كتب الأستاذ حليم خاتون:
١٧/٦/٢٤
يعتقد الإنسان العربي إنه يعرف حقيقة تاريخ هذا العالم العربي حتى دون أن يقرأ أكثر من بضعة أسطر من هذا التاريخ الذي لم يعلن الا القليل القليل منه منذ دخل هذا العالم العربي عصر الإنحطاط...
النظام السعودي مشغول بتطهير نفسه من كل ما يمت إلى حقائق التاريخ والجغرافيا بصلة...
الحقيقة ليست مهمة...
المهم رضى الغرب وإسرائيل عن هذا النظام وطي صفحة المنشار الذي يهدد كل من قد يتجرأ على كشف السلاسل والقيود الخفية التي تختم على العقول بالشمع الأحمر ولا تُرى شيئا بالعين المجردة...
النظام الكويتي تجاوز ذلك الزمن الذي كانت فيه الكويت تتمتع بنوع من الديمقراطية الزائفة التي أظهرت حرب غزة مدى ضخامة زيفها في الغرب نفسه...
محمد السادس راقد على عرش الأسرة العلوية في المغرب يحكم باسم الدين الذي لا يمت إلى الدين بصلة...
عبد الفتاح السيسي، محمد بن زايد، وو...
تطول اللائحة ولا تقصر...
إنه زمان الهوان العربي الذي فضحته حرب غزة...
كل النظام الرسمي العربي من أقصى دول ما يسمى الاعتدال إلى ما تبقى من جبهة الصمود والتصدي...
معا واجترار ينسحب على كل الشعوب العربية بلا استثناء...
بضعة مظاهرات هنا او هناك لا تصل إلى مستوى الحقيقة المثالية...
قد يكون الاستاذ نصري الصايغ على شيء من الحق في التفريق بين الحقيقة المطلقة والواقع المزري الذي نعيش فيه...
يتجه العالم الى تخليد إبن خلدون، بينما يجثم كل ملاعين القهر والجاهلية المقنعة على سدة الحكم في عالمنا العربي المتخلف...
بعضهم يدوس علينا بالجزمة باسم الدين، والكثير من الحكام أتقن لغة التحضر الوهمي عبر بعض قشور ومخلفات الحضارة الغربية...
سألتني المشرفة على العلاج الفيزيائي اذا ما كنت مهتما ب"مهرجان" بطولة كرة القدم الأوروبية الجارية الآن بينما هبط معدل الاستهلاك في أوروبا ليس بسبب الوعي البيئي او الثقافي، بل لأن الكرة الأرضية التي لا تكاد تخرج من حرب حتى تدخل في حرب أخرى؛ ولا تكاد تخرج من إبادة حتى يتفتق العقل البشري عن إبادة أخرى؛ هذه الكرة الأرضية، وهذا العالم العربي بالتحديد يعيش في ظلام دامس...
يتم الهاء الناس في كل البلاد بنفس انواع التخدير...
من أوروبا وصولا إلى أقصى مجاهل العالم العربي... يتم الدوس على العقول عبر برمجة التفاهات...
ألسنا نعيش في زمن فلسفة التفاهة؟
هل هو تشاؤم؟
بالقطع لا...
غزة اليوم توقظ العالم...
كنت أظن اني اعرف التاريخ بناء على بضعة كتب مدرسية وأقاصيص جدتي عن فلسطين والعفولة...
اكتشفت كم كنت متعلما جاهلا...
أيقظتني غزة...
عدت إلى قراءة كل ما تقع عليه يدي او عيني...
عدت اتابع ما تم تمريره علي يوم أُكل الثور الأبيض...
لم تكن أوسلو لتحصل لو كان عندنا الوعي الكافي...
اتابع مقابلات بعض "المناضلين" على التوك شو السياسي...
اكتشف كم نحن نجهل التاريخ والجغرافيا...
لم نخسر فلسطين لأن الغرب كان ذكيا...
خسرنا فلسطين لاننا كنا جهلة ولا يزال يقود النظامين الرسمي والشعبي العربيين مجموعات من الجهلة...
لم يكن اختيار اسم عز الدين القسام صدفة...
لقد جسد هذا الإسم ثورة الفقراء على سياسات اهل النظام الرسمي العربي الذي كان طيلة الوقت متخاذلا يفتش لنفسه عن مكان تحت جزمة الاستعمار الغربي...
من المؤسف أن من يفتح أرشيف ما حصل في المئة وخمسين سنة الأخيرة في منطقتنا في اغلبهم أقلية صغيرة جدا من المتنورين الغربيين أو اليهود الإنسانيين...
هل يعرف أي زعيم في النظام الرسمي العربي أن بن غوريون قال بالحرف إنه لو كان عربيا لقاتل بكل قوته ضد المشروع الصهيوني بينما كان اغلب النظام الرسمي العربي يتواطئ من تحت الطاولة مع الصهاينة ضد الشعوب...
هل يعرف أي زعيم عربي أن إيهودا باراك أجاب في مقابلة صحافية إنه لو كان عربيا لما كان خارج حركة المقاومة...
شتان ما بين من يقود المشروع الصهيوني ومن يجلس على اكتاف ورؤوس الشعوب العربية...
من المؤسف أن نقرأ أن أغلب من تعرض للإبادة من عرب فلسطين لم يكن يعرف شيئا عما يحصل في فلسطين بفضل النظام الرسمي الفلسطيني الذي كان جزءا من نظام رسمي عربي سعى إلى تقاسم فلسطين مع الصهاينة او حتى الدخول في المشروع الصهيوني بصفة شريك...
معظم من تم استضافتهم على الشاشات الغربية او حتى على السوشيال ميديا لم يقرأ ايا من كتب المؤرخ "الاسرائيلي" إيلان بابيه رغم ان الرجل ذهب إلى ياسر عرفات ونصحه بعدم قبول أوسلو لأن ما في يده من مكتسبات للشعب الفلسطيني اكثر بكثير مما تعطيه أوسلو...
كم عدد المؤرخين العرب او الغربيين الذين تعرفهم الشرائح المتعلمة من الشعوب العربية...؟
أقر بذلك المؤرخ الفلسطيني وليد الخالدي الذي كان يفاوض الأميركيين باسم منظمة التحرير حين اكتشف أن المنظمة وافقت في أوسلو على كل ما كان يرفضه وفد المنظمة في أميركا...
بل حتى هذا لم يقبل به المشروع الغربي فقام بتصفية عرفات بعد أن كان صادر منظمة التحرير حين طوب محمود عباس رئيسا لوزراء السلطة بصلاحيات مصادرة من رئيس السلطة نفسها...
تخرج السلطة في رام الله تنتقد حماس والجهاد والسابع من أكتوبر بحجة الابادة والمجازر، وكأن محمود عباس وشلته لا يعرفون ان معظم المجازر التي حصلت قبل النكبة واثناءها إنما حصلت مع قرى وبلدات وحتى مدن كانت تعيش حياة يومية عادية و"لا تتدخل بالسياسة!!"...
ألا تعرف مخابرات السلطة أن الاعتقالات التي تجري تهدف إلى زرع فكرة الهروب واللجوء عند الفلسطيني لأن الهدف هو إكمال التطهير العرقي الذي لم يكتمل سنة ٤٨...
باختصار ودون اية مراوغة، لا يزال مشروع صفقة القرن مطروحا والقتال يجري الآن على حافة الهاوية...
القتال يجري كما تنبأ به المرحوم أنيس النقاش قبل زمن...
محور المقاومة يحارب ضد تحالف صهيوني (اسرائيلي/ غربي/ عربي)...
جزء كبير من النظام الرسمي العربي يقاتل فعلا إلى جانب الجيش الاسرائيلي...
بعض هؤلاء يقاتل ضد المقاومة، وضد فلسطين مباشرة، وبعضهم بشكل غير مباشر...
اذا هزمت المقاومة لا قدر الله سوف يتم فرض صفقة القرن مع تهجير ما تبقى من الفلسطينيين إلى الدول العربية وانشاء الدولة اليهودية التي تكون تخلصت من تهمة الابارتايد وفق رؤية البروفيسور الأميركي مارشايمر لسيناريو ما يجري...
هل يمكن هزيمة المقاومة؟
أن تصاعد وتيرة القتال على الحدود اللبنانية الفلسطينية حتى قبل استشهاد ابي طالب ورفاقه في غارة جويا، كما تصاعد فعالية قصف أنصار الله في اليمن والتنسيق الجاري مع المقاومة العراقية له معنى واحدا...
وحدة الساحات تتكرس كل يوم أكثر لأن هزيمة اي طرف في المحور سوف يعني هزيمة كل المحور...
مناصرة غزة المحاصرة من كل الجهات...
كما مناصرة الضفة المحاصرة هي أيضا من كل الجهات لا يمكن أن يجري اذا ظل قتال بعض أطراف محور المقاومة يقتصر على رد الفعل الدفاعي...
لقد اثبت الشعب الفلسطيني إنه قام رغم كل أنواع الحصار بما يشبه المعجزة...
لا يخلو الأمر من سقوط معنويات هنا او هناك...
كما لا يخلو الأمر من خيانات هنا او هناك...
لكن الشعب الفلسطيني اليوم لم يعد لا في ٤٨، ولا في ٦٧، ولا بالتأكيد في ٨٢ او تحت مظلة أوسلو والسلطة الخائبة...
استيقظ الشعب الفلسطيني وقرر أن يقاتل حتى النصر او الشهادة...
حتى اليوم يبدو محور المقاومة على قدر المسؤولية رغم كل الظروف السلبية التي تسود حركة النظام الرسمي العربي والسلطة الفلسطينية والشلل الذي يفرضه هذا النظام على الواقع الشعبي الأقرب إلى الموت السريري...
تصاعد وتيرة القتال من قبل محور المقاومة يعني أن هذا المحور يقاتل لكي يبقى بكل أطرافه بما في ذلك وخصوصا، المقاومة داخل فلسطين...
هذه المرة لا يقتصر التهديد الوجودي على الكيان الصهيوني وحده...
مستقبل هذه المنطقة بكامل عناصر هذا الوجود مهدد هو أيضا...
إما النصر او الموت على الأقل في المدى المنظور لعشرات السنين...
هزيمة محور المقاومة سوف يعني تشظي معظم الدول العربية وانتشار
الفوضى والنزاعات الأهلية على أسس دينية وعرقية ومناطقية بينما يقوم العدو عندها بتثبيت الكيان دولة عظمى إقليمية تهيمن على كل العالم العربي...
نكون او لا نكون...
هنا القضية...
إنه مخاض الشرق الأوسط الجديد؛
مخاض تكوّن المنطقة باكملها وربما حتى إعادة تكوين الكثير من دول العالم...
هنا تكمن أهمية السابع من أكتوبر...
هنا تكمن أهمية المقاومة في غزة، وفي جبهات الإسناد التي لا يمر يوم دون أن تزداد التصاقا بمصير القضية الفلسطينية...