منذ بداية العدوان على قطاع غزّة، ألقى الرئيس الأمريكي جو بايدن بثقله الدبلوماسيّ الكبير وهدد باستخدام القوة العسكرية لمنع انتشار القتال في غزة إلى لبنان وخارجه، ولكن تهديداته لم تُحقق التأثير، إنْ كان لها أيّ تأثيرٍ على الإطلاق، فحزب الله في لبنان انخرط في المعركة إسناداً لغزّة، ولم يُقِم وزناً للعربدة الأمريكيّة.
وطبقاً للمصادر في الكيان، فإنّ بايدن غيَّر سياسته وأرسل مبعوثه الخاص عاموس هوكشتاين إلى إسرائيل ولبنان في محاولة لإيجاد مخرج دبلوماسي من القتال، ولكن جهود المبعوث باءت بالفشل.
وبحسب مجلة (تايمز أوف إسرائيل) فإنّه في مرحلة ما، من المرجح أنْ تستنتج إدارة بايدن أنّ حماس، في غياب ضغط عسكري كبير، لن تطلق سراح الرهائن دون ضمان أنّها انتصرت في الحرب وأنّ إسرائيل خسرت، لكن واشنطن لم تصل إلى هذه النقطة بعد.
ولفتت المصادر إلى أنّ الأفكار نفذت من الولايات المتحدة، وفي إسرائيل يتحدثون أكثر وأكثر عن اجتياح بري للبنان، وهناك اقرار واسع النطاق بأن مثل هذا القرار لن يتم التوصل إليه باستخفاف.
“كلّما مرّ الوقت وتصاعد الصراع، كلما زادت فرص اندلاع حرب”، هذا ما قالته أورنا مزراحي، باحثة كبيرة في معهد دراسات الأمن القوميّ الإسرائيليّ، محذّرةً من أنّه “من أجل هزيمة حزب الله، نحتاج إلى حرب طويلة ومعقدة للغاية، ولكن ليس فقط أنّها ستكون حرباً طويلة ومعقدة، بل إنّها حرب لن تكون إسرائيل مستعدة للانتصار بها”، كما قالت.
وطبقاً للمصادر، تابعت المجلة الإسرائيليّة، فإنّه على مدار ثلاثة عقود تآكل التفوق العسكريّ الكامل الذي تمتع به جيش الاحتلال، إذْ أنّ حماس وحزب الله، اللتيْن كانا يُنظر إليهما ذات يوم على أنهما جماعتين “إرهابيتين” ضعيفتي الموارد يمكنهما تنفيذ تفجيرات عرضية وهجمات خاطفة صغيرة، تمتلكان الآن قدرات تقترن بجيوشٍ دولٍ.
وأردفت: ” في غزة، لم تتغلّب إسرائيل على التحديات، علمًا أنّ ما ينتظرها في لبنان سيكون أعظم بكثير، فحزب الله يمتلك أسلحة مضادة للدبابات ومسيّرات هجومية أكثر تقدمًا. ومن خلال القتال في دفاعات معدة مسبقاً في منطقة مفتوحة، سيكون بوسعه استهداف قوات الجيش الإسرائيلي من على بعد كيلومترات”.
وشدّدّت المجلّة على أنّه في عام 2006، تحرك جيش الاحتلال ضد حزب الله في حرب لبنان الثانية، ووجد هناك نوعاً من الحرب التي لم يكن مستعداً لها، فقاتل حزب الله حتى وصل إلى طريق مسدود مخيب للآمال.
وقال الجنرال بالاحتياط عيران أورطال، “إذا كنت لا تعتقد أنّه من الصواب خوض حربٍ ضدّ حزب الله في الثامن من أكتوبر، فإنّ الأمر يصبح أقل منطقية اليوم، لم نملأ أنفسنا بقدراتٍ جديدةٍ، في حين يتم إفراغ مخزوناتنا، فإنّ مخزونات (حزب الله) مليئة”.
بالإضافة إلى ذلك، أوضحت المصادر أنّه في الوقت الذي يخوض فيه مئات الآلاف من الجنود الإسرائيليين معارك ضد حماس منذ أكثر من ثمانية أشهر في غزة، فإنّ الجيش يحرق مخزوناته من القذائف والقنابل الدقيقة وصواريخ (القبة الحديدية) الاعتراضية، وفي غضون ذلك، يتمتع حزب الله بتدفق للمسيّرات وغيرها من الأسلحة من إيران، وهو يستخدمها لدراسة الدفاعات الجوية الإسرائيليّة.
وتابعت المصادر: “تتمركز قوات الجيش الإسرائيليّ حالياً خلف الدفاعات وعلى المنحدرات الخلفية بعيداً عن صواريخ حزب الله، والاجتياح سيُعرِّض هذه القوات للخطر في حين لن يحل حتى المشكلة التي من المفترض أنْ يعالجها، نيران حزب الله على المدنيين الإسرائيليين.”
ولفتت المصادر أيضاً إلى أنّه “بإمكان الجيش الاستيلاء على كلّ شبر مربع من الأراضي على بعد عشرة كيلومترات، بل وحتى عشرين كيلومترًا، من الحدود، وسوف يظل حزب الله قادراً على إطلاق الصواريخ على إسرائيل، وستتحول المعركة إلى حرب مناورات مكلفة، إلى جانب قيام إسرائيل بإلحاق أضرارٍ جسيمة بلبنان، في حين سيفعل حزب الله الشيء نفسه بالجبهة الداخلية الإسرائيليّة”.
وبحسب التحليل الذي نشرته المجلّة الإسرائيليّة فإنّ هذا من شأنه أنْ يشكل في الواقع حرباً أخرى لا تهدف لهزيمة حزب الله بل لردعه من خلال العقاب، وهو نفس النوع من الحملات العسكرية التي أثبتت عدم فعاليتها في السابع من أكتوبر، وقد تنتهي هذه الحرب باتفاق لوقف إطلاق النار، وهو اتفاق لا يُعلِّق سكان الشمال عليه أي آمال كبيرة. وكان بإمكان إسرائيل توسيع حرب الاستنزاف الحالية في الشمال، ولكنها كانت ستكون في وضع أسوأ بعد ذلك. وحذر الجنرال أورطال من أنّ “الثمن سيكون أعظم بكثير من الإنجاز، وهذا لا يترك لإسرائيل خيارات كبيرة”.
على أيّ حالٍ، أضاف، أنّ خوض معركة متزامنة ضد حماس وحزب الله في الوقت الحالي ليس وضعاً ينبغي لإسرائيل أنْ تضع نفسها فيه، متسائلاً: “لماذا يصبح جيش تم بناؤه على مدار ثلاثين عاماً لعمليات الردع قادراً فجأةً على هزيمة حماس وحزب الله عسكرياً؟”.