيمن داخل الصهيونية المسيحية المعروف القدري "Dispensational" التدبير الإلهي للعالم او التدبير "القبل الفي" هو اعتقاد او ايديولوجيا نشات في المملكة المتحدة في اواسط القرن التاسع عشر.

التدبيري(القدري) يتمسك بان التاريخ البشري مقسم الى سبعة فترات وان "علامات الاوقات" اليوم تشير الى ان البشرية دخلت الفترة النهائية، الأيام الاخيرة، نهاية الزمان. التدبيري او القدري يرى ان العالم يفسر الاحداث الجارية وحالة العالم في ضوء النبوءة الانجيلية. الصهيونية المسيحية المعاصرة ان نهاية الزمان علامتها ميلاد دولة اسرائيل الحديثة عام ١٩٤٨م وهذا يتطلب من التدبيريين عقائديا عودة الارض المقدسة كلها " جغرافية فلسطين بما فيها الاردن" للشعب اليهودي كملكية محددة وخاصة له. من اجل المضي قدما في هذا السيناريو "الاخروي" المتعلق بالآخرة. هؤلاء الذين يؤمنون بالمذهب التدبيري او القدري يشكلون مذهبية نضالية عسكرية وجيوسياسية مؤيدة لإسرائيل داخل البروتسنانتية الأمريكية.

اما الفئات في الخط الرئيسي من البروتسنانتية الأمريكية وكنيسة الروم الكاثوليك والفئات الاورثودكسية يتخذون مواقف مختلفة بشكل لافت للنظر انهم يستنكرون الصراع الاسرائيلي-الفلسطيني ويؤيدون الحل السلمي العادل المقبول من كل الاطراف دون الافتراض ان ذلك السلام مكتوبا بصيغة او طريقة محددة. هؤلاء المسيحيون يؤيدون حل الدولتين مؤلفا من دولة فلسطينية ذات سيادة جنبا الى جنب مع اسرائيل. لكنهم يرحبون أيضا بدولة ثنائية القومية يعيش فيها اليهود والعرب المسيحيون والعرب المسلمون تحت سقف واحد وفي دولة واحدة.

"العقيدة التدبيرية" ترفض مثل هذه الحلول وتراها عقبة في طريق السلام في الاقليم وتحديا لسياسة الولايات المتحدة الخارجية وسياسة الامن القومي. ان المواقف المتطرفة للصهيونية المسيحية تشكل تهديدا للحل السلمي في الشرق الاوسط مثلها مثل التطرف عند كل الاطراف سواء يهود،مسيحيون او مسلمون. مثل هذا التطرف يشكل عقبة امام الحل الشامل للصراع الاسرائيلي العربي والقضية الفلسطينية بشكل خاص

                                         

نستنتج مما تقدم ان المسيحية الأمريكية يمكن تقسيمها الى مجموعتين. الأولى هي التي تتبنى الحل السلمي للصراع العربي الاسرائيلي سواء حل الدولتين او الدولة ثنائية القومية. وهي التي تشكل غالبية مسيحيي امريكا. لكن هذه المجموعة ليس لديها إطار تنظيمي يجمعها وينسق مواقفها ولا تشكل "لوبي" يؤثر بشكل فعال على التشريع والسياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية.  اما المجموعة الثانية التي تتكون من الصهيونية المسيحية وفي القلب منها الاصوليين وغلاة المتطرفين ويجمعهم عقيدة عسكرية واطار ايديولوجي ولهم "لوبي" ينسق انشطتهم. ترى الدولة العميقة في الولايات المتحدة الأمريكية ان هذه المجموعة تشكل الأداة الفعالة للابقاء على الهيمنة الاستعمارية وقاعدتها المتقدمة في الشرق الأوسط دولة الكيان. وعندما تطرح الادارات الأمريكية المتعاقبة مشروع حل الدولتين دون أن تقترب من اي شكل عملي لذلك فهي ترضي اللوبي وفي الوقت نفسه تحصل على أصوات المجموعة الأولى التي تؤمن بحل الدولتين وبناء على هذا نستطيع القول ان مشروع حل الدولتين هو في الأساس موجه للداخل الأمريكي ضمن برنامج انتخابي وليس لأطراف الصراع في الشرق الأوسط

قامت بريطانيا أثناء انتدابها على الشرق الأوسط بتاسيس صهيونية إسلامية تكون اداتها جنبا الى جنب مع الصهيونية المسيحية، وبعد الحرب العالمية الثانية تولت الولايات المتحدة الأمريكية رعاية واحتضان الصهيونية الاسلاموية مجسدة بتنظيم "الاخوان المسلمين " الذي يشكل عقيدة ايديولوجية عسكرية يجمعهم إطار ايديولوجي منظم وفعال اذا ما قمنا بعملية احصائية فإن هذا التنظيم لا يشكل الا نقطة في بحر العالم الإسلامي الذي قارب الملياري نسمة لكن مصدر قوتهم التنظيم العقائدي العسكري والتحالف مع المركز الاستعماري وادواته في الناتو وفي المقدم منها اردوغان. ان هذه الأداة الفعالة استخدمتها امريكا في "الربيع العربي" لاسقاط الدول وخاصة تلك التي ترفض الهيمنة الصهيوامريكية وخاصة الدولة السورية التي سخر تنظيم الإخوان المسلمين كل طاقاته لاسقاطها عسكريا بضخ مئات الاف الارهابيين وماليا واعلاميا ودينيا من خلال الدعاة المرتبطين من القرضاوي والعرعور الى اخر القائمة. كان ولا يزال اليمين الديني المتطرف الأداة الفعالة لتنفيذ المشاريع الاستعمارية. وهذا اليمين تغلغل في كل الديانات وتحت الطلب. قد يقول البعض ان الإخوان المسلمين يقفون مع حماس ونضالها هذا مردود عليه لأننا نفتقد الى الحماس والعزم والقوة والافتاء والمال والمواقف الخ... كتلك التي بذلها الإخوان من اجل إسقاط الدولة الليبية والدولة السورية. ولم نعد نرى تلك المظاهرات المليونية التي تحدت الرصاص في شوارع المدن المصرية.

م/زياد ابو الرجا

الشكر موصول الى استاذ التاريخ والعلوم السياسية كليفورد ا- كيراكوف(Clifford A. Kiracofe) مؤلف كتاب الصليبية المظلمة (DARK CRUSADE CHRISTIAN ZIONISM AND US FOREIGN POLICY)

المصدر: موقع إضاءات الإخباري