قصة حقيقية.. دولاب الفتاة المسيحية والشهيد أبو طالب
ثقافة
قصة حقيقية.. دولاب الفتاة المسيحية والشهيد أبو طالب
د.عصام شعيتو
26 حزيران 2024 , 09:56 ص

كتب الدّكتور عصام شعيتو:


وصلتني من أحدِ الإخوة المُهتمّين هذه القصّةُ التي حدثت مع إحدى الأخوات اللبنانيات المسيحيات، في جنوب لبنان، في الفترة التي يستمرُّ فيها العدوانُ الصهيوني على غزّة وجنوب لبنان، فقمتُ بتصحيح أخطائها، وإعادة صياغتها، محافظاً، بأمانةٍ على مضمونها، والأفكار الواردة فيها، ليقرأها القارئُ بسلاسة، ويعلم مغزاها، والأهداف من نشرها، ولماذا تأخّر نشرُها إلى اليوم؟ وإليكم القصّة:

نعم، لقد بكيتُ كما لم أبْكِ من قبل.

أنا فتاةٌ مسيحيةٌ أعيشُ في إحدى القرى الأماميةِ في جنوب لبنان، وبسبب الأحداث نزحتُ الى بيروتَ "الشرقية"، وقد وقعتْ لي حادثةٌ أرى أنّ من واجبي الأخلاقي رِوايتَها، لتبيانِ عظَمَةِ شبابِ المقاومة في حزب الله، وقمَّةِ أخلاقهم.

ففي إحدى ليالي الشتاءِ المُنصرم، ولم تكنِ الأُمورُ بالجنوب بِالحِدّة التي هي عليها البوم بين حزب الله واسرائيل،كنت عائدةً مع أوّل ِ الغروب، من إحدى القرى القريبة مِنّا، واذا بدولاب سيارتي ال (CRV) قد ثُقِب.

وبالطَّبع، كان لابُدَّلي من التّوقُّفِ بِجانبِ الطريقِ لَتغيِيرٍه.

كُنتُ خائفة، فالمرورُ في تلك المنطقةِ كان خَطِراً جدأ، فكيف أستطيعُ الوقوف؟!

وحاولتُ جَهدي، أن أُغيِّرَ الدولابَ، إلّا أنَّني لم أُوَفَّقْ، بسببِ عدمِ قدرتي على التعامُلِ مع براغي الدولاب، فوقفتُ،

والخوفُ يَهِزُّ كِياني، آملةً الِاستعانةَ بأحدِ السائقين الّذين كانوا يمرّون من هناكَ بِسياراتهم الّتي كانت تمُرُّ مُسرِعةً من أمامي، والتي لم تتجاوز عددَ أصابعِ اليد الواحدة.

إلّا أنّني لم أُوَفَّقْ،إذْ لمْ يقفْ أحدٌ،من شِدّةِ الخوف، مع العلم أنَّني كنت قد هاتفت أخي ليأتيَ لمساعدتي، ولكنه لم يأتِ.

وفيما أنا في الِانتِظارِ، والخوفُ يأكُلُني، كُنتُ

أُحاولُ إيقافَ سيارةٍ، لكي تقلَّني إلى البلدة، لكن، لا أحد كان يجرُؤُ على الوقوف.

فجأةً،إذا بسيّارةِ رانج روڤر سوداء تتوقّفُ على الجهةِ المقابلة لسيارتي، وترجّلَ منها رجلٌ مُلْتَحٍ ، مربوعُ القامةِ متوجِّهاً نحوي، فازدادت دقّاتُ قلبي سُرعةً بِازدادِ منسوبِ خوفي، فما كان من الرّجُلِ، وقد رأى علامة خوفي على وجهي، إلّا أن بادرَني بصوتٍ هادىءٍ قائلاً: الله معكِ يا أُختَنا الكريمة. فأجبته بِاقتضاب: "أهلاً".

قال: "هل تحتاجين لمساعدة؟..

وُقوفُكِ هُنا خَطِرٌ جِدّاً، خاصةً في هذا الوقت".

تردَّدْتُ ما بيني وبين نفسي في قَبولِ أيِّ مُساعدةٍ منه، إلَّا أنّني تذكّرْتُ أنَّ أخي تأخَّر، وأن لا خيارَ عندي إلّا قبولُ المساعدة منه، وأجبْتُهُ بأنَّ دولابَ سيارتي يحتاج إلى تبديل.

-تكرمي على الراس والعين.

ونادى السائقَ الذي كان برفقته، وطلب منه أن يأتيَ بِحَجَرٍ لوضعه أمام السيارة، ثم سألني ما إذا كانت معي العدةُ المطلوبةُ لتبديلِ الدّولاب، فاجبتُهُ بأنَّها جاهزةٌ تحت السيارة قُربَ الدولاب.

كل ذلك وأنا أُحافِظُ على مسافةٍ ما بيني وبينه، خوفا منه.

ثم تقدَّم، وبدأ العملَ على تبديل الدولاب، وخلالَ دقائقَ كان مع صديقِهِ، الذي ظنَنتُ أنَّهُ اِبْنَهُ، قد أنجزا ما طلبته، وقال بصوتِهِ الهادىء:

هل تحتاجينَ شيئاً آخر؟

قلت: لا، ثُمّ تقدمت منهُ، لِأرى ذلكَ الوجهَ الذي يَشُعُّ نوراً،ويبدو هادئاً ويُشْعِرُ النّاظِرَ إليهِ بالاطمئنان؛ ولأشكُرَه على حُسْنِ صنيعِه معي، وهو لا يعرِفُني، ولا سألني مَنْ أكون ولم يُعرّفني عن نفسه.

ثُمَّ غادرتُ، وأنا أغرقُ بِتساؤلاتٍ كثيرة: مَنْ يكونُ هذا الرجل؟

أتُراهُ ملاكاً أرسَلَهُ الله لِمُساعدتي؟!

عندما وصلتُ إلى منزلي هجمتُ على أخي غاضبةً، لتأخُّرِه عن مساعدتي، حتّى علمتُ أنّ والدتي هي الّتي مَنَعَتْهُ من الذهاب، ظناً مِنها بِأنَّ أحداً ما منَ القريةِ سيمرُّ من هُناك،وبيمشي الحال.

وقَصَصْتُ عليهم ما حدث معي.

وظلَّت تلكَ الحادِثةُ تُعاودُني،وأنا أتساءل: من يكون ذلك الرجلُ "الملاك"؟ حتى رأيتُ صورتَهُ على شاشةِ التِّلفاز.

نعمْ، إنَّهُ هو: الشهيد أبو طالب.

اِنهارتْ أعصابِي وأجْهَشْتُ بِالبُكاء، بَكِيتُ كما لم أبكِ في حياتي، ورُحتُ أصرُخُ: نعم، إنَّهُ هو، و بدأتْ والدتي تُحاوِلُ أن تُهدِّئَ روعي، فقلتُ لها: إنَّهُ الرجلُ الذي ساعدني،

وأنقذني في تِلكَ الليلةِ العصيبة.

ودارتْ بِيَ الدنيا، وأنا أتساءل: أيُعرِّضُ رجُلٌ بمكانَةِ أبي طالبٍ، لهُ موقِعُهُ الّذي هو فيه، أيُعرِّضُ نفسَهُ للخطرِ منْ أجْلِي؟!!

أيُّ نَوْعٍ منَ البشرِ هُم هٰؤلاء الرِّجال، بل أيُّ شهامةٍ هي هذه التي تَزِينُهم، وأيّ أخلاقٍ بها يتحلَّوْن؟!!

أُقسِمُ: إنّهُم هُمُ

وحدَهُمُ المسيحيونَ بأخلاقِهِم أكثرَ من كثيرٍ من المسيحيين.

أُقسم بأنَّ سيدَهُم هو مسيحُ العصر، بل ومهما قُلتُ عنهم وكتبتُ، فلَنْ أفِيَهُم بعضِ ما هم أهلُهُ من الحق!!!

نَمْ هنيئاً أبا طالب، فَأنا لَنْ أنساك.

أبداً

لن أنساك. 

المصدر: موقع إضاءات الإخباري